أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« دهاليز السياسة الخفية » ... بقلم : عزالدين مبارك



 « دهاليز السياسة الخفية »
    بقلم : عزالدين مبارك                               
   23/4/2017


«  مجلة منبر الفكر » عزالدين مبارك     23/4/2017
 

في عالمنا العربي المليء بالأعاجيب والأساطير والخوارق والمفاجآت الغير منتظرة ليس هناك سياسة واضحة المعالم لها أهداف محددة ونواميس مضبوطة لكي نستطيع فهمها وفك طلاسمها الخفية ومعرفة محدداتها بل هي صيرورة لمصالح متشابكة داخلية وخارجية خاضعة للصدفة أحيانا وللضغوطات والمؤامرات في أحيان أخرى.

كما تظهر فجأة ودون مقدمات الظواهر السياسية ثم تغيب أخرى في لمح البصر وكأن الجن والعفاريت تحركها وتتلاعب بها في العتمة فلا نرى غير الضجيج والغبار المتطاير كسحابات أيام الصيف.

أما أهل السياسة فحدث ولا حرج فقد ترى عجبا فتخرج الشخوص من حيث لا ندري من الشقوق والثنايا الملتوية والدهاليز المظلمة فتملأ المسرح هرجا وعويلا وصراخا وهي غارقة في الولاءات ومدافعة بكل الجوارح عن القبلية الحزبية فتشيطن الخصوم وتتلهى بمقارعتهم بالحجج التي سمعوها منهم كالبضاعة المردودة.

وقد تجمعهم غريزة البقاء فيصبحون من آكلي اللحوم كالذئاب الشرسة يكيلون لمعارضيهم ومخالفيهم في الرأي والمطالبين بحقوقهم شتى أنواع التهم ويتمنون غيابهم الكلي عن المشهد نهائيا والغريب أنهم عندما كانوا خارج اللعبة يفعلون نفس الشيء تقريبا.

ولو كانت الانجازات أطنان الكلام لكنا من الدول المتقدمة والصفوف الأولى في الانتاج والانتاجية بحيث لا نسمع غير الجدل العقيم والتصريحات الرنانة والوعود والزيارات المكوكية ولا نرى على أرض الواقع غير تدهور الأوضاع المعيشية والأزمات والتقهقر الاقتصادي وتخلف في السلوك وانتشار الفساد بكل أنواعه.

فقد أضعنا وقتا طويلا في البحث عن مخرج توافقي بحيث عدنا للمربع الأول وحرب الهوية والإيديولوجيا التي لا تغني ولا تسمن من جوع في زمن العلوم والتكنولوجيا والاستحقاقات المعيشية ولاقتصادية.

 فلا ديمقراطية ستحقق لنا التنمية ولا جميع الايديولوجيات ستخلق الرفاهية والسعادة للمجتمع بلا انجازات فعلية على أرض الواقع كنتيجة لمنظومة قيمية فاعلة قادرة على الرفع من مستوى الانسان وتجذره في محيطه وبيئته وعالمه بعيدا عن الغوغائية والشعارات الجوفاء والإيديولوجيات الهدامة.

فلعنة التاريخ جعلت من الانسان العربي فريسة تجاذبات أيديولوجية غذتها الحقب الاستعمارية بنار التفرقة لم تفارق بعد مخيلة الساسة والطامحين للسلطة ولو على أشلاء من الجثث وأنهار من الدماء وذلك قمة في التعصب والتخلف الحضاري كما نشاهد اليوم على الخريطة العربية.

والمعارك على معبد الوهم الأيديولوجي تحركها شياطين السياسة وتؤججها نوازع البحث عن النفوذ والثروة لدى الكثير من الناس الجشعين والانتهازيين والصائدين في المياه العكرة والملوثة عوض أن تكون معركة أفكار وانتاج ومشاريع وانجازات وابداع معرفي خلاق.

فالحلول المستوردة التي جاءت مع حصان الربيع العربي والتي تريد فرض التعايش بين الإيديولوجيات المتناقضة بقوة الحيلة والمال والدسائس لتفتيت قوة الدولة المركزية خدمة لمصالحها الاستراتيجية المستقبلية تحت أنظار مندوبيها السامين وكأننا في زمن الاستعمار الأول لكن بأدوات أخرى وبقفازات من حرير.
فالسياسة الدولية التي تنفذ في للمنطقة العربية الآن قد تم التحضير لها منذ انهيار منظومة الاتحاد السوفياتي وقد تم تكوين اللاعبين السياسيين الأساسيين الذين نراهم اليوم على الساحة يصولون ويجولون ويقفزون للأماكن الأمامية في السلطة في المنظمات والمعاهد المتخصصة في التكوين السياسي الموجه.

ومن بين الوسائل المتبعة للهيمنة والاختراق الإغراق في القروض حتى تصبح الدولة عاجزة عن دفع مستحقات ديونها فتكون لقمة سائغة بين فكي أنياب الدوائر المالية العالمية فتجد الفرصة مناسبة لتملي شروطها وخاصة في ما يتعلق بالشأن الاقتصادي واعتناق حرية التجارة وتحرير الأسعار وتسريح العمال.

وقد تنكشف الأمور رويدا رويدا وقد بدأ الصراع يطفو على السطح بين الأعراف والنقابات فمن يا ترى سيدفع فاتورة هذه التحولات والاختيارات وهل نحن قادرين فعلا على وضع برامج اقتصادية واجتماعية فعالة وناجعة دون املاءات وتوصيات وضغوط أم أن القرار لم يعد بأيدينا؟

فما يظهر للعيان ولعامة الناس ليس سوى ذر الرماد في العيون فخلف الأكمة ما خلفها كما يقال فالقرارات المصيرية تحاك في الدهاليز المظلمة وخلف الستار وبينما الناس يتلهون بكتابة الدستور ويتابعون مهازل المجلس الوطني التأسيسي يحضر الآخرون على نار هادئة شتى صنوف الطبخ لهذه البلاد ولجوارها.

والطبخة في بعض البلدان القريبة والبعيدة عنا كانت بها بهارات حارقة بحيث لم يتم التحكم فيها بسهولة فانكشف الملعوب وتعقدت الأمور بتدخل دول أخرى نافذة ووجود ثروة هائلة تسيل لعاب الكثير من المتدخلين أما في تونس فقد توجه الجمع لاقتسام الغنيمة الهزيلة ولو على مضض خوفا من شياطين السياسة وصعاليكها المتوثبين هنا وهناك لافتراس الطريدة الحزينة واحتراق المعبد بمن فيه.

فالسياسة لعبة الكبار بامتياز وقد أضاعت أعمار الكثيرين هدرا وبلا فائدة غير السراب وأحرقت أصابعهم إلى حد وصولهم إلى سدة المشانق والاعدامات والمنافي الخالصة الأجر وقد تنقلب نعيما للبعض مشوبا بالخوف والريبة وكوابيس زوار آخر الليل وكثيرا ما تحولت إلى مرض عضال ولعنة ماحقة.


*عز الدين مبارك كاتب ومحلل سياسي 

 اقرأالمزيد لـ عزالدين مبارك


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 

ليست هناك تعليقات