أثناء رحلتي إلى إحدى زوايا الذاكرة البعيدة بدأت أشعر بالبرد فور اقترابي منها ولكن كان هناك ما يشدّني ويحثّني على مواصلة المسير فاقتربت شيئا فشيئا وعلى مهل وعندما اقتربت أكثر بدأت أصابعي وأذناي بالاحمرار وباتت ساقاي ترتجفان من شدّة البرد ربّما يكون هو التجمّد ما ينتظرني في هذا المكان ولكن إصراري على مواصلة المسير كان كبيرا وبتّ أحاول أن أدفّئ نفسي مستعينا بحرارة الشوق لسنين قديمة كانت هنا ثم غادرت فقد بقيت لفترة في ذاكرتي الحيّة ثم غادرتها إلى حيث المجهول، وبتُّ أتساءل؟ ترى هل البرودة التي أشعر بها مؤشّر على دخولي إلى مناطق الأفكار الميّتة في ذاكرتي؟! فكّرت وفكّرت ثم أجبت بنعم معلّلا إجابتي بأن للفراق نارا متأجّجة تحرق لنا الواقع وتبني لنا سجون في الماضي لنقضي فيها فترة من حياتنا إلى أن يأتي علينا فصل النسيان ببرده القارس ليطفئ لنا النيران ويجمّد ذاكرتنا القديمة ويرسم لنا خطة الهرب من سجون الماضي ويوهمنا بمستقبل أجمل أقل ألما وأكثر فرحة فنصدّقه ليس لاقتناعنا بما يقول ولكن هي المشاعر المنهكة تلك التي باتت تزيد في إلحاحها على قلوبنا وتقول لها أأنتِ صديق لنا يحبنا أم عدو يكرهنا ألا يكفي كل هذا الكم من الألم فقد أذقتِنا معكِ من المر الكثير وتتساءل؟ ترى أي ذنب ذلك الذي اقترفتاه حين أخلصنا في صداقتك أم أن القدر هو ذلك الذي تولّى أمر جمعنا سويا واسترسلت تلك المشاعر بالحديث وظلّت تلح وتلح وترسم لقلوبنا لوحات تحكي الضجر علّها تستجدي عطفها إلى أن أصاب القلوب داء الملل وأصبح دويا عاليا يرافق آذانها يناديها من بعيد أنْ ارحلي فربما يكون طريقك السهل هو ذلك المتّجه نحو الرحيل فوافقت القلوب على الهرب من تلك السجون التي آوتها لسنين وحاولت الهرب مرارا ولكن حرّاس سجون الماضي كانوا يعيدونها من جديد، لكن الإلحاح كان أقوى من تلك القيود التي صنعتها الذاكرة من الحديد وظلّ الهرب فكرة تعاود القلوب السير على دربها بإصرار عنيد إلى أن نجحت في الهرب وبدأت تركض بجنون فقد ذاقت طعم الحرية من جديد وأوهمتها الفرحة بأن الحرية أبدّية وأنستها بأن الحاضر هو أمس المستقبل وأن الزمن سيعاود الكرّة من جديد.
رائد النوباني
|
ليست هناك تعليقات