أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

التراث بين السوبر حداثة والسوبر مستقبلية ... بقلم : حسن عجمي



 التراث بين السوبر حداثة والسوبر مستقبلية
 بقلم : حسن عجمي
 12/6/2016



 نرسم في هذه المقالة معالم فلسفة السوبر حداثة والسوبر مستقبلية ونظرتها إلى التراث. لقد خدعتنا فكرة أن التراث جزء من الماضي، والحقيقة هي أن التراث جزء أساسي من المستقبل لأنه من صنعنا نحن بالذات. فمثلاً، نحن الذين جعلنا التراث سجناً لعقولنا بدلاً من أن نجعله محرراً لنا، وذلك من خلال قراءتنا السوبرمتخلفة له. نظن أننا نعرف التراث، لكننا نحيا في جهله. فالتراث غير محدَّد ما هو تماماً كما تقول السوبر حداثة، وبذلك يعتمد التراث على آليات فكرنا كي يغدو محدَّداً في مضامينه ومقاصده. لكننا اليوم نرفض العقل والفكر ولذا لم نتمكن من فهم تراثنا ومعرفته تماماً كما لم ننجح في فهم الغرب الحديث وتراثه. بالنسبة إلى السوبر حداثة، اللامحدَّد يحكم العالم. من هنا، التراث العربي والإسلامي غير محدَّد ما يجعله معتمداً علينا في تحديده. مثلاً، بالنسبة إلى تراثنا، من غير المحدَّد ما إذا كان الإنسان حراً في القيام بأفعاله أم غير حر. فثمة آيات قرآنية تدل على أن الإنسان حر كآية” ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدّمت أيديهم”، وثمة آيات قرآنية أخرى تشير إلى أن الإنسان غير حر كآية” والله خلقكم وما تعملون”. كما أنه من غير المحدَّد، بالنسبة إلى تراثنا، ما إذا كانت المعرفة ممكنة أم لا. أي من غير المحدَّد ما إذا كان من الممكن للإنسان أن يحصل على المعرفة أم لا. فثمة آيات تدعوإلى المعرفة وبذلك تسلّم بإمكانية الوصول إلى المعرفة، وثمة آيات أخرى تشك بقدرات الإنسان العقلية وإمكانية أن يصل إلى معارف حقيقية كتلك التي تقول” وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولا”. الآن، بما أن التراث غير محدَّد، إذن من المفترض أننا نحن مَن سنحدده، وبذلك نحن مَن نصنع التراث بدلاً من أن يصنعنا. هكذا يحررنا التراث بدلاً من أن يسجننا في معتقداته لأن معتقدات التراث أصبحت محدَّدة من قبلنا نحن بالذات بفضل لامحددية التراث ومواقفه. من هنا، تقدّم السوبر حداثة آلية تحرر قصوى من خلال اعتبارها أن اللامحدد يحكم العالم وبذلك يحكم الماضي والتراث أيضاً. فبما أن الماضي وما يتضمن من تراث غير محدَّد ما هو، إذن لا بد من أن نحدّده نحن وبذلك يغدومعتمداً علينا بدلاً من أن نكون معتمدين عليه ما يضمن تحررنا منه دون إلغائه. بما أننا نحن الذين نحدِّد التراث، إذن تراثنا يتخذ المضامين نفسها التي نؤمن أونعتقد بها. من هنا، يغدوتراثنا متخلفاً فقط إذا كنا نحن متخلفين، ويصبح تراثنا متطوراً فقط إذا كنا نحن متطورين. لذا الشعوب المتخلفة تملك تراثاً متخلفاً لأنها تقرأ تراثها بأسلوب متخلف بينما الشعوب المتطورة لديها تراث متطور لأنها تقرأ تراثها بمنهج متطور. هكذا تتمكن السوبر حداثة من تفسير تلك الحقيقة ألا وهي أن المتخلف يملك تراثاً بل تاريخاً متخلفاً بينما المتطور يملك تراثاً بل تاريخاً متطوراً. فبما أن التراث غير محدَّد ما هو، إذن يتحدد التراث على ضوء مَن نحن، وبذلك يغدومتخلفاً من جراء تخلفنا ويغدومتطوراً من جراء تطورنا. لكننا اليوم سوبر متخلفون لأننا نطوّر التخلف من خلال استخدام العلوم والمعارف والمنجزات الحضارية كافة من أجل نشر الجهل والتعصب، وبذلك من الطبيعي أن نفهم التراث بطريقة سوبرمتخلفة فيمسي تراثنا سوبرمتخلفاً يدعوإلى كره بعضنا البعض وإلى الاقتتال فيما بيننا. تراثنا غير متخلف وغير متطور لأنه غير محدَّد ما هو. لكننا جعلناه سوبر متخلفاً من خلال قراءتنا له بطريقة سوبر متخلفة. فمثلاً، لدى إبن تيمية نظريات تفصيلية حول المعرفة والمعنى واللغة لكننا نجهلها تماماً ولا نعرف من أعمال إبن تيمية سوى فتوى تكفير علماء الشيعة التي حوّلها سوبر تخلفنا إلى تكفير للشيعة أنفسهم بدلاً من تكفير علمائهم. وفتواه هذه ليست سوى صفحة واحدة من عشرات الآلاف من الصفحات التي كتبها في مواضيع أخرى. لكن سوبر تخلفنا اختزل إبن تيمية في صفحة واحدة هي بمثابة دعوة دائمة إلى الحرب بين السُنة والشيعة. مثل آخر على أننا نحن مَن خلقنا تراثاً سوبر متخلفاً هوأن الحلاج بشعره وتصوفه يمثل الحضارة الإسلامية والعربية، لكن يرفض معظم المسلمين الحلاج ويكفرونه بل معظمنا لا يعرف مَن هوأصلاً. هكذا صنعنا تراثاً سوبر متخلفاً لأننا سوبر متخلفون؛ فوظيفتنا الأساسية أمست الحفاظ على التخلف وتطويره. من جهة أخرى، تؤكد السوبر مستقبلية على أن التاريخ يبدأ من المستقبل. هذا يعني أن ماهيات الأشياء والحقائق والظواهر محدَّدة فقط في المستقبل. وبذلك، بالنسبة إلى السوبر مستقبلية، الأشياء والظواهر غير محدَّدة في الحاضر والماضي تماماً كما تقول السوبر حداثة. من هنا، تشكّل السوبر حداثة والسوبر مستقبلية مذهباً فلسفياً واحداً منسجم العناصر. على هذا الأساس، للسوبر مستقبلية موقف صريح من التراث ومنسجم مع موقف السوبر حداثة. لكن قبل الدخول إلى عالَم التراث السوبر مستقبلي لا بد من توضيح فلسفة السوبر مستقبلية بشكل عام. تختلف السوبر مستقبلية عن المستقبلية؛ فبينما المستقبلية تحاول التنبؤ بما سيحدث في المستقبل على ضوء ما يحدث في الحاضر وما حدث في الماضي، تدرس السوبر مستقبلية الحاضر والماضي من خلال المستقبل وبذلك تقلب السوبر مستقبلية معادلة المستقبلية. فبما أن ماهيات الحقائق والظواهر كافة محدَّدة في المستقبل فقط، إذن من المتوقع أن تحلّل السوبر مستقبلية الحقائق والظواهر من خلال مفهوم المستقبل وبذلك تدرس السوبر مستقبلية الظواهر كافة من خلال المستقبل. وهذا هوالمقصود من أن التاريخ يبدأ من المستقبل. بكلامٍ آخر، السوبر مستقبلية مذهب فلسفي يعرّف المفاهيم ويقدّم الحلول للمشاكل الفكرية من خلال مفهوم المستقبل. فإذا نظرنا إلى أي شيء سنجده يفقد صفاته كلها عبر الزمن ، وبذلك ماهيته غير قائمة وغير محدّدة في الحاضر والماضي. لكن إذا لا توجد ماهيات للأشياء، إذن لن تتميز عن بعضها البعض ولن تختلف ، وهذا محال. من هنا، تقول السوبر مستقبلية إن ماهيات الأشياء محدّدة في المستقبل فقط ، ولذا لا بد من تحليل المفاهيم من خلال المستقبل. على ضوء هذا المشروع الفكري سنقدّم نظرية السوبر مستقبلية في المعنى ، ومن ثم نعرض موقفها من التراث. بالنسبة إلى السوبر مستقبلية ، المعنى قرار اجتماعي في المستقبل. هكذا تعرّف السوبر مستقبلية المعنى من خلال المستقبل فتغدوالمعاني محدَّدة في المستقبل فقط وغير محدَّدة في الحاضر والماضي. لهذا التحليل السوبر مستقبلي للمعنى فضائل عدة منها : أولاً ، بما أن المعنى قرار اجتماعي ، والعلماء يشكّلون جماعة معينة لها قراراتها العلمية التي تعبِّر عن الواقع ، إذن المعاني تعبّر عن الواقع ما يضمن إمكانية الوصول إلى المعرفة. هكذا تنجح السوبر مستقبلية في التعبير عن إمكانية الحصول على المعرفة وبذلك تكتسب فضيلتها الأولى. ثانياً ، بما أن المعنى قرار اجتماعي ، وبما أن القرار الاجتماعي يشترك في اتخاذه معظم أفراد المجتمع ، إذن المعاني مشتركة بين أفراد المجتمع ما يضمن إمكانية التفاهم والتواصل بين الأفراد من خلال اللغة. هكذا تنجح السوبر مستقبلية في التعبير عن إمكانية التفاهم والتواصل اللغوي ، وبذلك تكتسب فضيلتها الثانية. ثالثاً ، بما أن المعنى قرار اجتماعي في المستقبل ، وبما أن المستقبل لم يتحقق بعد بشكل كامل في الحاضر والماضي، إذن لا بد من البحث الدائم والمستمر عن معاني المفاهيم ما يضمن استمرارية البحث العلمي والفلسفي. واستمرارية البحث فضيلة كبرى. كل هذه الفضائل تدل على مصداقية الاتجاه السوبر مستقبلي. الآن ، بما أن المعنى قرار اجتماعي في المستقبل ، إذن المعاني غير محدَّدة في الحاضر والماضي بل محدَّدة فقط في المستقبل. لذا لا يكتسب التراث معانيه سوى في المستقبل. لكن المستقبل من صنعنا، وبذلك نحن مَن نصنع التراث. من هنا، من الضروري إعادة صياغة التراث بل خلقه من جديد ليكون. بالنسبة إلى السوبر مستقبلية، لا يوجد تراث مستقل عنا بل نحن مَن نصنعه. ولأننا اليوم سوبر متخلفون ، صنعنا تراثاً سوبر متخلفاً. فمثلاً ، لا نعلم ما هي نظريات ابن تيمية في اللغة والمعنى ، لكننا متأكدون من تكفيره للنصارى والشيعة. لكن لوكنا خارج سجون السوبر تخلف لأجرينا البحث العلمي على التراث واتخذت فتاوى التكفير حيزاً ضيقاً ومجهولاً من تراثنا وبرزت بدلاً منها نظريات تراثنا الفلسفية والعلمية المفيدة والعميقة حقاً. هكذا الأحياء يخلقون تراثهم ، والأبناء ينجبون أجدادهم. فالنص لا يكتمل إلا إذا تم فهمه ، ولا يُفهَم إلا من خلال نظريات من نتاجنا لأن على ضوئها نقرأ ذواتنا ونصوصنا وتراثنا. لذا التراث غير موجود بشكل مستقل عنا بل نحن مَن نبدعه. لا بد من أن نكون متطورين ليكون تراثنا متطوراً، ولا بد من أن نكون متحضرين ليصبح تراثنا متحضراً وإلا سنبقى عبيد السوبر تخلف الذي يقتلنا باستمرار.

حسن عجمي


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط هنا

ليست هناك تعليقات