أنا يوسف يا عرب ... بقلم : محمد علي طه
اعتدتُ في السنوات العجاف اذا ادلهمّ الجو، وصارت الدنيا توءمًا لسم الخياط، أن ألجأ الى "كتاب الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني أو كتاب"ألف ليلة وليلة" ومؤلفه المجهول أو كتاب "اللزوميات" لزوبعة الدهور وإمام العقل أبي العلاء المعري، لأسرّي عن نفسي وأستعيد تفاؤلي الذي لفعته غمامة رمادية. ولكنني وجدت نفسي في هذه الأيام، ولا أدري السبب، أعود الى سورة يوسف في القران الكريم فأتلوها وأدرسها مثنى وثلاث ورباع، وأغوص في شرحها وتفسيرها. وأبحث عن والد يوسف وأمه وأخوته وأخواته وزوجات أبيه. وقادني هذا الأمر الى قراءة القصة بتفاصيلها المُمِلّة في العهد القديم وقراءة تعريبها وأسلمتها في قصص الإسرائيليات الإسلامية التي تسلّلت الى تراثنا.
"أنا يوسف يا أبي" أنا يوسف يا عرب. اتّهمني اخوتي بالعناد أحيانا وبالهرولة الى الأسرلة أحيانا وجمعوا الصيف والشتاء على سطح بيت واحد، في ليلة واحدة، ونسوا أن الحاضر هو ابن الماضي، وتجاهلوا الذين تأسرلوا منذ عقود وبكوا على صخرة القدس بدموع عبرية. أنا يوسف. "أخوتي لا يحبونني". أهانونني أمام القريب وأمام الغريب. شتموني باللغة العربية وبالايدش وألقوني في غياهب الجب وقالوا: موتا تموت يا منغّص حياتنا. يا شوكة قندول حلوقنا. يكرهونني يا ناس لأن زرقاء اليمامة أختي وعنات حبيبتي. وشعر رأسي ناعم وجميل. لا فرق بين أخي روبين وبين اخوتي شمعون ويهوذا واشر. ولا فرق بين بنيامين وبين الذي ضاجع زوجتك يا أبي على فراشك. رائحة الزنا تملأ قصرك... ومخدعك... لا تؤاخذني يا أبي. لا تؤاخذني يا شعبي العربي.
اخوتي الأحد عشر لا يريدونني بينهم. شنقوا الماتح (الذي ينزل الى البئر ليملأ الدِّلاء اذا قلّ الماء) كي أموت عطشا في الربع الخالي، ورجموا الماتت (الذي يرفع الدِّلاء بالحبل) كي يجفّ جسدي مثل العود اليابس. لا ذنب لي سوى أني زين الشبان. زين الشبان لم يمتع بالشباب. وأنا بشرٌ سويّ. لست ملاكا كريما. وأنا لست السبب لتقطيع نسائكم أيديهن بالسكاكين. أخوتي يكرهونني يا ناس، يا عالم، يا بشر، ويشربون نبيذ زمارين مع أعدائي. يتآمرون معهم ليتخلصوا مني. يأكلون الجبنة ويشربون نبيذ الجولان المحتل... ويلعنونني. يريدون ممارسة الزنا العلني بعد أن مارسوا الزنا سرا لعقود خلت ومازالوا في غيهم وعهرهم يعمهون.
وأطفير يا أبي يقول لي اعرض! اعرض عن ماذا؟ هل ذنبي جمال وجهي ونعومة شعري وعيناي اللتان تريان البعيد البعيد. يصرون على أن أدخل مدرسة زيطة في زقاق المدق. أخي الشرقاوي باعني بشروى نقير وأخي الغرباوي باعني بطبق كُشري. وأنا يوسف يا عرب، يا بلدي، واخوتي الأحد عشر يريدونني أن أموت "كي يمدحوني" ويغسلوا ايديهم من دمي ويتفرّغوا لتجارتهم وينشغلوا بأسواقهم الحرة ويبيعوا زعتر المستوطنات وخمرة المستوطنات وفياغرا المستوطنات في سوق عكاظ وسوق البصرة وسوق دبي وخان الخليلي. و"لتضرب اوروبا وقراراتها" يقولون ان المستوطنين أولاد عمومتنا. أبناء عماتكم وخالاتكم. هل سمعت يا أبي؟
أنا يوسف يا عرب. يا ظهري الصلب. يا سنديانتي الجرمقية وزيتونتي المقدسية. أنا يوسف يا زناة القرن الحادي والعشرين. يااللذين باعوا الزباء والحدائق المعلقة والاهرام... لا تبكوا على صخرة القدس بعبرات عبرية. أنا يوسف أنا باقٍ على الأرض وفي الأرض. أخوتي يكرهونني. ورحم الله محمود درويش.
ليست هناك تعليقات