إن ( الأنثروبولوجيا الدينية ) هي : دراسة متعمقة للشعوب و معتقداتها ، و كيف تعمل هذه المعتقدات في التشكيلة الثقافية لشخصية الإنسان في المجتمع المعني أو المجتمع تحت الدراسة ، و في هذا المضمار لا تشكل الأنثروبولوجيا الدينية دراسة لاهوتية ، و لا تشكل أيضاً دراسة حول الحقيقة الإلهية للدين ، بقدر ما هي دراسة للإنسان ، ما يعتقد به و ما يشكل بالنسبة له حقيقة مطلقة .
ان الديانة و المعتقدات ليست أشياء مادية نتعامل معها ، و ربما أن مثل هذه المفاهيم المعنوية تتشابك مع مفاهيم معنوية أخرى نتعامل معها كالعادة ، و القيمة ، و المعيار ، و الأخلاق ، و غيرها . جميع هذه مفاهيم غير مادية لا نعرفها إلا من خلال الكلمات و السلوكيات التي تدل عليها و تشير اليها .فالمعتقد ليس شيئاً حسياً نستطيع وصفه فهو شيء لا يعرف إلا بما يعبر عنه صاحب المعتقد أو ما نفهمه من صاحب المعتقد نفسه .
و لقد وقع الأختلاف في الآراء حول مدى التفاعل ما بين الدين و الثقافة ، و هل أن الثقافة ترتكز على الديانة و أن الديانة هي أصل الثقافة ؟ أم أن الديانة هي احدى المكونات لثقافة الفرد و المجتمع ؟ . ذلك لأن الديانة في لحظة ما تصبح منسوجة بالثقافة ، كما و أن الثقافة تصبح مندمجة مع الرؤية الدينية بحيث يصعب الفصل فيما بينهما .
كما و أن التركيز في الانثروبولوجيا الدينية يقع على مفهوم الحضارة أكثر مما يقع على مفهوم الديانة لأن الحضارة التي توجد فيها الديانة أو ديانة ما هي التي تحدد طبيعة هذه الديانة ، و يمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك لنقول : ان اهتمام الانثروبولوجيا الدينية يتركز على الخصائص الاجتماعية للدين . و عندما نتكلم عن الديانة هنا فإننا نتكلم عن ديانة مجموعة إنسانية لها ثقافة معينة كما هو الحال في الحديث عن الحضارة . و الديانة هي دائماً ديانة مجموعة معينة من الناس ، فحين نتكلم عن ديانة الفرد فإننا نفكر بديانة الجماعة التي ينتمي إليها ذلك الفرد و التي يشاركها حضارتها أو ثقافتها . و من المؤسف له أن كثيراً من المفكرين يغفلون عن أهمية الارتباط بين ظاهرة الـدين و جماعة معينة مـن الناس .
لقد شكلت الظاهرة الدينية محوراً اساسياً في الدراسات الرائدة في العلوم الاجتماعية مثل علم الاجتماع والانثروبولوجيا ، وذلك لان الرواد الأوائل لهذين العلمين في أوربا كانوا مدفوعين بدافع البحث عن بدائل للانهيارات في المؤسسات الدينية بسبب الثورة الصناعية و الثورة السياسية التي حصلت منذ منتصف القرن الثامن عشر ، وكأنهم كانوا يبحثون عن علم اخلاق بديل للاخلاق التي كانت تفرضها المنظومات الدينية .
ان المادة التي استخدمها العلماء الرواد في مجال الانثروبولوجيا ودراسة الظواهر الدينية ، هي تقارير استخدمها هؤلاء العلماء من اجل تثبيت نظرياتهم .
ان هذه التقارير لم تكن مليئة بالمغالطات فحسب ، بل لقد كانت انتقائية تماماً وهذا هو صلب الموضوع . فالرحالة و المغامرون و الضباط الاستعماريون كانوا يبحثون عن كل ما هو غريب و جذاب وملفت للمجتمع الغربي ليركزوا عليه ملاحظتهم و مذكراتهم ، و هكذا كان للسحر و الطقوس الدينية البدائية و الغيبيات الحصة الاكبر في هذه الكتابات ، بل نستطيع القول انها شكلت تسع اعشار دراسة المجتمعات البدائية[1] .
كما وان اعتماد الرواد على ( التاريخ الظني ) او الافتراضي اوقعهم في كثير من الاخطاء ، لانهم كانوا يحاولون رسم خط التطور التصاعدي للمجتمعات الانسانية من اوطأ درجات سلم التطور الذي اعتبروا اولى خطواته هي المجتمعات البدائية المعاصرة لهم ، و تعاملوا معها على انها نوع من المتحجرات الاجتماعية ، معتمدين على طريقة قياس اثبت خطلها ، و هي ان المجتمعات المتخلفة تقنياً لابد و ان تكون نظمها الاجتماعية بدائية مثل تقنياتها ، بينما اثبت العلماء اللاحقون ان كثيراً من نظم و انساق المجتمع البدائي كانت متطورة و عملية ، فالفن البدائي مثلاً متطور اذا ما تعامل معه الناقد بموضوعية ، و كذلك نظم الادارة و الحريات الفردية التي يعيشها الفرد في ضمن بدنته الاجتماعية[2] .
المراجع
[1] : نظريات الدين البدائي ، ادورد ايفان ايفانز بريتشارد ، ص 152 .
[2] : البدائية ، اشلي مونتياغو ، ص 250 ـ 252 .
ليست هناك تعليقات