هذه التفجيرات جاءت بعد اخرى مماثلة في حي الكرادة في مدينة بغداد،
ادت الى مقتل اكثر من 210 اشخاص، واصابة المئات، وبعد اربعة ايام
من اقتحام ثلاثة انتحاريين من منطقة القوقاز مطار اتاتورك في اسطنبول، اطلقوا النار على المسافرين والمستقبلين قبل تفجير احزمتهم الناسفة، وجاءت النتيجة مقتل 43 شخصا.
اصابع الاتهام تشير الى “الدولة الاسلامية” وخلاياها الانتحارية بالوقوف خلف جميع هذه التفجيرات التي ارادت “الدولة” من خلالها توجيه “رسالة دموية” واضحة الى التحالف الدولي الذي يشن حربا شرسة للقضاء عليها واستئصالها، في العراق وسورية، بانها ما زالت قوية، وقادرة على الرد بنقل الحرب الى قلب الدول التي تحاربها، والمسلمة منها على وجه الخصوص، مهما بلغ عددها ومهما بلغت قوتها.
وعندما وصفنا التفجير الارهابي الذي وقع لحظة الافطار، واستهدف مقرا لقوات الامن السعودية في الحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة، بأنه الاخطر، فإننا تقصدنا ذلك، انطلاقا من الاهمية الدينية والقدسية الخاصة لهذا المكان بالنسبة لمليار ونصف المليار مسلم في القارات الخمس، وفي مثل هذا الشهر الفضيل، وقبل عبد الفطر المبارك.
***
استهداف المملكة العربية السعودية بأربعة انفجارات في يوم واحد، وفي اماكن مختلفة في شرقها وغربها، جرى اختيارها بعناية فائقة، وتتدرج من مساجد شيعية، الى قنصلية امريكية، وصولا الى الحرم النبوي الشريف، الهدف منه زعزعة استقرار هذا البلد وامنه قبل اسابيع معدودة من موسم الحج، حيث يتدفق اكثر من مليوني حاج من مختلف انحاء العالم لاداء هذه الفريضة، وتوحيه انذار او تهديد واضح بان هذا الموسم قد يكون الهدف المقبل.
ندرك جيدا ان قوات الامن السعودية، او غيرها لا تستطيع، مهما اؤتيت من قوة وكفاءة، وتسلحت بأحدث الاجهزة والاسلحة، لن تستطيع منع هذه التفجيرات، فمن يلفون وسطهم بالاحزمة الناسفة، ويريدون “الشهادة”، ويؤمنون في اعماق وجدانهم ان هذه التفجيرات هي اقصر الطرق للوصول الى الجنة، لا يمكن منعهم، او السيطرة عليهم، واجهاض افعالهم الارهابية الدموية هذه، ولكن هناك استراتيجيات قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، يمكن تطبيقها واتباعها لتقليص هذه الاخطار تميهدا لمنعها.
هناك عدة قراءات ممكن الوصول اليها واستخلاص عبرها من هذه التفجيرات الارهابية المدانة وركامها، ونحن نتحدث عن تلك التي وقعت في القطيف وجدة والمدينة المنورة تحديدا:
اولا: ان قوات الامن السعودية وما تملكه من ميزانيات واجهزة امنية استخبارية فشلت في رصد هذه الخلايا التابعة لـ”الدولة الاسلامية” والقضاء عليها بالتالي، لكنها اعتمدت الحلول الامنية بمعزل عن الحلول الفكرية والايديولوجية والسياسية والاجتماعية.
ثانيا: ان “الدولة الاسلامية” ما زالت تملك خلايا نشطة في الداخل السعودي، وفي اوساط الشباب خاصة، وبأعداد كبيرة يصعب حصرها، قادرة على التحرك عندما تأتيها التعليمات، بذلك وفي الوقت المحدد.
ثالثا: ان الخطر على امن المملكة واستقرارها لا يكمن بالدرجة الاولى في الحوثيين في اليمن، ولا الجار الايراني الشيعي، او النظام السوري، وانما في الداخل السعودي، وان الحرب الحقيقية التي يجب ان تخوضها ليست في اليمن، ولا في سورية، ولا في العراق، ولا في ليبيا، وانما داخل حدودها، حرب لا يمكن خوضها بطائرات “عاصفة الحزم”، ولا بالدبابات الحديثة الامريكية الصنع، وانما حرب فكرية، حرب للقضاء على الفساد، والاصلاحات السياسية والاجتماعية، وتوفير فرص العمل للشباب، واستيعابهم في مشاريع منتجة.
رابعا: تغيير كل السياسات التي تتبعها المملكة حاليا، وتتمثل في محاولة اصلاح وترتيب بيوت الآخرين، والتدخل في شؤونهم الداخلية عسكريا، وتغيير انظمتهم، بينما البيت السعودي هو الذي يحتاج الى ترتيب واصلاحات جذرية، والاولى بالعناية والاهتمام.
خامسا: الالتفاف الى قضايا الامة المركزية والبعد عن الشبهات، وابرزها التواصل سرا او علنا مع اعدائها، واسرائيل على رأسها، وعدم ترك هذه القضايا للآخرين، مثل ايران وحلفائها وميليشياتها، وكسب الاصدقاء وتقليص الاعداء في الداخل والخارج.
اللواء ابراهيم التريكي، المتحدث باسم زارة الداخلية السعودية كشف عن جهل حقيقي بالخطر الذي يستهدف بلاده عندما تسرع محاولا تبرئة المواطنين السعوديين من الوقوف خلف هذه التفجيرات، والتأكيد على ان من نفذ الهجوم الانتحاري الاول على القنصلية الامريكية في مدينة جدة كان من المقيمين، اي ليس سعوديا، وينسى ان الارهاب الذي يضرب المملكة، واماكن اخرى في العالم، ارهاب عابر للقارات والجنسيات، ومن هو ارهابي مواطن في السعودية مقيم في سورية او العراق او اليمن، والعكس صحيح.
“الدولة الاسلامية” ربما تتراحع جغرافيا، وتخسر بعض المدن في حرب يخوضها ضدها تحالف من مئة دولة، بينها دولتان عظميان، برا وجوا، ولكنها ما زالت قادرة على التمدد عنفا وارهابا، وتضرب في عمق دول خصمها، والسعودية من بينهم، ومن اغرق في التفاؤل واحتفل مبكرا بهزيمتها، ربما يكون تسرع، فالحرب ضدها ما زالت طويلة، وهي حرب عقول وايديولوجيات، قبل ان تكون جرب امنية وعسكري.
***
السياسات السعودية التي تتبنى مبدأ التدخل عسكريا وسياسيا في شؤون الآخرين، وتغيير انظمة، وزعزعة استقرار دول وتفتيتها، وتبني الفكر الطائفي، وتصديره خارج حدودها، هذه السياسات باتت تعطي نتائج عكسية تماما، ولا بد من تغييرها بأسرع وقت ممكن ليس لانها اثبتت فشلها، وانما لانها بدأت ترتد على اصحابها دمارا، في وقت نجح الآخرون في امتصاصها والتعايش معها، وتقليص اخطارها، اذا لم يتم تحييدها بالكامل، ونحن نتحدث هنا عن اليمن والعراق وسورية تحديدا.
حروب السعودية الخارجية فشلت كلها، وجاءت نتائجها كارثية عليها وعلى الآخرين، وحروبها الداخلية ليست افضل حالا، وحان وقت المصارحة، والمكاشفة، والتغيير الجذري، والاستمرار في المكابرة والغرور، مثلما يحدث حاليا يصب المزيد من الزيت على نيران الفشل، ولا بد من عملية “انقاذ” سريعة وهذه مسؤولية العقلاء والحكماء الذين يجب ان يتصدورا الصفوف ويصححوا.
ليست هناك تعليقات