أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

المذاهب الأدبية عند الغرب ... بقلم : عبد الرزاق الأصفر



 المذاهب الأدبية عند الغرب
 بقلم : عبد الرزاق الأصفر 
 1/7/2016





المذهب الأدبيّ أو المدرسة الأدبيّة جملةٌ من الخصائص والمبادئ الأخلاقية والجمالية والفكريّة تشكّل في مجموعها المتناسق، لدى شعب من الشعوب،

ويشمل المذهبُ كلّ أنواع الإبداع الفنيّ كالأدب والموسيقا والرسم والنحت والزخرفة والأزياء والطرز المعماريّة فهو حصيلة فلسفيّة تبلور نظرة الأمة إلى العالم والإنسان، وموقفها وهدفها ومصيرها وبالتالي طرائق تعبيرها الفنيّة. 
المذهب التاريخي النقدي الذي عُني بدراسة البيئة ومدى تأثيرها في الآداب والفنون وتأثرها بها ودلالة هذه الإبداعات على ملامح البيئة وتصويرها لتياراتها الخفيّة والظاهرة وإرهاصاتها المستقبليّة

يقول طه حسين في دراسته الأولى للمعري "إن الرّجل وماله من آثار وأطوار نتيجةٌ لازمة وثمرة ناضجة لطائفةٍ من العلل اشتركتْ في تأليف مزاجه وتصوير نفسه.. والخطأ كلّ الخطأ أن ننظر إلى الإنسان نظرتنا إلى الشيء المستقل عما قبله وبعده، الذي لا يتصل بشيء مما حوله، ولا يتأثر بشيءٍ مما سبقه أو أحاط به"

ومن هذا التأثير البيئي العام يتكوّن بشكل عفوي، على صعيدي الممارسة والإنتاج "مذهب" لا تتضح معالمه أول الأمر ولا تلحظ قواعده، بل يحتاج إلى مرور عشرات السنين حتى يأتي الدارسون والنقاد والمنظرون الذين يتأملون تلك الظاهرة وأسبابها وتجلياتها وتطورها ثم يخلصون إلى استخلاص قواعدها وفلسفتها وتحديد معالمها وأعلامها ومصطلحاتها وظروفها المكانية والزمانية، وتأثيرها وتأثرها.. فإذا بمدرسة نقدية كاملة تنشأ حول هذا المذهب أو ذاك.. 

المذهب الكلاسيكيّ classicisme
أول مذهب أدبيّ نشأ في أوربا في القرن السادس عشر بعد حركة البعث العلميّ. وقوامه بعث الآداب اليونانية واللاتينية القديمة ومحاولة محاكاتها، لما فيها من خصائص فنية وقيمٍ إنسانية.

أما لفظ "كلاسيّك" فهو مصطلح عائم المعنى، قليل التحديد، وعلى الرغم من شيوعه لا يمكن ربطه بزمن دقيق ومكان معيّن وخصائص حاسمة، لكنه يَعني بشكلٍ عام كلَّ عملٍ عظيم وجميل، خضع للتطوير والتكامل سنين طويلة حتى بلغ غاية الإتقان. وبتعبير آخر، يعني كلَّ عمل أجمعت العصور على جماليّته .

( الكلاسيكية هي التعبير عن الأفكار العالية والعواطف الخالدة بأسلوب فنّيٍ متقنٍ روعي فيه النظام والدقة والابتعاد عن كل ما هو غريزي وبدائي وغير منضبطٍ بقواعد وقوانين .
ولم يظهر هذا الاصطلاح إلاّ في القرن التاسع عشر، فأول ما ظهر في إيطاليا عام 1818 ثم ما لبث أن شاع في أقطار أوربا خلال مدة لا تزيد عن عشرين عاماً. هذا في مجال الدراسات والنقد، أما في مجال الممارسة فقد كان الاتجاه موجوداً منذ القرن السادس عشر، بل قبله، لكنْ دون استعمال كلمة الكلاسيكيّة .

اشتقاق المصطلح فيعود إلى لفظ "كلاسّ Classe" ويعني الصّنف، أو الصفّ في المدرسة. وكان لفظ "كلاسيك" يعني الشيء المدرسيّ، أو يُطلق صفةً للأديب الذي تدرّس آثاره في الصفوف والكلّيات .

بدءاً من القرن السادس عشر ينتقل مركز النشاط الكلاسيكي من إيطاليا إلى فرنسا) .

الكلاسيكية فى فرنسا :-
كانت ملامح الكلاسيكية فى فرنسا واضحة ومزدهرة نتجت عن تنوع الاتجاهات والمدارس الشعرية فيها ومنها:-
1- مدرسة الشاعر كليمان مارو: C.Marot(1407-1544):
وكان هذا الشاعر في أول الأمر يُعنى بالبلاغة التقليدية، ثم ما لبث أن تحوّل شاعراً مؤرخاً لدى البلاط. وتتميز أشعاره بالتنوع والوضوح ودقة التعبير وكان مثله المفضل الشاعران فيرجيل وأوفيد،
وتعدّ قصيدته التي أرسلها من السجن إلى صديقه ليون Lyon في عام 1526 نموذجاً لهذا الشعر. كانت منظومة شعرية لطيفة تتضمن قصة الأسد والجرذ التي أُثِرتْ عن الحكيم اليوناني إيسوب. وكان يرمي فيها بشكل غير مباشر إلى حث هذا الصديق ذي النفوذ للسعي لإطلاق سراحه. وهذا ما حصل فعلاً. وقد اقتبس لافونتين فيما بعد هذه القصة ليجعل منها حكاية من أجمل حكاياته الخرافية. وتتميز قصيدة مارو بالأسلوب القصصي الحواري البسيط والسّهل الممتع مع بعض التلاعبات اللفظية البلاغية كالتورية والجناس .
2- مدرســـــة ليون :-
كانت مدينة ليون في القرن السادس عشر عاصمةً ازدهرت فيها الآداب والفنون وانتشرت فيها الطباعة، فنافست باريس، وكانت أكثر تأثراً بإيطاليا لقربها منها، فبرز منها أدباء عديدون تركوا في الاتجاه الجديد أصداءً قوية مثل أ. هيروويه A Heroét وموريس سيف M. Sèeve والسيدة لويز لابيّه L.labbé وعاشوا جميعاً في أواسط القرن السادس عشر شعراء غير بلاطيين .

3- رونسار وجماعة الثريّا La Pléade:
تعتبر مرحلةً من النضج والجهد المنظم لاتجاهٍ شعريٍ عام وقد نجحوا في استيعاب المعطيات التطورية البطيئة التي جرت خلال نصف قرن مضى. 

- تجديد ماليرب F.Malherbe (1555-1628) :-
كان حلقة اتصال بين جماعة البلياد والأدب الكلاسيكي العظيم في القرن السابع عشر. لم يؤيّد اتجاهات رونسار وجماعة البلياد، بل انتقدهم بشدة في كتابه "الفن الشعريّ"
إن أدب ماليرب هو أدب العقل والفكر وموضوعات الساعة لا أدب الخيال والرمز. يؤثر السهولة والوضوح والمنطق ويعوّل فقط على اللغة الفرنسية كما هي لدى أعمق الطبقات الشعبية، لا على اللهجات البروفانسية، فحسب، وإنما كان يتجه صوب اللغة الشعبية لتمده بالمفردات الفرنسية أمّا القواعد فقد بقيت عنده أصيلة نقيّة .
أصبح ماليرب مدرسة ذات شهرة واتساع، ولكن بعد وفاته بأربعين عاما .

- العصر الذهبيّ للكلاسيكية :-
بلغت الكلاسيكية الفرنسية بعد ماليرب ذروتها في النصف الثاني من القرن السابع عشربسبب :-
1-رعاية لويس الرابع عشر الذي كان ملكاً قوياً، حصر السلطات كلها بيده .
2-جمهور النخبة المثقفة وكان يتألف من الحاشية الملكية ورجال الحكم والبلاط .
3-المجادلات والمناظرات الدينية بين أصحاب الاتجاهات البروتستانتية والكاثوليكية والجانسينيّة والصوفية.
4- الدمار والضعف في بنية الدولة في أواخر حكم لويس الرابع عشر من جراء الحروب والكوارث التي لحقت بالشعب، مما ترك أصداءً مأساوية عميقة لدى الكتاب أمثال فينيلون ولا برويير، ومهد بالتالي لظهور الرومانسية
5- الآداب الأجنبية: أثرّ الأدب الإيطالي في الأدب الفرنسي الكلاسيكي، في النصف الأول من القرن السابع عشر (تأثير لاتاسّ) وقلّد كوريني ومعاصروه الأدب المسرحي الإسباني (تأثير سيرفانتس ولوبي دي فيغا وكالديرون) وبقي أدباء الملهاة الفرنسيون يقلدون الملهاة الإسبانية حتى نهاية القرن السابع عشر. ولكنهم سرعان ما تخلصوا من هذه المؤثرات التقليدية منذ عام 1660 إلاّ في القليل النادر، فموليير مثلاً بدأ بتقليد الطليان ثم قلد الإسبان في مسرحية (دون جوان) وفيما عدا ذلك كان فرنسياً بكلّ معنى الكلمة. أما لافونتين فقد قلّد خرافات الأقدمين (إيسوب)..

خصائص الكلاسيكيّة 
1-التعويل على الحقيقة أو ما يشببها :-
وهذا يعني الاقتراب من الواقع والابتعاد عن نزوات الخيال والوهم وهذيان العقل مهما تعاظمت فينا مناطق القلق الخفيّ
والأدب الكلاسيكي سيكولوجي لأنه يهتم بداخل الإنسان، أما الإطار الخارجيّ فليس أكثر من زينة لا يُعطىَ وصفُها إلاّ أقل مقدار.
2- العقلانية :-
إن عقلنا وحده هو الحكم الموجّه، وبه نستطيع التمييز بين الحقيقي والمزيف والنسبيّ والمطلق والخاص والعام. وهو الذي يمنعنا من أن ننساق إلى نزوات الخيال والأمور غير الواقعية والمبالغة في التعبير عن آلامنا وأفراحنا .
3- تقليد القدماء
4- التأثر بالمسيحية :-
المسيحية ذاتها تحث الإنسان المخرّب من الداخل إلى تزكية نفسه ومقاومة ميوله السيّئة، ولم يكن لديها مانع من إحياء الآداب القديمة على الرغم من كلّ ما قيل فيها. وقد اندفعت المسيحية إلى الجانسينية( ) مع باسكال وبوالو وراسين، وكان أدب الخطباء مشبعاً بالمسيحية على نحوٍ من الأنحاء. أما الشعراء فقد بقوا يستخدمون الأساطير كعرفٍ وتقليد مع احترامهم للمسيحية
5-الإتقان الفني: 
لا مجال في الكلاسيكية إلى الجموح والخروج عن القواعد. ولا بدّ للكاتب من أن يتقن فنه ويصقله إلى درجة الكمال، ولكن بشرط المحافظة على البساطة وعدم التكلف والتصنّع.
6-القيم الأخلاقية: 
وهكذا تبلور في الكلاسيكية اتجاه عام يرمي إلى صوغ مثال جماليّ وأخلاقي موحّد
7-أدب إنساني:
يقول بيير جانيه : "إن أَدبنا الكلاسيكيّ أدب إنسانيّ مطلقاً، نشأ من الإنساني وتوجّه لتلبية حاجات الإنسان"
8-أدب غير شخصيّ: 
فالكاتب لا يعبر مباشرة عن آرائه ومشاعره بل يتبع النهج التعليمي أو الدراميّ، وتبدو الذات وكأنها غائبة، ويبقى التعبير من خارج الذات أو بالأحرى، تندغم الذات في الموضوع، فشخوص المسرحية هي التي تتكلم وتعبر عن مقاصد الأديب بطريقة غير مباشرة وبشكل مشابه للواقع، لكن الذات لا تغيب تماماً بل قد تظهر من خلال الأشخاص، وكثيراً ما كانت أعمال موليير وراسين وبوسوييه وكورنيي تشف عن ذواتهم. 
9-التعبير الكامل باللغة الوطنية
نشأ في نهاية القرن السابع عشر ردّ فعل نتج عنه صراعٌ بين القدماء والمحدثين. فقد انتهى الأمر بالمحدثين إلى تأليفهم أعمالاً لا يمكن أن تضاهى أعمال القدماء، وأصبح القوم في حضرة أدبٍ قوميّ جديد يمكن أن توصف نفائسه بأنها أخصب من مؤلفات الأقدمين، فلماذا يلهجون إذاً دوماً بتقدم الأقدم في الزمن؟
أسباب أخرى عملت في ترجيح تيار الحداثة وهي: 
1-تطورُ العلوم، ولا سيما التطبيقية، ممّا سوّغ فكرة ضرورة التطور في الآداب وشرعيتها قياساً على العلوم. 
2-كانت الكنيسة والأفكار المسيحية إلى جانب أنصار الجديد من حيث إن التفوق الأخلاقي المسيحي لا بد أن يقتضي تفوقاً أدبياً 
3-كان لا بد للفردية التي خنقتها الكلاسيكية من أن تجنح وتتمرد معلنة حقوقها في التخيل والإبداع الخيالي المتوثب والاعتراف بالعواطف الفردية في مقابل هيمنة الفكر والقواعد.



لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط هنا

ليست هناك تعليقات