أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

هل نطلع أطفالنا على الأخبار؟ ... بقلم : تسنيم الريدي


تسنيم الريدي

ذات مساء جلس أمجد يتابع الأخبار، فتسلل أبنه البالغ من العمر سبع سنوات ليرى ما يعرض، فقد لفت نظره منظر الناس يهرعون لانتشال جثث من تحت أنقاض القصف في سوريا، وانتهت النشرة، لكن الموقف لم ينتهي في ذهن الطفل، قبل النوم سأل والده، لماذا تركنا بلادنا؟ فرد الوالد لأن عملي هنا، فاستدار طفله للنوم متمتماً: " لست صغيراً يا أبي، ليس لأجل عملك، لكن هنا أفضل من معتقلات بلادنا"... ذهل أمجد، وطبع قبله على جبين طفله الذي نام ليحلم بغد لا يعلم هل سيكون أفضل أم أسوأ.

في ظل تصاعد الأوضاع في العالم العربي يتساءل الكثيرون هل نقحم أطفالنا في الأحداث من حولهم، فلا يصدمون عندما يعرفون الحقائق، أم نفصلهم عما يحدث ونؤجل صدمتهم بعض الوقت؟!

الآباء والأمهات.. في حيرة

يختلف الآباء والأمهات بهذا الخصوص فتقول هبه من مصر: " كانت تجربتي مع ابني خلال أحداث الانقلاب سيئة، لم يرى دماء أو قتل أو غير ذلك، لكن التوتر الذي كان في البيت، وحديث الكبار كان يسجل في عقله حرفاً حرفاً، فعاد طفلي للتبول ليلاً، وبدأت الكوابيس، ورغبته الدائمة في النوم معي، حتى اكتشفت صدفة من أحد رسوماته أنه يخاف العالم".

وتختلف معها نهال من سوريا: "خرجنا من سوريا مبكراً قبل أن يتفاقم الوضع، لكني لم أعزل طفلي عما يحدث، بل وأجعله يشاهد الأخبار دون المناظر الدموية الشديدة، فإن هو ترك بلاده، وانقطع عنها من أين سيعرف هويته، وكيف سيعلم أن له بلاداً سيعود لها يوماً؟؟ نحن في سوريا هل تخيلنا يوماً أن نتعرض لذلك؟ لا. وهكذا باقي أطفال العالم العربي قد يتعرضون لما تعرضنا له لذلك يجب تهيئة الأطفال لمثل هذا اليوم ويجب أن تكون قلوبهم ميتة، ولا يخشون الموت".

أما محمود فله رأي بينهما حيث يقول: "أطفال اليوم سيعيشون مستقبلاً دامياً، وهذا ما أخبرنا عنه نبينا في أحداث نهاية الزمان، أنا أربي أبنائي على مفهوم الجهاد الذي لم نربى نحن عليه، فأصبحنا نخاف الموت، واجهنا الصعاب فتركنا بلادنا ورحلنا، يجب ألا نربي أبنائنا على ذلك، يجب أن نربيهم أن يتمسكوا ببلادهم حتى الموت، ويجب أن يعلموا أن لديهم أعداء أولهم اليهود، وأنهم سيحملون سلاحهم يوماً ويحاربوا، نفعل ذلك دون عرض مشاهد الدماء والقتل، والتي لا نحتملها نحن الكبار".

لن ننشيء جيلاً مغيباً

حملنا هذه الهموم إلى د. أحمد فوزي صبرة استشاري الصحة النفسية والذي يوضح قائلاً: "المعطيات حول الأحداث التي يمر بها العالم يختلف إطلاع الأطفال عليها حسب عمر الطفل، فأنا رفض أن يعيش الإنسان مغيب، لكن يجب أن نتفهم أن سيكولوجية الطفل تختلف عن سيكولوجية الراشد، فعندما تتحدث مع طفل قبل سن الاستيعاب فأنت تنشي نفسية بشكل خاطئ، فهو لا يعي ما حوله، في حين أن الراشد يتأثر بأحوال الآخرين، ويشارك ليخرجهم من معاناتهم بقدر ما يستطيع، فالطفل لن يستطيع التمييز، لذلك لا نعلمهم شيء تماماً لما دون السابعة.

ومن سن ثمان سنوات يبدأ إطلاعهم بشكل تمهيدي عن معلومات العالم الإسلامي، والصراعات في الدول المحيطة، وهذا يظهر في المناهج الدراسية عن الحملات والغزوات السابقة، وتغرس فيهم عملية الانتماء لبلادهم ولعالمهم الإسلامي ودينهم، وطبعا لا نفتح أمامهم نشرات الأخبار خاصة ما بها صور مفزعة ومؤلمة لن تغيب عن أذهانهم أبداً، فذهن الطفل صافي، وما يغرس في عقله في الفترات الأولى هي التي تسيير باقي حياته، وهذه الصور قد تسبب كوابيس واضطراب في الجهاز العصبي، والتبول اللاإرادي.

وحول تساؤل الكثيرون عن ضرورة معرفة الأطفال بما يفعله الصهاينة في قلب كيان العالم العربي يضيف قائلاً: "ما قبل سن الخامسة نسرد عليهم قصص الأنبياء وتاريخ اليهود مع موسى عليه السلام والرسول وما فعلوه، وتحريف التوراة ، ثم سن الثامنة نسرد له أن بعض اليهود الآن كونوا دولة على أرضنا، ولهم مهمة تدميرية ويستمرون فما فعل سالفهم، وما يفعلوه في المسلمين وأنهم لا يحبوننا، ونشرح لهم ما يفعلونه بدون أي صور."

طفل سوريا وفلسطين.. وضع يختلف

والطفل المعايش للأحداث كطفل فلسطيني أو سوري هاجر لأي بلد في العالم يحتاج لعلاج نفسي، وتكون حالته النفسية مختلفة ويحتاج لاستيعاب الحياة بطريقة مختلفة، إنما طفل سوري خارج بلاده، نجاوب على أسئلته بصدق دون تفاصيل، لكن إذا لم يسأل لا أعطيه معلومات حتى لا أنمي فيه غريزة الكراهية والحقد، فالانتماء له مرحلة عمرية يعي مفهومها بعد اكتمال النمو السوي، ويتم تزويد الطفل بمعلومات وحقائق عن الأوضاع التي تجري من حوله وربما نكتفي بأجزاء من الحقيقة حسب عمر الطفل، فإعطاؤه صورة واضحة عما يجري بما يتناسب مع عمره يساعده على الارتياح لأن الكذب يجعل الطفل خائفًا ولديه العديد من التساؤلات.

وتتفق معه د. ليلى رجب مستعرضة بعض النماذج الحية التي أشرفت على علاجها قائلة: "هناك حالات  الكثيرة في واقعنا العربي تدل على الآثار السلبية لمشاهدة الطفل لمشاهد العنف في وسائل الإعلام ومنها، طفل سوري يبلغ من العمر "4سنوات" يعيش مع أسرته وقد انتقلت الأسرة بأكملها للعيش في لبنان تاركين كل ما يملكوا في سوريا بعد اندلاع الحرب وقد تمت مقابلة الطفل أثناء تقديم برنامج للتفريغ الانفعالي والدعم النفسي لأطفال المخيمات في لبنان، وعند تنفيذ الأطفال لنشاط "الرسم الحر" قام هذا الطفل برسم صورة لبيوت مدمرة ولأشخاص ملقون على الأرض وأحد هؤلاء الأشخاص جسده غير مكتمل ومتناثر حوله، وبسؤال الطفل عما رسمه قال " دي راجل ايده مقطوعة علشان في حد وحش ضربه بالبندقية".

وبإطلاع الأب على ما رسمه الطفل وبسؤاله إذا شاهد الطفل هذا المشهد في الواقع في سوريا فأجاب لا ولكنه يشاهد بعض المناظر في نشرات الأخبار حيث أنهم يشاهدون الأخبار ليل نهار وأنه لم يتخيل أن يكون ابنه محتفظ بهذه الصور البشعة في مخيلته، وبسؤاله عن حال الطفل قال أنه لديه تبول لا إرادي ولديه قلق من الانفصال عن والديه وخوف شديد وصراخ على أتفه الأسباب.

حالة أخرى هي لطفلة تبلغ من العمر "9 سنوات" شاهدت في التلفزيون مشهد مقتل عائلة طفلة صغيرة وظهر مشهد لهذه الطفلة وهي تبكي فيه لفقدها والديها وأخواتها ومنذ ذلك الوقت والطفلة التي شاهدت هذا المشهد لديها أعراض الصدمة النفسية ومن أهم الأعراض التي ظهرت عليها القلق والتوتر، والأحلام المزعجة حيث تحلم بالمشهد التي شاهدته، وصراخ شديد بالإضافة إلى العدوانية مع الأطفال والخوف الشديد والتراجع في التحصيل الدراسي.

ومثال على تلك الحالات أيضًا طفل يبلغ من العمر "9 سنوات" يعيش مع والديه وأسرته وشاهد مشهد إعدام صدام حسين هو وعائلته على شاشات التلفزيون وقد شاهد الحدث بكل تفاصيله وكان يسود البيت حالة من الترقب والخوف بالإضافة إلى نظرات الرعب والغضب، وبعد اليوم الثقيل بدأت تطارده أفكار خاصة بالموت وما هو وماذا سوف يحدث بعد الموت وكيف يحدث، بالإضافة إلى أنه كلما شاهد حبلًا سيطرت عليه فكرة بأن أحد والديه سوف يموت بنفس الطريقة التي مات بها صدام حسين وأصبح الطفل أكثر عدوانية وعصبية تجاه من حوله حتى أقرب الناس إليه، وأصبح يعاني من الكوابيس التي تدور حول الموت، الغرق، الدم، وأصبح الطفل أكثر سلبية وغير مبالِ لأي نشاط  مشترك مع الأطفال مع ضعف شهيته للطعام.

كيف ننشئ جيلاً سوياً؟؟

وحول سبل تنشئة جيل مؤهل لمواجهة الأحداث القادمة: "نشأة جيل سوي يكون بتنشئة جيل عنده استيعاب متوازن، وأن يكون الطفل بعيداً عن الضغوط النفسية التي يحاول الغرب أن يضعهم فيها، تنشئة جيل عنده ذكاء واستيعاب للتاريخ القديم المراد دفنه، هذا التاريخ ودراسته ينمي العزائم  لذلك يتم تجاهله في المناهج الدراسية، ويجب أيضاً استيعاب الكبار من خلال تربية جيل مربيين سوي، لأن الطفل يتأثر من البيئة التي حوله، فعندما أقرر أن اطلع الطفل على الأحداث يجب أن يكون لديه مجموعة تربويين يدركون خطوات وتسلسل توعية الطفل، من خلال منهج تربوي واضح بهذا الشأن يسيرون عليه وليس بشكل عشوائي، فلتربية طفل متوازن يجب تنشئة طفل متكامل، يمارس الرياضة، يتعلم لغة العدو، متوسع ثقافياً، بحيث يتم التنسيق في منظومة متكاملة ويكون لدى المربي خطة زمنية واضحة مع الطفل".


ليست هناك تعليقات