أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« كانَ يُمكنُ أَنْ أَكون » بقلم : فريد غانم



  « كانَ يُمكنُ أَنْ أَكون »   
   بقلم :   فريد غانم
  أدب
  16/1/2017





(١)
بينَ إغماضتَيْنِ اثنتَيْنِ، كانَ يمكنُني أنْ أَكونَ ما أَشاءُ؛
سفرْجلَةً على شَجَرِ التُّفَّاحِ/
عدَسًا فُقاعِيّاً على رغْوَةِ اليَنبوعِ/
حفنةَ سُمسُمٍ على شَجَرِ الرّياحِ/
دودةَ قزٍّ على جسَدِ المرأةِ الأولى/
عدَّاءً في زنزانةٍ بلا نافذةٍ/
شاعرًا مُتجوّلًا في مركبَةٍ فضائيّةٍ/
قيثارةً في فضاءٍ لا يتذبذَبُ/
ماءً زُلالًا على وجه زُحَل...
ولَكُنْتُ خسِرتُ نفسي.

(٢)

كان يُمكنُني، لو أسقَطَني نَوْرَسٌ قليلُ الانتباهِ من منقارِهِ فوقَ الشَّاطئِ الغربيِّ، أنْ أمشيَ على الجنْبَيْنِ، بين الوراءِ وبينَ الأمامِ، أوْ أنْ أربِّيَ جديلةً جامايكيَّةً أو أعلِّقَ نفسي على قِرطٍ ذهبيٍّ، أو أنْ أسكُنَ على الطَّريقِ السَّريعِ إلى القُطبِ الشّماليِّ وإلى النّجوم.
ولَكُنتُ خسرتُ نفسي.

(٣)

كانَ يُمكنُني، لو كان المُحِيطُ أبي، أنْ أقفزَ على ظهرِ عملاقٍ في حجمِ جزيرةٍ، أو أنْ أمسكَ المارِدَ مِن ذقنِهِ حتّى يصرخَ "شُبّيْكَ لُبَّيْكَ"، أوْ أنْ أجمعَ ابنةَ الحظِّ في جيبي، أو أنْ أطيرَ فوقَ شوارعِ سان فرانسيسكو، بسيَّارةٍ عريضةِ المنكِبَيْنِ، وأَنْ أعيشَ حتى التئامِ القُبلَةِ الفرنسيَّةِ على حافَّةِ الفيلمِ السَّعيد.
ولَكُنتُ خسِرتُ نفسي.

(٤)

كانَ يُمكنُني، لو دثَّروني بمَرْجٍ من العُشْبِ دائمِ الخُضْرةِ، في سريرٍ تُؤَرجِحُهُ قَدَمٌ من المُرجانِ، وظلَّلَتني طاقيَّةٌ عاليةٌ ومُسيَّجةٌ - كانَ يُمكنُني أَنْ أسبِقَ الصّوتَ وأزرعَ الآهاتِ على شفاهِ الجَميلاتِ، وأسدِّدَ الكرةَ الأرضيّةَ في أعلى الشِّبَاك.
ولكنتُ خسرتُ نفسي.

(٥)

كانَ يمكنُني أنْ أكونَ أيَّ شيءٍ، في البُرهةِ الطّويلةِ الممدودةِ بينَ رَحْمَيْنِ؛
بائعَ أرقامٍ على شبابيكِ المجرَّاتِ/
رُبّانَ سفينةٍ خشبيَّةٍ على دربِ ابنِ بَطُّوطة/
دواَئرَ سوداءَ حول عينَيِّ كوبرْنيكوس/
ثُقبًا أَسْوَدَ في الخَيالِ الّلانهائيِّ/
سائسَ خيلٍ في اصطبلاتِ هنري الرَّابع/
صيَّادًا للأسماكِ المُصابةِ بالنِّسيان تحتَ صقيعِ المسيسيبّي/
غسَّالةً يدويّةً في مياهِ الغانجِ أو إسفنجةً من وبرِ الجُرذانِ/
تاجرًا للتَّاريخِ على حجرٍ في رصيفٍ من أرصفةِ القاهرة/
حارسًا للماءِ الباهظِ في البُندُقيَّةِ/
فلّاحاً يبذُرُ حقلَهُ ببذورِ الهالِ والأناناس في مدُنِ النّملِ الأبيضَ والفُهودِ.
ولكنتُ خسرتُ نفسي.

(٦)

كانَ يمكنُني، لو نَجَوْتُ من غضبِ البَحْرِ عندَ كهفي المرتفعِ في بلاد التَّايْ، أنْ أكونَ صاحبَ فيلٍ بلا نابٍ أو رَجُلًا يبيعُ الهوى على قارعةِ النَّوادي أوْ تاجرًا للغواني المتبرِّجاتِ ممَّنْ يُحِبُّهُنَّ الكهولُ الألمانُ وسائرُ الرِّجال.
ولَكُنْتُ خسرتُ نفسي.

(٧)

كانَ يُمكنُ كلُّ شَيء.
كانَ يمكنُني، في المساحةِ المُمتدّةِ بين زغرودةٍ ولوْعَةٍ، أَنْ أكونَ بطلًا على جبالِ الأولمبِ؛
حاكِمًا مملوكيَّاً؛
مرتزِقًا عُثمانِيًّا؛
سائقَ حَنطورٍ في حيفا القديمة؛
بائعَ كعكٍ في جمهوريَّةِ إفلاطون؛
وسيطًا بينَ سقراطَ وميشيل فوكو؛
تلِسكوبًا في خدمةِ زرقاءِ اليَمامة؛
ساقِيًا يديرُ كؤوسَ السُّمِّ على الأباطرة؛
طائرَ رعْدٍ فوقَ الصُّخورِ المغروسةِ في الصّميم،
مُحارِبةً أمازونيّةً في طُولِ سرْوَةٍ،
راقصًا صوفيّاً على أنغامٍ رَسْمٍ قديمٍ،
وَتَرًا على ربابةِ البَدَويِّ،
قارئًا للفناجينِ والأصابعِ والطَّوالعِ،
مفتاحًا لبوّابات الزُّجاجِ العالي،
قيمةً فائضةً في سِفْرِ الشَّهَوات،
كِشْكًا لتبديل العملاتِ وجِلْدِ الوُجوهِ،
مُنادِيًا على جِدارِ وول- ستريت، بصوتٍ منسوجٍ من ريشِ الهنود....
ولكنتُ أَضَعتُ نفسي.

(٨)

كانَ يمكِنُ أَنْ أكونَ أيَّ شيءٍ، بينَ بوّابتَيْنِ على الدَّرْبِ بين العواصمِ وبين روما.
لكنَّني لمْ أكنْ غيري، إلّا قليلًا.
ها هُنا يأكلُني الوقتُ الجشِعُ،
ويجرُّني الإثمُ الأبديُّ بسلسلةٍ غير مرئيَّةٍ من المعدَنِ الخامِ، لأنَّني لم أكنْ ما كانَ يمكنُ أَنْ أَكونَ.

(٩)

هُنا، الآن، أنا هو أنا إلى حدٍّ بعيدٍ.
التجأتُ إلى الحِذاءِ، منذُ اللَّعنَةِ الأولى، لأَصونَ عقِبي من الأفعى، وكي أرتفِعَ قليلًا فوقَ رأسي وأضبِطَ مِشيَتي في الأزقَّةِ المتغيِّرَة.
قيلَ لي إنَّ الأفعى تعتمِرُ خوذةً من الفُولاذِ، منذُ اللَّعنةِ الأولى، اتِّقاءً لانهياراتِ التُّرابِ والسُّقوفِ المُنخفِضَة.
وقيلَ لي: ما نفعُكَ إنْ كسِبْتَ؟!
فها هي الخطيئَةُ مركونةٌ خلف الباب. إلينا اشتياقُها وإليها اشتياقُنا.
وها هيَ الشَّمْسُ أحرَقَتْ جَناحيَّ وسفَّعَتْني، بينَ إغماضتَيْنِ.

(١٠)

كانَ يمكنُنني أنْ أكونَ أيَّ شيءٍ.
لكنّني لم أكنْ غيري إلّا قليلًا.
وما زلتُ أشقى، كي لا أسقُطَ من بينِ أصابِعي.



لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط هنا

ليست هناك تعليقات