أوغست كونت: عاشق مصاب بالزّهري
انجذبت الحياة الجنسية لمؤسس الوضعية، نحو ثلاث أسماء :
بولين (الزوجة الخائنة)،
كارولين (العاهرة)، و
كلوتيلد (القديسة).
أول حب حقيقي له، اتجه إلى "
بولين"، امرأة تمارس الخيانة الزوجية. لا نعرف، إلا اسمها الشخصي وأنها تبلغ من العمر خمسة وعشرين سنة، لكنها قبل ذلك أمّ أيضا.
كان
أوغست كونت في سن العشرين، حينما اعترف لصديقه
Valat ، انعدام: "أي إحساس لديه حتى ذاك الوقت اتجاه المرأة"، وقبل "
بولين": "لم يعرف غير خيال ملذات جسدية، بجوار تلك الجميلات المقززات المتواجدات بشارع فالوا Valois".
اكتشف الشاب خريج مدرسة البو لتيكنيك، مع "
بولين" التي تقترف الخيانة، الإحساس بالحب، امتد به إلى الإنسانية جمعاء، كلما ازداد بعدا عن التوظيف الشهواني. هكذا، تضاءل بسرعة شغفه الحسي بها، كي يتمركز ليبيدو النبيّ الكبير المرتقب للإنسانية، حول موضوع آخر.
بينما يتسكع
كونت ذات أمسية احتفالية، بجانب القصر الملكي، لمح بصره "
كارولين" امرأة شابة وماجنة حقا، أمّ مفلسة (لكنها مع ذلك لا تنقصها المبادئ والأحاسيس)، فاقدة لعذريتها، منذ لقاءها العابر مع المحامي سبيركلي. بعد ذلك، فإن هذا الأخير استقر، كي يموه الشرطة. بينما اشتغلت "
كارولين" ككُتبية في قاعة للقراءة، تتواجد بشارع المعبد، بحيث سيلتقيها كونت مجددا وبالصدفة. العاهرة السابقة، تحولت إلى الإشراف على إصدارات In-folio .
أبدى إعجابه بها، وشرع يلقنها دروسا في الجبر: "كانت الدروس مثمرة والتعليم مشتركا". انتهى الوضع إلى زواج، أو حبّ معقلن على الأقل: أحس
كونت باحتياجه لامرأة ترافقه في هذا العالم، ويسعى إلى أن تشكل هذه العلاقة شعورا دائما أكثر من مجرد شهوة عابرة.
كارولين بدورها، توخت الإفلات من وضعها، لأن اسمها مسجل في قوائم الشرطة، مما يعرضها لعقوبات قاسية، ويحتم عليها الخضوع لمراقبة صحية نصف شهرية شأنها شأن بنات الهوى أيضا، احتاج أوغست كونت إلى الراحة، لأن صحته الذهنية تدهورت جراء صدمة عصبية بسبب الإرهاق. إجمالا، تزوج "
كارولين ماسين" “عاملة التصبين” لتسوية وضعيته المدنية. من بين شهود الزواج، الأستاذ "
سيركلي" العاشق السابق.
لكن من الممكن، بل الراجح، أن الإفلاس البنيوي للفيلسوف، سيجبر زوجته على العودة إلى ممارساتها السابقة. فتراجع صحة قدرته الذهنية وكذا مزاج
كونت الفلسفي، عاملان أثرا مع مرور السنين على رباطهما.
الوجه الثالث، يشير إلى اسم "
كلوتيلد"، أخت "
ماكسيميليان ماري"، تلميذ شاب عند
كونت. هي، امرأة في الثلاثين من عمرها، تخلى عنها زوجها "
أميدي دوفو" الذي كان يشغل جابيا ب ميرو Méru. أطلق عليه
كونت لقب الرجل المشؤوم، بحيث فر بالخزينة نحو بلجيكا. التقاء "
كونت" بـ "
كلوتيلد"، شكل له صعقة حب عاطفية وفكرية، جعلته يقول أمام قبرها:
"ابتدأت الوضعية الدينية يوم 16 ماي 1845، حينما تأتت لقلبي فجأة، أمام عائلتك المدهشة الحكمة المتميزة : لا يمكن أن نفكر دائما، لكن يمكننا أن نحب باستمرار".
بعد اللقاء مباشرة، اكتفت "
كلوتيلد" بالتعبير لأختها بصيغة أكثر ابتذالا: "كم هو دميم ! كم هو دميم !" وهو أمر صحيح بكل تأكيد، نتيجة، إصابته بداء الجُدري، هكذا ميزت وجه
كونت حمرة ملتهبة. إذن، ولو تخيلت في لحظة ما، أن يصبح “
كونت” أب الطفل الذي تمنته، فإنها في نهاية المطاف، سترفض تقديم جسدها إلى العاشق المتآكل. رأى كونت في موقفها دليل سمو أخلاقي. ونموذج، ألهم الفيلسوف بكل ما تحمله الكلمة من معاني.
"
كلوتيلد" طوباوية بالعفة، ولا ينقصها غير أن تكون شهيدة: لقد أصيبت الشابة بداء السل، بالتالي فالحب الذي يسقط بين براثين هذا الوباء تكون عاقبته سيئة ! ملازمته ل "كلوتيلد" وهي طريحة فراش الموت، جعلت الفيلسوف المسن والمريض بداء الجُدري، يقطع وعدا على نفسه، حينما قال:
"أبدا، ليس بعدك امرأة أخرى !".
ارتقى الموت بـ"
كلوتيلد" إلى مرتبة قديسة الديانة الجديدة، لكن أيضا بين الفينة والأخرى تقفز "
كارولين" إلى ذهن الفيلسوف وقد شوهها بدورها داء الجُدري، وتجسد دور الزوجة الساقطة. الجنس تراجيدي!
ليست هناك تعليقات