نشرت بكين أحدث منظومة صواريخ عابرة للقارات لديها (دونغ فينغ-41) يمكن تزويدها برؤوس نووية ومداها بين 10 آلاف و14 ألف كم.
قبل أيام نشرت الصين أحدث منظومة صواريخ عابرة للقارات لديها، وهي “دونغ فينغ -41″، في مقاطعة هيلونغ جيانغ (شمال شرق) المحاذية لروسيا، وهي منظومة يمكن تزويدها برؤوس نووية، ويتراوح مداها بين 10 آلاف و14 ألف كم.
نصب تلك المنظومة “الأكثر تطورًا في العالم”، والتي نشرت صحفية “جلوبال تايمز” الصينية صورًا لها الأسبوع الماضي، يستهدف – على ما يبدو – توجيه إنذار صيني مبكر إلى الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وحلفائه في كندا وأوروبا.
فرغم دخوله البيت الأبيض حديثا، في 20 يناير/ كانون الثاني المنصرم، إلا أن الجمهوري ترامب (70 عامًا) يميل، بالغالب إلى انتهاج سياسة مواجهة الصين، لا سيما في ظل تصريحاته الاستفزازية تجاه بكين خلال حملته الانتخابية، ولا سيما بشأن وضع جزيرة تايوان.
غموض وتساؤلات
بناءً على مداها الأقصى، وهو 14 ألف كم، فتلك الصواريخ قادرة على بلوغ أي هدف على وجه الأرض، باستثناء النصف الجنوبي لقارة أمريكا الجنوبية، ويمكن تحميل الواحد من 10 – 12 رأسًا نوويًا، بإمكان كل منها ضرب هدف مختلف.
بكين حرصت على إضفاء غموض على نشر المنظومة؛ ما أثار تساؤلات في الولايات المتحدة وروسيا بشأن المعنيين بتلك الخطوة.
تهديد الصديق والعدو
وتحدثت تقارير إعلامية غربية، عن أن الصين تبعث برسائل إلى الطرفين (الأمريكي والروسي)، رغم الحلف الذي يجمعها مع موسكو، التي تتبادل العداء مع الغرب الذي تقوده واشنطن.
لكن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بوسكوف، صرح بأن نشر الصواريخ الصينية قرب الحدود الروسية لا يشكل تهديدًا لروسيا.
مدى الصواريخ.. وأهدافها
موقف الكرملين يدعمه تقرير لمركز “ستراتفور” الأمريكي، المختص بالدراسات الاستراتيجية، في 25 يناير الماضي، اعتبر أن “طراز الصواريخ وموقع نشرها يفيدان بأن الولايات المتحدة هي المعنية”، دون أن يلغي وجود أهداف أخرى (لم يحددها).
ووفق رئيس الأكاديمية الروسية للأزمات الجيوسياسية، قنسطنطين سيفكوف، فإن نشر تلك الصواريخ العابرة للقارات قرب حدود روسيا، يهدف إلى منح بكين القدرة على استهداف مواقع في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا.
وأوضح “سفيكوف” أن مدى المنطقة الميتة (غير المهددة) بالنسبة لتلك الصواريخ لا تقل عن 3 آلاف كم، ما يعني أن مساحات شاسعة من روسيا والشرق الأقصى بأكمله وسيبيريا الغربية عمليًا خارج مجال الصواريخ الصينية.
ولو كانت بكين تستهدف أيًّا منها، لنشرت صواريخها في عمق أراضيها أو على حدودها الجنوبية، بحسب رئيس الأكاديمية الروسية.
العداء للصين
على الأرجح، أن ترامب التقط الرسالة الصينية مبكرًا، ففي رد ضمني صرّح لقناة “أم أس إن بي سي” الأمريكية بقوله: “فليكن سباق تسلح. سنتفوق على الجميع في كل مجال ونحافظ على تفوقنا”.
إذن؛ فالخطوة الصينية تمثل إنذارًا مبكرًا لترامب بـ”عدم التمادي في العداء للصين”، بعد التحول الاستراتيجي لسلفه (الديمقراطي) باراك أوباما، نحو شرق وجنوب شرق آسيا، على حساب الشرق الأوسط، وبالتالي منافسة الصين في منطقتها.
والواضح أن بكين تحذّر واشنطن، من تداعيات أن تغامر الأخيرة بتهديد الاقتصاد الصيني، وتشدد على ضرورة أن تواصل التزامها بسياسة “الصين الواحدة”، التي أعلن ترامب أنه يعتزم إلغاءها.
فمنذ عقود تلتزم واشنطن سياسة الحذر والتحفظ تجاه ملف استقلال جزيرة تايوان عن الصين، وهو ملف ترى الأخيرة أنه الأكثر خطرًا على سيادتها.
وإن كانت بكين ردّت على تصريحات ترامب وفريقه عن سياسة جديدة تجاه تايوان، بشكل دبلوماسي هادئ، مفاده أن الملف “ليس محل تفاوض”، فإن الصحف الصينية الرسمية عكست حجم غضب الصين.
وفي 16 يناير، قالت صحيفة “تشاينا ديلي” الرسمية: “إذا كان ترامب عازمًا على اتباع استراتيجية استفزازية بشأن تايوان، فلن يبق أمام بكين سوى خيار واحد، وهو أن تنزع قفازاتها، ولن نتمكن من تجنب مرحلة من التفاعلات الشرسة والمسيئة”.
ومطلع يناير، قال ترامب في حوار مع صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إن “تايوان جزء من الصين، لكن يمكننا التفاوض على كل شيء مع بكين”، الأمر الذي أثار حفيظة بكين آنذاك.
وفي اليوم التالي، قالت الخارجية الصينية، ردًا على ترامب، إن مبدأ “صين واحدة” يمثل الأساس السياسي الذي لا يمكن التفاوض عليه للعلاقات بين بكين وواشنطن، وحثت “الأطراف المعنية” في الولايات المتحدة على الاعتراف بحساسية قضية تايوان.
وتتمتع تايوان بحكم ذاتي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، إلا أنها تسعى للحصول على استقلال كامل عن الصين، بينما تطالب بكين دول العالم، بأن تلتزم بمبدأ “صين واحدة”، الذي يؤكد على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين.
القوة النووية الأذكى
تاريخ امتلاك الصين لصواريخ نووية قادرة على بلوغ الولايات المتحدة يعود إلى ثمانينات القرن الماضي، وفق تقرير “ستراتفور”، كان أولها صاروخ “دونغ فينغ- 5″، إلا أنها لم تكن بالفاعلية والقدرات التي عليها النسخة “41”.
وفي ظل هذا المشهد، يبرز تساؤل حول قدرة الصين الحقيقية على إخافة الولايات المتحدة أو خوض سباق تسلح معها، في ظل تواضع الترسانة النووية الصينية (مقارنةً مع نظيرتها الأمريكية).
ووفق أحدث تقارير مؤسسة “ستوكهولم الدولية لأبحاث السلام” (غير حكومية)، تمتلك الولايات المتحدة قرابة 7 آلاف رأس نووي، بينما لا يتجاوز حجم الترسانة الصينية 270 رأسًا.
غير أن مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، وفي تقرير لها، أول أمس الاثنين، أفادت بأن بكين تركز على امتلاك ترسانة حديثة ومتطورة وآمنة، ورفع قدراتها التقنية من حيث المسافة والسرعة والدقة.
فصواريخ “دونغفينغ-41” الصينية تمتلك المدى الأطول، والسرعة الأكبر بين جميع الصواريخ العابرة للقارات القادرة على حمل رؤوس نووية. بحسب المجلة.
كما تتجاوز الصواريخ الصينية، نظيرتها الروسية، من طراز “ساتان 2” التي أزاحت موسكو الستار عنها في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، وتسببت برعب في أوروبا، وهي تركز على الحمولة النووية دون بقية معايير القوة.
بالمقابل، فإن الترسانة الأمريكية تعاني من القدم، ويتطلب إعادة تأهيلها مليارات الدولارات سنويًّا، أي حوالي تريليون دولار في العقود الثلاثة المقبلة، علاوة على تكاليف الحفاظ على سلامة تلك الأعداد الهائلة من الرؤوس النووية، وهي تكاليف ستزيد مع تزايد قدم الصواريخ، والحاجة المتزايدة إلى تأهيل أجيال جديدة من الخبراء في التعامل معها.
ليست هناك تعليقات