قد تعكس المواقف الأخيرة لـ " الهيئة العليا للمفاوضات " المُنبثقة عن " منصّة الرياض " للمعارضة السورية تحولاً نوعياً في الخطاب الإعلامي حيال " روسيا " لا سيما وأن قيادة الهيئة دعمت بشكل مباشر ذهاب وفد " الفصائل العسكرية المسلّحة " إلى " مؤتمر آستانا " الذي اقترحه الرئيس الروسي " فلاديمير بوتين "، ودفعت بـ " محمّد علوش " لقيادة هذا الوفد وهو كبير مفاوضي وفد الهيئة " منتهية الولاية القانونية " في مفاوضات جنيف عام 2016 .
لكن التراجع الملحوظ - إعلامياً على الأقل - من قِبَل صقور الهيئة - إذا صحّ التعبير - عن وصف " روسيا " بالمحتلة لسوريا هو الجديد المفيد، حتى أن عزوف " رياض حجاب " عن تلبية دعوة " سيرغي لافروف " وزير خارجية روسيا إلى اجتماع الجمعة الأخير في موسكو، حمل صيغة " الاعتذار " لا " الرفض " و برّر ذلك " نصر الحريري " و"جورج صبرة " بالطريقة " السريعة " والشخصية التي تم توجيه الدعوة فيها، فضلاً عما أسمياه بـ " عدم وضوح جدول الأعمال والمدعوين " مبتعدين في الوقت نفسه عن أوصاف إعلامية دأبوا عليها تجاه موسكو من قبيل تسميتها بـ " الطرف غير النزيه " أو "الدولة المجرمة " بحق السوريين.
وإذ يدركُ أعضاء " الهيئة " أو لا يدركون أبعاد الاتفاق " التركي الروسي " حول سوريا، فإنهم لا ينكرون تخلّي الكثير من الدول الفاعلة والمؤثّرة عن مطلب الثورة والمعارضة السورية بـ " رحيل الأسد "، وليس بِدعاً من القول موقف وزير خارجية بريطانيا " بوريس جونسون حين قال أمام لجنة العلاقات الدولية في مجلس اللوردات يوم الخميس الماضي: لا توجد خيارات جيّدة في سوريا، لقد ظللنا كبريطانيين نُصِرُّ لفترة طويلة على شعار ينادي بضرورة رحيل الأسد ولم نتمكّن في أية مرحلة من المراحل من تحقيق ذلك.
وفي الوقت نفسه تحاول " السعودية " التي تتّخذ "الهيئة" من عاصمتها الرياض مقراً رسمياً لها تغليب منطق المراقبة والصمت حيال " التوافق الروسي التركي " ريثما تتّضح وسائل وأدوات الرئيس الأمريكي الجديد " دونالد ترامب " في التعاطي مع الشأن السوري، و الاتصال الأخير بين " الملك سلمان " و " ترامب " لم يتطرّق بشكل مباشر لما يجري في سوريا، إنما تم الحديث فيه عن فكرة عامة ومُبهمة، ألا وهي " المناطق الآمنة " التي تعتزم الإدارة الأمريكية الجديدة بلورة مضمونها خلال الأيام المقبلة، بينما تُمارس " قطر" دوراً ثانوياً بالترحيب الدائم بما تقوم به "أنقرة" سياسياً وعسكرياً في سوريا، كما يحرص وزير خارجيتها " محمّد بن عبدالرحمن آل ثاني " على استقبال "حجاب" بين الفينة والأخرى من قبيل التواصل الشكلي فَقَط.
أما المهمة التي اضطلعت بها " الهيئة " منذ تأسيسها وهي " التفاوض " مع " نظام الأسد" تحت مظلة " جنيف " الأممية، فإنها بعيدة كل البعد عن جدول أعمال أعضاء الهيئة ووفدها التفاوضي، فـ " أسعد الزعبي " رئيس الوفد بات " محلّلاً سياسياً" دائماً على شاشات القنوات المعروفة، وأصبح " ناشطاً " إعلامياً لا يُتقن إلا فن التوصيف والتعريف بتطوّرات المشهد، بينما يعكف آخرون من زملائه على تغيير خطاب " الهيئة" فيسبوكياً، وأحياناً يقعون في جملة من التناقضات في ما بينهم، وموعد جنيف يؤجّل هنا ويتم تغيير موعده هناك من دون الرجوع إليهم أو حتى إخبارهم.
ولا ينسى السوريون مشاهد " التهجير القسري " التي يقوم بها نظام الأسد والميليشيات المتحالفة معه للسوريين في مناطق شتى، فبعد كارثة "حلب" ها هو "وادي بردى" يدخل على خط " داريا والمعضمية والزبداني ومضايا " وغيرها، وها همُ الثوار يَرَوْن تهميشاً حقيقياً لمتطلبات " الجيش الحر " الذي فضّل " حجاب " إضعافه لصالح التحالف مع "فصائل عسكرية" توصف بالمتشدّدة، ويعلن الكثير من عناصرها وقياداتها موالاتهم لـ "جبهة النصرة" الإرهابية.
أخيراً ... ربما تخبرنا الأيام المقبلة بكثير من التغييرات الجذرية في ماهية الهيئة وطبيعة عملها، خصوصاً بعد إصرار " حسن عبدالعظيم " المنسّق العام لهيئة التنسيق - التي هي جزءٌ أصيلٌ من " الهيئة العليا " - ونائبه " صفوان عكاش " هو أمين سرها على تلبية دعوة الروس وحضورها في موسكو، وإصداره بياناً صحفياً مشتركاً مع المنصات الأخرى "موسكو - القاهرة - آستانة - الإدارة الذاتية "، كما أن في جعبة بعض المعارضين السوريين المعروفين مواقف جديدة من المفترض أن تترجم بلقاءات هامة ليست ببعيدة عن الاستقالات اليومية التي تعصف بجناح الهيئة الآخر ألا وهو "الائتلاف" الوطني .
المصدر: الميادين نت
ليست هناك تعليقات