تتعامل معظم الأمهات بمبدأ الثواب والعقاب في تربية الأبناء، وفي بعض الأحيان لا يكون العقاب مناسباً لطبيعة الخطأ الذي ارتكبه الطفل، فلا يهتم الطفل لهذا العقاب، لكنه يدرك أن حجم العقاب الكبير هو مقدار حجم غضب الأم، وبالتالي يستخدم ذكاءه لتكرار هذا الخطأ في محاولة لاستفزازها، فهو لن يهتم بالعقاب، بقدر ما أدرك أن هذا ا لتصرف يثير غضبها فيكرره عمداً.
وخلال المراحل التربوية للطفل، تأتي أهمية غرس معرفة القيم الصحيحة والخاطئة عند الطفل في المقام الأول، لذلك تناول المتخصصين أهمية تجاهل السلوكيات الخاطئة طالما أن الطفل يدرك أن هذا خطأ.
ذكاء الأطفال
إحدى النساء لديها طفلان، ويحاول الطفل الأكبر لفت أنظارها فتقول:
" منذ قدوم طفلي الثاني للحياة، وابني الأكبر لا يتفانى إلا في تكرار الأخطاء التي يعرف إنها خطأ، وأنا أدرك أنها محاولة للفت أنظاري إليه، غيرة من أخيه الرضيع، وعندما فهمت الأمر أصبحت أتجاهل تماماً كل سلوكياته الخاطئة، من رمي أغراضه على الأرض، وتكسير الألوان، وكب الماء والعصير على الطاولة، وغيرها، وأركز وبشدة على سلوكياته الجيدة وأمدحها حتى لو كانت بسيطة، ومع مرور 3 أشهر لم يعد يهتم بلفت نظري بسلوكياتها الغاضبة، بل اكتشف أن السلوكيات الجيدة هي التي تلفت نظري، ففعلاً وجدت أسلوب التجاهل ناجحاً، وغرست فيه أنه لن يستطيع لفت نظري بتصرفات سيئة".
و امرأة أخرى لم تنجح معها هذه الطريقة من البداية لأنها لم تواظب عليها فتقول:
" من ضغوطات الحياة لم يكن لدى بال طويل على طفلتي الوسطى، فأنا أدرك أنها تائهة بين أختها الكبرى وأخيها الأصغر ولا تجد لنفسها مكاناً، فكانت تلجأ لفعل مصائب كبيرة للفت نظري، لدرجة أنها فتحت النافذة يوماً ووقت عليها لتقول لي سوف أرمي نفسي لأرى ماذا ستفعلين، حاولت اعتماد أسلوب التجاهل في ضربها مثلاً لأخيها الأصغر، أو العبث في أغراض أختها الأكبر، لكن أحياناً مع تصاعد الشجار لا أتمالك نفسي في التجاهل، فتطور الأمر لديها للتبول اللارادي ليلاً، حتى اضطررت لترك العمل لأتفرغ لها تماماً حتى أنصلح الأمر، ففي السابق كنت مضغوطة فلا أقبل نقاشاً في تنفيذ المهام اليومية، ولم يكن لي بال على تحمل أنها بطيئة في الانتهاء من واجباتها المدرسية، أو الاستعداد للمدرسة صباحاً وتأخرها الدائم في كل شيء، وبعدها أصبحت تنفذ عكس ما أقول، فكان في بعض الأحيان لا بد من إجبارها على الالتزام بالقواعد المنزلية ببما كان يثير غضبها وعصبيتها، ونجحت في السيطرة على غضبها وصراخها بأن احتضنها من الخلف مع الطبطبة عليها لمدة دقيقة من غير أن أتكلم".
لا لإجبار الطفل على تنفيذ المهام
د. فاطمة قنديل أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس،تقول:
" الطفل الذي يتعرض لإجباره على تنفيذ مهامه اليومية لن يكون طفلاً سوياً خاصة فيما بعد سن الثامنة من العمر، فسوف يلجأ للانتقام من المربي والذي يتضح في صورة سلوكيات العند والعدوانية والتمرد، أو التبول اللاإرادي سواء ليلاً أو حتى نهاراً، وكثرة البكاء، والتوقف عن تناول الطعام، وكذلك قضم الأظافر، والتأتأة.
ويجب أن تتفهم الأمهات أن تعديل السلوك السيئ لدى الطفل بحاجة لدراسة هذا السلوك وأسبابه ومن ثم خطوات التعديل، وبدايتها لن يأتي إلا بتعديل سلوك المربي نفسه - غالباً الوالدين- والتخلي عن إجبار الطفل على تنفيذ ما لا يريده، كما أن كثرة التوجيهات والمحاضرات التي تلقى على الطفل تجعله ينطوي عندما يصل لسن المراهقة، فهو سيرفض أن يستمع لوالديه تماماً، وفي أفضل الحالات سيفعل ما يريد بدون علم والديه.
وأسلوب التجاهل التربوي من الأساليب المفيدة والتي تجلب نتائج جيدة سريعة، في حين أن محاولة تعديلها بالعنف أو العقاب المتكرر يدفع الطفل إلى تحويل السلوك السيئ إلى سلوك أسوأ ومزمن وأصعب في العلاج، لكن يشترط مع التجاهل أن يربى الطفل على الاعتماد على نفسه من عمر السنتين في الأكل والشرب وتغيير الملابس وغيرها من الأمور البسيطة.
ومن المهم أن تكون الأم حنونة في العقاب، وأن تكتفي بالعقاب بنظرة، أو مخاصمة الطفل لمدة دقيقتين، أو العقاب بالمدح : أنت الطفل المؤدب تفعل كذا؟ وأخيرها أن أقول له لك 5 دقائق إما أن تفعل كذا أو كذا وبعد مرور الـ 5 دقائق أنفذ ما قلته،
وهنا لا يعتبر عقاب ولا حرمان بل قمت بإعطائه خيارين وهو اختار أحدهما ومن هنا يتعلم المسؤولية، وخلال اليوم يجب أن تكون الأم مصدر متعة وبهجة، فالأولاد الأولوية في حياتها، لها وجه مبتسم وكلامها طيب وتحتضنهم وتقبلهم، لا أن تكون مصدر ألم وقهر بالخوف والصراخ والإجبار وكثرة المواعظ والضبط الزائد،
فالطفل لا يفعل إلا ما يعتقده عن نفسه ويتعامل على هذا الأساس، فإن رددت الأم عليه أنك كسول أو غبي، سيتعامل على هذا الأساس، لذلك حددي في الشهر 5 سلوكيات تريدينه أن يكتسبها وردديها على مسامعه يومياً، فمثلاُ ترددين حبيبي متعاون عند الأكل وفي الصباح وفي السيارة وقبل النوم، واثني عليهم يومياً أمام الغير".
قواعد تغيير السلوك
يتحدث المتخصص النفسي
د. نافع البحيري عن قواعد تعديل السلوك قائلاً:
" تعديل السلوك السيئ للطفل ليس صعباً، إنما يحتاج لتركيز من الوالدين
وله خطوات محددة:
- 1- تحديد السلوك السيئ الذي نود أن يتخلص منه الطفل.
- 2- التكلم مع الطفل بشكل واضح حول ما نريده منه، نوضح له كيف يمكنه تحقيق ذلك .
- 3- الثناء على الطفل ومدحه على السلوك الجيد الجديد ، وهنا فنحن لا نمتدح ذاته بل سلوكياته، ونستمر في ذلك حتى يتحول السلوك الجيد إلى عادة.
- 4- عدم الصراخ في الطفل أو التهديد إن حدث السلوك السيئ، وعدم تذكيره بأخطاء الماضي حتى لا يحبط.
- 5- تذكر أهمية التركيز مع الطفل، فإذا افتقد الطفل اهتمام الوالدين يفقد دوافع تغيير السلوك.
- 6- تجنب توجيه الأوامر للطفل وأنت في حالة تعب شديد أو غضب أو توتر.
وخلال فترة تعديل السلوك والتي قد تأخذ ما بين ثلاثة أسابيع وشهرين يجب أن يتجنب الآباء أو المربيين ما نسميه بالسبعة مصائب تربوية وهي النقد الهدام، واللوم المستمر، والمقارنة ، والسخرية والتحكم، والصراخ وعدم الإنصات للطفل".
ليست هناك تعليقات