« هل من الممكن لداعمي الإرهاب أن يحاربوا أنفسهم؟! » ... بقلم : د. رحيم هادي الشمخي
لم تكن العلاقات السعودية الخليجية مع «إسرائيل» وليدة المصادفة بل هي علاقات أزلية امتدت عبر خمسين عاماً، تارة في الخفاء وأخرى في العلن، مرة عبر القنوات الدبلوماسية أو الرسائل المتبادلة أو الغرف المغلقة بين الجانبين، ومرة من خلال ما حققه أكثر من مسؤول سعودي بزيارة تل أبيب لإدامة هذه العلاقة..
وقد نجح هؤلاء المرتبطون بالموساد الصهيوني، بتحقيق نتائج إيجابية أسهمت في توفير الأجواء المناسبة بين تل أبيب والرياض حيث نشرت صحيفة «يديعوت أحرنوت»، نص الوثيقة الإسرائيلية عام 2015، المرقمة «1-1-ج» التي أكدت علاقات «إسرائيل» القوية والمتينة مع النظام السعودي، خاصة الدور الكبير الذي لعبه الأمير بندر بن سلطان في إرساء هذه العلاقة الحميمة التي لعبت دوراً مميزاً في تهيئة العلاقات الإسرائيلية- السعودية.
فلا غرابة إذاً عندما يبعث خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز برسالة مودة وصداقة إلى الإرهابي «نتنياهو»، حملها الرئيس الأمريكي «ترامب» في ختام زيارته للسعودية، وبهذه الرسالة، التي عرف مضمونها القاصي والداني، يظهر للعيان اليوم عمق العلاقة مع «إسرائيل» للتآمر على الدول العربية لإطالة أمد الحرب على هذه الدول كما يحدث الآن في العراق وسورية وليبيا واليمن، وقد كانت «إسرائيل» متهمة بالدرجة الأولى بتغذية هذه الحروب عرقياً وطائفياً، لإذكاء روح الفتنة بين شعوب المنطقة المحبة للحرية والسلام.
إن المتتبع للأحداث قبل وبعد زيارة الرئيس الأمريكي ترامب للسعودية يجد الكم الهائل من التنازلات التي قدمها بعض الزعماء العرب لـ«إسرائيل» كي تعيش بسلام وأمن معهم، مع الدعوة إلى تحالف سمي هذه المرة «التحالف لمحاربة الإرهاب» الذي ستكون «إسرائيل» جزءاً منه، للوقوف ضد محور المقاومة العربية، التي ما زالت تقاوم الاحتلالات الأمريكية- الصهيونية في طالع النهار.
وللحقيقة نقول: على مدى الأعوام القليلة الماضية، حدثت تطورات غريبة في العلاقات بين السعودية و«إسرائيل»، فقد كتب «سلمان الأنصاري» مؤسس ورئيس لجنة شؤون العلاقات العامة الأمريكية- السعودية، مقالاً دعا فيه إلى تشكيل تحالف تعاوني بشكل صريح بين بلاده و«إسرائيل» على أساس المصالح الثنائية التي تجمع الرياض وتل أبيب، وأضاف: إن التعاون الوثيق مع «إسرائيل» ليس فقط في مصلحة البلدين ولكن في مصلحة مشروع الشرق الأوسط الكبير، وفق ما ذكرته صحيفة «الجميمينيز» الأمريكية،
وأضافت في تقرير لها: إن مثل هذه المادة التي نشرت مؤخراً لم يكن تصورها ممكناً حتى وقت قريب جداً، وتعد غير مسبوقة تماماً، فالسعودية هي معقل الفكر الوهابي، وهي نسخة متطرفة عن الإسلام المتعصب الذي أدى إلى نشأة «أسامة بن لادن» ومنظمته الإرهابية وتنظيم القاعدة.
وعلى الرغم من التعاون وراء الكواليس بين «إسرائيل» والسعودية، والذي كان سراً لسنوات، فإن الدافع لهذه العلاقة أساساً يأتي انطلاقاً من التهديد المشترك من إيران كما يدعون، وهذه العلاقة الضمنية التي لم توجد في أي وقت مضى دفعت مسؤولاً سعودياً للدعوة علناً إلى تحالف كان إلى وقت قريب يرفض من قبل الأوساط الدبلوماسية السعودية.. وأكدت الصحف الأمريكية أن مقال الأنصاري تعرض لهجوم من قبل التقليديين المتشددين في وطنه، لكن من المتوقع ومن دون شك في أن هذا المقال على الأرجح هو جزء من استراتيجية أوسع نطاقاً بدأتها السعودية مؤخراً وهي استراتيجية محسوبة على السعودية،
وهذا المقال في الواقع مجرد واحدة من العديد من المؤشرات البارزة الأخيرة على هذا التطور الذي بدأ يتكشف، ففي نهاية 2016 زار وفد سعودي برئاسة جنرال سعودي متقاعد «إسرائيل» وعلى الرغم من أن المهمة تعرضت لانتقادات شديدة في الصحافة العربية، لكن لم يواجه أي عضو في الوفد تداعيات عندما عادوا إلى وطنهم.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الصحف السعودية نشرت خبراً يعكس حبها لرئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو» عندما ألقت باللوم على «محمود عباس» لرفضه عرض «نتنياهو» لإلقاء خطاب في الكنيست، وأشارت الصحف السعودية حينها إلى ما حدث بين رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق «مناحيم بيغن» والرئيس المصري «أنور السادات» حيث انتهت اللقاءات بينهما باتفاق «كامب ديفيد» بين العدوين السابقين.
وتأتي زيارة الرئيس الأمريكي «ترامب» الأخيرة للسعودية ليقدم من خلالها حكام السعودية تنازلات مكتوبة، موثقة وجديدة، للاعتراف بالدولة اليهودية العنصرية، عندما أعلن عن محتواها وفحواها «ترامب» من قلب فلسطين المحتلة، تلك هي رسالة آل سعود الموجهة للإرهابي والصديق الحميم «نتنياهو» وهي تكشف عن جذر المسألة الحقيقي للعلاقات الإسرائيلية- السعودية، وهي إهانة كبرى لأمه العرب، وتبرئة تاريخية لـ«إسرائيل» من جرائمها على شعب فلسطين العربي عبر 67 عاماً من الاغتصاب للأرض والإنسان، وتشريد الملايين من اللاجئين الفلسطينيين.
إنها رسالة آل سعود إلى أجدادهم اليهود، حملها «ترامب» إلى الإرهابي رقم واحد نتنياهو، هدية من الملك السعودي خادم الحرمين الذي تنكر لقيم السماء على الأرض، وحقوق العرب في فلسطين ومستقبل أطفال فلسطين في وطنهم الذي باعه حكام آل سعود مرة أخرى بشهادة ترامب وحكام الخليج، لكي تبقى «إسرائيل» الدولة اليهودية المرتقبة في أرض العرب.
وإنه من سخريات القدر أن يكون آل سعود مسؤولين عن الدم العربي الطاهر الذي روى أرض فلسطين بالدماء الزكية.
• كاتب عراقي
ليست هناك تعليقات