أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« لماذا فرح المغاربة باعفاءات الملك ؟ » ... بقلم : صالح أيت خزانة



نزلت الإعفاءات التي طالت عددا من وزراء الحكومة الحالية ومسؤوليها، فضلا عن وزراء ومسؤولين سابقين ممن تورطوا في تأخير المشاريع الملكية بالحسيمة ضمن ما سُمي بمشاريع "الحسيمة منارة المتوسط"، بردا وسلاما على ساكنة الريف، ومعتقلي حَراكها، وعموم الشعب المغربي الكادح، الذي كُتِب له أن يحيى حتى يرى بأمِّ عينيه وزراءه وقادة أحزابه "المحصنين جدا"، يتساقطون كأوراق هذا الخريف الحارق.

ويتأكد لديه، لأول مرة، أن البلد قد بدأت تدخل غمارا جديدا من انقلاب الوضعيات الاعتبارية. إذ لم يعد أحد، بعد هذا "الزلزال" المفاجئ، في منأىً عن المحاسبة، وتقديم الحساب، بعد أن بدأ أعظم ما في دستور 2011 يتحقق رأيَ العين، وأصبح "المستحيل" ممكنا، وعصا الحساب لم تعد تفرق بين الوزير والغفير، بعد أن كانت مسلطة على أكباش الفداء، تقودهم إلى حتفهم لتغطي على جرائم الكبار، وتطوي صفحات الهتك في حق هذا الشعب الكادح، المُمَرَّغ في تراب الذل، والفساد، و"الحكرة"...

نعم، لقد حقق الملك للشعب المغربي الكادح أعظم أمنية يترجى رؤيتها، بعد أن طال عليه ليل الظلم، والذل، والضحك على ذقونه، من طرف ثلة من مسؤوليه ممن أخلفوا عهودهم، وانشغلوا بمشاريعهم الخاصة عن مشاريع الوطن. فكان هذا "الزلزال" القاصمة التي أعادت شيئا من دفء الوطن إلى نفوس فقدت الثقة في الوطن والمسؤولين، ومشاريعهم، ووعودهم، فأصبح التفكير في ترك الوطن إلى حيث تُحترم آدمية المواطن،

وتُقَدر مجهوداته، وتشكر مساهماته، ويُقْتَصُّ له من ظُلَّامه، ومنتهكي حقوقه، مهما عَلَت رتبهم، وعظُمت نياشينهم، وتجذَّر نفوذهم.. إحدى الأمنيات المؤجلة لدى غالبية المضطهدين في هذا البلد .

ومما زاد من إعجاب المغاربة بهذه الإجراءات العقابية، وارتياحهم لها، احترامها لمقتضيات الدستور، خصوصا الفصل :47 (1)، بعد مرورها من القنوات القضائية المستقلة للمجلس الأعلى للحسابات، واستنفادها لمجريات التحقيق والتقصي في كل حيثيات الملف الذي هز الريف ، وحرك أهله، من غير تعَسُّفٍ أو خرق للقانون .

في الوقت الذي عاش المغاربة منذ مدة على وقع إعفاءات؛ سِمتُها العبث والمزاجية، وحب الانتقام، وخرق سافر للقوانين، ودافعها تصفية الحسابات السياسية الضيقة، وتمريغ الكرامات في التراب. وقبل هذا التاريخ، بسنين، عرف المغرب حملة تطهيرية ، أُطلِقت فيها يد الراحل إدريس البصري، تحصد يمينا وشمالا، وتصفي حسابات، دون حسيب ولا رقيب، حتى خلفت ضحايا لم تندمل جراحها بعد. فشتان بين هذه الإعفاءات وتلك، وشتان بين من يقود هاته ومن قاد تلك !.

لقد فهم المغاربة الرسالة جيدا، منذ خطاب العرش، الذي أكد فيه الملك على أنه :" قد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدأ(ربط المسؤولية بالمحاسبة). فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة"...مما أكد لديهم أن راكد العبث والاستهتار بحقوقهم، والنيل من كرامتهم، لا شك سيتململ.

وأن وراء أكِمَّة الخطاب الملكي ما وراءها. فصدق تكهنهم، وحلَّ عليهم يوم الرابع والعشرين من أكتوبر بفرح خاص لا مكان فيه للشماتة، ولكن فرح بقرب بزوغ عهد جديد، عنوانه:" لا فضل لوزير على غفير إلا بالوفاء، والكفاءة، والعطاء.. والجميع أمام القانون سواء" !.

لقد أصبح المغاربة اليوم، و منهم، أزعم، غالبية موظفي الدولة ومسؤوليها البسطاء، يشعرون، ربما لأول مرة في حياتهم الوظيفية، أن الهوة الاعتبارية التي تفصلهم عن مسؤوليهم الكبار، ووزراء قطاعاتهم الحكومية، لم تعد بالعمق والبعد الذي كانت عليه ما قبل الرابع والعشرين من أكتوبر. فلم يعد الموظف العادي يحس بأنه المستهدف الوحيد بمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور (2). ولم يعد هو الوحيد الذي سيقدم الحساب، ويسأل عن فشل الخطط والمشاريع، بل هناك في الصف معه كبارٌ، سيكتوون بما سيُكتوَى به، وسيُسألون عما سيُسأل عنه.

إنه الشعور بالإنصاف، الذي افتقده المغاربة منذ زمان، هو الذي سرى بينهم ونشر الفرح في أوساطهم، وتحول عند الكثير منهم إلى ارتياح وأمان، وعند موظفي الدولة الصغار إلى رغبة في اقتحام عقبة الجد الخالص، والعطاء الفضيل، والانخراط المسؤول.

فرجاؤنا ألا تقف هذه الحملة التي يقودها الملك عند هذه الحدود المحدودة في الزمان والمكان، بل أن تستمر على طول الزمان، وعبر الربوع والجهات؛ فلا تحابي صغيرا ولا كبيرا، حتى تستأصل شأفة العبث، وتؤسس لتقليد جديد في تحمل المسؤولية والتعاقد حولها، ينهِيَ مع الاستهتار والضحك على الذقون..!
دمتم على وطن.. !!

ليست هناك تعليقات