أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« معرفة حدود قدراتنا » ... بقلم : توجان فيصل



 « معرفة حدود قدراتنا »
    بقلم : توجان فيصل  
   5/10/2017


« مجلة منبر الفكر»    توجان فيصل     5/10/2017


تعصف بالأردن أزمة اقتصاديّة كنا نتوقعها ونتوقع كل تداعياتها الداخليّة والخارجية. والمُتابع للبيانات الأردنيّة يجدها تبرّر العجز الدائم في الموازنة وغياب أو تعثر المشاريع، بكلفة دعم الشعب في معيشته (رغم أن توفير معيشة الشعب هذا من صلب واجبات الدولة)، وبكلفة دعم لاجئين سوريين جرى استقبالهم بحماسة ظاهرة (حذرنا منها حينها)، ويطالب بمعونات لتغطية كليهما. وبهذا يكون تطوعاً لمهمّة وكالة غوث اللاجئين.

وهي ليست أول مرة نتصرّف فيها وكأننا دولة كبرى راعية، وليست مرعية. فالحديث ظلّ يجري عن ضمان الأردن لأمن دول في جواره بحجم السعودية، وحتى أمن إسرائيل لجهة عدم قبول وجود قوات إيرانية على الحدود السورية.. كما ظل يصرّ على أن الأردن يشارك بلورة الاتفاقيات والترتيبات التي جرت بين قوى "دوليّة" كأمريكا وروسيا، وقوى إقليمية "كإيران" بخصوص ما يجري في سوريا، وبالتالي تحملنا مسؤولية كنا في غنى عنها.

والأعجب ما يأتي من نفخ "كتاب الدولة" في هذا الدور، ومثال منه ما أسقطه أحد أعرق أولئك الكتّاب والمصنف أقدرهم "اقتصادياً" من تفسير على خطاب الأردن في الأمم المتحدة مؤخراً. وجاء ذلك في ردّه على مقولة في نقد طلب الأردن معونات في الخطاب الذي ألقاه ولي العهد، لاستضافة لاجئين سوريين. والمقولة حسب ما ينقل الكاتب "التسول من المجتمع الدولي".. فيردّ الكاتب بقوله: "هذا غير صحيح، فالذي يتسوّل ينافق، ولكم الأمير قام بالتوبيخ على تقصير العالم، ليس تجاه الأردن بل تجاه اللاجئين السوريين الذين تدفقوا على الأردن لا يملك أكثرهم سوى الملابس التي جاء بها. هؤلاء الضحايا بحاجة ليس فقط للطعام والمنام بل أيضاً للتعليم والصحة والأمن وفرص العمل.. وإذا كان ضمير العالم لم يتحرّك ولم يفاجأ، فقد وصف (الأمير) الضمير العالمي بأنه في حالة "صمت". وهذا تعبير دبلوماسي حتى لا يقول إن ضمير العالم في حالة موت سريري، "وقد أسمعت لو ناديت حياً".

ويكمل الكاتب أن الخطاب أوجد "فرصة مخاطبة العالم حيث ترجم إلى خمس لغات". وكل وثائق الأمم المتحدة تترجم للغات الخمس تلك. وجيّد أنه لا تترجم التفاسير "المحلية" لمقاصد الخطاب، وإلا لكان أثر تفسير الكاتب لمعاني العبارات "الدبلوماسية" فيه، كارثياً.. وبالذات لأن الأردن الآن أصبح متهماً من منظمات حقوق إنسان دولية بأنه بدأ يرحّل المئات من هؤلاء اللاجئين قسراً للضغط على سوريا وعلى الغرب المانح.. وخطأ الترحيل هنا، إن جرى، يقلب "التوبيخ" على الأردن ويعزّز خيار الدول المانحة تقديم المعونات مباشرة للاجئين أنفسهم!

ولكن أول الرهانات الخاطئة كانت على حجم ودور إيران الإقليمي والدولي، وهي رهانات شاركت فيها إسرائيل. والخطأ جاء في تبني صورة نمطية قديمة "ستيريوتايب" عن عداء أمريكي تأصل لإيران ما بعد الثورة يؤدّي، حسب هذه الصورة، ليس فقط لحرب باردة جديدة، بل ويتضمن إمكانية تسخينها رغم محاذير أن تصبح نووية، مع أن هكذا تسخين أصبح مستحيلاً بعد أزمة خليج الخنازير. ولكن يبدو أن صورة أمريكا بوش، وبوش الابن بخاصة، بقيت هي الغالبة، دون النظر للتغير الجذري بعيد المدى وعميق الدلالات والذي جرى بانتخاب أوباما. ما أحدثه أوباما من تغييرات جذرية في السياسة الأمريكية لجهة منطقتنا على الأقل، إذ أبرم اتفاقاً نووياً مع إيران ليس فقط باسم أمريكا، بل وجلب له أربع دول كبرى أخرى، ما يجعل خروج أمريكا عليه في عهد إدارة لاحقة شبه مستحيل في ظل الخسائر التي ستلحق بأمريكا.

المعونات وفساد اقتصاد الحروب (في عهد بوش) هو ما أطلق مديونيتنا لتتجاوز الـ 94 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك يستمرّ التصريح الرسمي بأن المديونية ستزيد بالأرقام المطلقة. وما جرت المراهنة عليه كان استمرار الأزمة السورية بأطول مما جرى وبالتالي استمرار الحاجة لنا وتلقي معونات باسم اللاجئين - بدرجة أن يعلن لحينه عن أن المعونات هي ثاني مصدر دخل للأردن بعد تحويلات المغتربين - وعلى حصة كبيرة للأردن في عطاءات "إعادة إعمار سوريا".. وهو ما بدأت محاولة الترويج له، ولكن لا يبدو أن الحكومة السورية متجاوبة. فقد تغاضت كلياً عن عروض الأردن بشأن معبر نصيب الذي يعوّل الأردن كثيراً على فتحه وبأكثر مما يعوّل على فتح معبر طريبيل.

والفرق بين إتاحة المعبرين كبير. فدور الأردن عند غزو العراق رفضته غالبية عراقية. ولكنه انتهى لصالح حكم المعارضة العراقية التي أتت بالأمريكان. ورجال أمريكا هؤلاء وُطّن بل وجنس الكثير منهم في الأردن، وبخاصة من يسمون "رجال أعمال". ولكن في سوريا الرفض أعمق وهو رفض سياسي، ووصل حد شكوى وزير خارجية الأردن من غياب أي قناة اتصال مع الحكومة السورية، وأسئلته توجّه لروسيا.

هي سلسلة أخطاء كان يمكن تجنبها، لو كان هنالك حد أدنى من مساحة للرأي الآخر في الأردن.





لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 


ليست هناك تعليقات