أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« هل حرم الإسلام زواج المسلمة من المسيحي أو اليهودي؟» ... بقلم : محمود محمد شومان



أخطاء الفقهاء في حكم زواج المسلمة من اليهودي

هل يجوز للمسلمة أن تتزوج من غير المسلم، وإن كان يهودياً أو مسيحياً؟ لمجرد عرض هذا السؤال نقاشياً فقط ترى أن فقهاء الأمة قد أجمعوا على أن الإسلام أباح زواج المسلم من نساء أهل الكتاب، بحجة إيمان المسلم بجميع الأنبياء، وحرمة زواج المسلمة من غير المسلم وإن كان كتابياً؛ لأنه لا يؤمن بعقيدتها ولا يحترمها من باب الاجتهاد، ونظرات ضيقة لا تروى لاستخدام العقل والمنطق ولو قليلاً، مستغلين نصوصاً قرآنية لا ترمي إلى مقصدهم بشيء، بل إنهم وصلوا إلى محط تزويراً وتدليساً لبعض تلك الآيات لإثبات ذلك.

يعتمد هؤلاء الذين يقولون إنهم فقهاء وما هم بذلك في اجتهادهم لتحريم زواج المسلمة من الكتابي إلى مجمل نصوص قرآنية واضحة، كما ترى الذهب من الماء، تتحدث عن تحريم زواج المسلم من الكافرة والمشركة، وهي نفس نسق الآيات التي تحرم زواج المسلمة من الكافر والمشرك بالله، دون ذكر أهل الكتاب أو ما يشير بيانياً إليهم، وتجيز للمسلم الزواج من الكتابية، ومن هنا نرى تلاعباً ضمنياً من الفقهاء في تفسيرهم لتلك الآيات وإخراج لمقصدها عن محله.

1- "فإن عَـِلمْـتُموهُنَّ مؤمناتٍ فلا تَرجِعوهُنَّ إلى الكفار لا هنَّ حِلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ".

استند الشيخ سيد سابق في كتابه فقه السنة، عند تحريم زواج المسلمة من غير المسلم، سواء أكان مشركاً أو من أهل الكتاب، إلى الآية الكريمة، مؤكداً أنه في هذه الآية أمر الله المؤمنين إذا جاءهم النساء مهاجرات أن يمتحنوهن، فإن علموهن مؤمنات فلا يرجعوهن إلى الكفار، لا هن حل لا لهم ولا هم يحلون لهن، ومعنى الامتحان أن يسألوهن عن سبب ما جاء بهن، هل خرجن حباً في الله ورسوله، وحرصاً على الإسلام؟ فإن كان كذلك قبل ذلك منهن.

ما رأيته هو استحالة أن تكون تلك الآية مصدراً لتحريم زواج المسلمة من الكتابي، فهي تتحدث عن الكفار، ولا تنبئ بإشارة إلى أهل الكتاب، فإذا كانوا هم أنفسهم يتفقون على حرمة زواج المسلم من كافر، وأجازوا زواج المسلم من الكتابية، فهذا يعني أن أهل الكتاب ليسوا كفاراً، فكيف يكون الكتابي كافراً أم هو تفسير على الهوى؟

2- "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون".

في مجرى تلاوة تلك الآية تجدها تحمل في ثناياها شيئاً من مكارم الدين الإسلامي، ألا وهو المساواة بين الرجل والمرأة، فلا يجوز للرجل أن يتزوج من مشركة، كما لا يجوز للمرأة أن تتزوج من مشرك، فيقول الإمام الطبري في تفسيره لتلك الآية: "إن الله قد حرم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك من أي أصناف الشرك كان، فلا تنكحوهن أيها المؤمنون منهم، فإن ذلك حرام عليكم، ولَأَنْ تُزَوّجُوهنّ من عبد مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله خير لكم من أن تُزَوّجُوهنّ من حر مشرك ولو شرف نسبه وكرم أصله وإن أعجبكم حسبه ونسبه".

فهذه الآية بينة جداً، فهي إباحة للرجل أن يتزوج من أي امرأة ما دامت غير مشركة، وللمرأة أن تتزوج من أي رجل ما دام غير مشرك بالله، وكونها بما فيهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى.

3- "اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان" المائدة.

يقول النسفي باتفاق مع الطبري في تفسيره للآية الكريمة: "والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم يعني: والحرائر من الذين أعطوا الكتاب وهم اليهود والنصارى الذين دانوا بما في التوراة والإنجيل من قبلكم أيها المؤمنون بمحمد من العرب وسائر الناس، أن تنكحوهن أيضاً، إذا آتيتموهن أجورهن يعني: إذا أعطيتم من نكحتم من محصناتكم ومحصناتهم أجورهن وهي مهورهن".

في هذه الآية تحليل واضح لزواج المسلم من الكتابية مسيحية كانت أو يهودية دون أن تتحدث عن زواج المسلمة من الكتابي نهائياً، ومن المعهود أن التحريم يأتي بنص قاطع إعمالاً بقاعدة: "الحلال بين والحرام بين"، ومن المعروف أن كل ما لم يحرم فهو محلل ومشروع، إذاً لا يمكن أن تكون تلك الآية دليلاً على تحريم زواج المسلمة من الكتابي.

مما سبق يكون من البين أن تحريم زواج المسلمة من الكتابي كان محط اجتهاد للعلماء والفقهاء دون دليل واضح من النصوص الإسلامية المحتكم إليها في التحليل والتحريم، وهي القرآن وسنة الرسول الصحيحة، والتي لم تمنع زواج المرأة المسلمة من رجل من أهل الكتاب، يهودياً كان أو مسيحياً، وأن جميع أدلة التحريم التي لجأ إليها الفقهاء كانت تشير إلى تحريم زواج المسلمة من المشرك أو الكافر، وفي هذا أيضاً إشكالية تناقض تثبت عدم الاتزان الفقهي للمحرمين، فهم أجازوا زواج المسلم من امرأة تدين بالمسيحية أو اليهودية باعتبارها من أهل الكتاب، ويحرمون زواج المسلمة من المسيحي واليهودي بحجة أنهم مشركون، فهل تكون الكتابية مؤمنة والكتابي كافراً رغم أنهما يؤمنان بنفس الشيء.

ليست هناك تعليقات