عندما كنا صغار، كنا نحلم أن يحملنا القطار بسرعة لعالم الكبار. أحببنا أن نصبح بلحي محلُوقة بعناية، بذقن يتدلى من وجوهنا ليعطينا فرصة لظفر بحـــب واحدة تعشق شعيرات الوجه.
نتسابق لنحلق الوجوه مستعجلين أن تنبث الزُغيبات لنتفاخر بها أمام من لازال وجهه طاهراً من الطفيليات السوداء.
نشاهد الرسوم المتحركة في شاشة تلفاز تتوشح بالأبيض والأسود، نُقلد المشاهد ونصنع أسلحتهم، لنجربها في لحظات لعبنا الجماعي.
كانت الحياة محصورة في كسرة خبز مبللة ببقع من الزيت،وكأس شاي حضرته الأم فوق "مجمر" مليئ بالفحم الأحمر.
كانت الحياة مجسدة لنا في لعبة، نصنعها ونتباهى بها أمام الآخرين، في لباس جديد نرتديه يوم العيد، في قبلة من شفاه الوالدة، في نظرة رضى في عيون الوالد. في صديق جديد نتعرف عليه.
في تلك الليالي المُمطرة والعائلة كلها مجتمعة حول طبق من الفول، والسماء تعلن عصيانها في الخارج.
في لعبة نلعبها بمرح طفولي بسيط ، لا تكليف ولانفاق فيه،في فتاة صغيرة تمر بمحاذاتك وتبتسم لك معلنة إعجابها بك،فتحدت أصدقاءك عنها لمدة شهور حتى تنسى هي ملامحك.
في صياح الديك الصباحي، وهو يعلن بداية يوم جديد، إنتظرناه منذ ليلة الأمس و في لمسة ناعمة من يد الجدة العجوز المجعدة، فتعقبها "كُمشة" من الحلوى الجافة.
هكذا كانت الحياة... جميلة لا نحبها أن تنتهي، ولا نريد لضوء الشمس أن يغيب، ولا لظلمة الدجى أن تنشُر خيوطها حول الدوار.
اليوم...هيهات هيهات...كبرنا... ويا ليتنا ما كبرنا.... كبرنا ونبتث في وجوهنا بدل الشُيعرة الواحدة، عشرات الشعيرات وتدلت خيوط الزغب من خياشمنا.
لم نجد عالم الكبار بتلك المتعة التي إعتقدناها ونحن صغار، وسرعنا الزمن من أجل الوصول إليها.
لم يعد طعم الحياة بنفس حلاوة الصغر.تحولت الأيام مجرد تحصيل حاصل لدوران المجرة و تحولت السعادة لشيئ وهمي نتظاهر به أمام ألأخرين.
لم يجلب الشعر فتيات ولم يعد مذاق الشاي بنفس النكهة الحمراء للجمر ولم يعد لعب الكبار بنفس البساطة و العفوية التي كانت لنا ونحن صغار لعب بطعم الخداع والغش، و التباهي والثعلبة.
أضحت الحياة سيناريو لدراما نمثلها بإحترافية مزيفة، نشكل الأيام حسب قانون العرض والطلب، وندفع التكاليف مُسبقا.
جرب بعضنا طعم السيجارة، فلم تفلح في إثارته، لكنها حكمت عليه بالإقامة الجبرية في قفص عشقها الممزوج برائحة النثانة.
تظاهرنا بالفرح ضداً على المشاعر.
كل هذا سعينا للبقاء كبارا...لكن عشق الصغر يُغرينا بالرجوع إليه.
حقاً يا ليت الصغر يعود يوما فأحدثه بماذا فعله بي المشيب.
|
ليست هناك تعليقات