فرّت تلك المرأة من جحيم الحرب.. فهي مثل الكثير من الناس الذين أرغموا على الهجرة من أتون الحرب، وراحوا يفرّون عبر البحر إلى أوروبا.. تمكّنت المرأة من ركوب مركبٍ متهالك، ولم يكن أمامها أي خيار أمامها سوى الهرّب، واعتفدت بأنه ربما سيحالفها الحظّ كي تصل إلى أوروبا، فدوي القصف في بلدها جعلها تعيش في رُعبٍ مستمر.. جلستْ تلك المرأة على سطح المركب بمعيةِ العشرات من الفارّين مثلها، وبعد أيامٍ وصلتْ إلى جزيرة، وأُرغمتْ هي والركاب على النّزول من المركب، ولم تكن تعلم أين هي؟ وحين سألتْ، قالوا لها: هذه المحطة الأولى، وبعد أيام سيأتي مركب آخر ليأخذنا إلى أوروبا، نامتْ تلك المرأة في العراء على الرمال بمعية النساء، وكنّ يرتجفن من هواء البحر البارد.. انتظر الفارّون لأيّامٍ عدة على الجزيرة، ولكن لم يصل أيّ مركب.. وفي أحد الأيام سألت المرأة هل سنبقى هنا أم ماذا؟ لم يردّ عليها أيّ أحد، فعلمتْ أنّ مصيرها سيبقى مجهولا.. انتظرَ الركاب على الشاطئ عدة أيام حتى أتى المركب، وصعدَ الجميع عليه، وأبحر إلى وجهته، لكن المركب واجه عاصفةً قوية وغرقَ المركب، لكن تلك المرأة تمّ إنقاذها من مركبٍ آخر كان يمرّ بالصدفة من هناك فأخذها إلى جزيرة أخرى، ونزلتْ هناك، وقالت في ذاتها: يبدو أنني لن أصل إلى أوروبا، وبعد أيام أتى مركب آخر، لكن المرأة لم تصعد، وقالتْ: هذا المكان خلاب، سأعيش هنا، وبعد أيام وجدت صديقاتها، اللواتي هربن قبلها وكن يسرن على إحدى الشواطئ، ففرحت لرؤيتهن، وهي سرّت من أنهن بقين على قيد الحياة، وراحت تقصّ عليهن قصتها، فقالت إحدى الصديقات لها: لا عليكِ، بإمكانك أن تعيشي هنا حتى تنتهي الحرب، وبعد ذلك سنعود إلى الوطن، لكنّ الحرب لم تنته، رغم كل المبادرات لحلّ الأزمة.. فهروب تلك المرأة لم ينته، وعذابها مستمر، لكنها تجلس بينها وبين ذاتها وتقول حنيني للوطن سيظلّ هاجسي رغم كل العذابات هنا وفي بلدٍ طبيعته تسحرني.
|
ليست هناك تعليقات