أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« عبث التفكيكية في اللغة والنص » ... بقلم: علي محمد اليوسف



  « عبث التفكيكية في اللغة والنص »
    بقلم: علي محمد اليوسف
   31/1/2019
 السيرة الذاتية للمؤلف


« مجلة منبر الفكر »
علي محمد اليوسف    العراق 31/1/2019


  في الفلسفة التفكيكية التي اعتمدت ما سمّي بالقراءة الجديدة المستمدة من الفلسفة البنيوية, او القراءات التأويلية الاختلافية المتعددة للنص, نجد انه جرى تداول تلك الطروحات اللغوية و الفلسفية عندنا, كما هو الشأن في جميع الصرعات الفكرية التي ظهرت في فرنسا على وجه الخصوص

ومن ضمن تلك التيارات الفكرية ما جاء به تروبتسكي وجاكوبسن ودي سوسير وفنجشتين وآخرين في مجال اللغة واللسانيات.,

ان انزياح واستبعاد النص الاصل يكون من خلال القراءة او القراءات التفكيكية التي تختلف عن أصل النص في متابعة حضور الهامش الدلالي عنه في متوالية لا نهائية من الهوس التفكيكي, الذي يصبح فيه اصل النص ميّتا او ملغيا بعد موت المؤلف
حسب مقولة رولان بارت,.

والاهم رجوعنا في لمحة سريعة الى البنيوية التي اعتمدت اللغة مرجعية قارة تحت شعار(لا شيء خارج النص) على خلاف التفكيكية التي جاءت في مقولات دريدا العبثية في اللغة وفي اعدام النص فاوقعت نفسها في وحل العدمية واللامعنى الفلسفي واصبحت التفكيكية اليوم محل ادانة وتندر لدى اغلب علماء وفلاسفة اللغة يتقدمهم جومسكي وفلاسفة لغة اميركان معاصرين غيره.

فقد اعتمد الشكلانيون الروس في مؤتمر لاهاي عام 1929 مصطلح البنيوية الذي وضعه جاكبسون, وقد رفضت هذه المدرسة التي أسست البنيوية الفرنسية على منطلقاتها التي جاء بها شتراوس واخرين دوسيسير ولاكان وفوكو والتوسير فيما بعد فكرة عدم توظيف النص الادبي لنصرة معتقدات فلسفية معينة, ونادى الشكلانيون ضرورة ووجوب اعتماد النظر على الشكل الجمالي للادب , أي في اعتبار الادب ادبا صرفا يتميز بعدة دلالات تعبيرية لغوية جمالية تجعله جنسا تعبيريا مستقلا مفارقا لنصوص الفلسفة والدين والايديولوجيا وغيرها.

ان من اكبر الاخطاء التي تساوي بين عبثية التفكيكية التي حصرت مبحثها الفلسفي على صعيد اللغة في تدمير النص تفكيكيا فقط, وبين الفلسفة البنيوية التي لم تقف مباحثها الفلسفية عند مبحث اللغة بل شملت الانثروبولوجيا وعلم النفس والفلسفة واللغة وسنوضح هذا لاحقا.

والى هذا الحد من الممكن اعتبار البنيوية من خلال تعدد وتنوّع اهتماماتها ومباحثها الفلسفية خارج بدعة اللعب في مخاتلات اللغة على هوامش الاختلاف وحافات التفكيك مع اصل النص في قراءاته المتعددة كما تفعل تفكيكية دريدا

ان البنيوية تعنى بالانثروبولوجيا وفرعها الاثنولوجيا تحديدا في دراسة الاقوام البدائية التي لا تمتلك تاريخا مدوّنا عند شتراوس, وفي علم النفس لدى جان لاكان, وجان بياجيه ,وعلى نقد السرديات الكبرى كما هي عند التوسير, والجنسانية والجنون لدى فوكو.

فالبنيوية على عكس من فقر التفكيكية الفلسفي,  تيّار تجديدي في مباحث الفلسفة له  فلاسفته مررنا على اسمائهم قبل اسطر, على العكس من التفكيكية التي ارادت التعكّز على البنيوية اللغوية فوقعت في حضن الابتذال المعرفي التجريدي في محاولتها تفسير اللغة بعبث تدميري وهدم لا منطقي ولا فلسفي كما يفاخر به دريدا, الذي اصبح التنّدر بالتفكيك على لسان غالبية علماء اللغة والمشتغلين في مباحث الفلسفة المعاصرة على انه ثرثرة تقوم على هامش مباحث الفلسفة الحقيقية الجادة.

 ولنقرأ النص التالي من كتاب علي  حرب نقد الحقيقة في مقاربته التفكيكية
(ان كل قراءة تختلف لامحالة عن النص الذي تقرأه او تقرأ فيه, سواء أكانت القراءة شرحا وتفسيرا , او استنباطا وتأويلا. وهي تنزع من ثمّ, وبحكم اختلاف ما تقرأه, الحلول محله), ولما كانت( كل قراءة تأويلا وحمل لمعنى ما على المقروء, وترجيح لمعنى آخر, أي هي تأوّل, ومآل التأويل أن يحل محل التنزيل) ص 96
أن الانزياحات التأويلية لأصل النص في تعدد القراءات واختلافها , يعطينا بحسب أحكام علي حرب, أن فكرة او محتوى او مضمون النص , يعطينا ترجيحا الى أن جميعها افكار اومرموزات لغوية اشارية متعالقة بما يتعّلق بأصل شكلانية النص, وبعد أجراء القراءات التأويلية والتفكيكية عليه يكون لا معنى لنص الاصل ولوجوده أيضا كمرجعية ليست ثابتة, ولا يعد النص يمتلك حضورا حقيقيا بعد تعدد قراءآته المختلفة في تغييب مقصود لاصل النص في ترجيح اعتماد الهامش كتنزيل أخذ مكانة اصل النص في الدلالة الشكلية والمضمون.

وبذلك بدلا ان يكون أصل النص مرجعية ثابتة تحاكم بها وعلى ضوئها , صحة قراءات الهوامش الشارحة تفكيكيا الطارئة الجديدة الشارحة لاصل النص, والتأويلات المتعددة له, وبهذا يقوم التفكيك بأعدام اصل النص الذي هو أساس ومرجعية جميع القراءات بتعدد واختلاف اشكالها له, الذي ترفضه تفكيكية دريدا في الغائها من قموس تفكيكها المرجعية الثابتة في اغتيال اصل النص علانية كونه يحمل معان غير متاحة لقراءة او عدة قراءات.

 الاشكالية التي تزرعها التفكيكية هنا وتمضي هي كيف يمكننا البرهنة ان التأويلات القرائية الجديدة المضافة في الهوامش وفي محاولة استحضار الغائب المضمر لغويا على حساب المعطى الماثل في اصل النص على انها وسيلة واسلوب الاختلاف في استحضار فائض المعنى الذي تدخّره (تدميريا) القراءات التفكيكية في اعدام اللغة قبل اعدامها اصل النص.(يلاحظ ان دريدا يستعير لفظة الهدم والتدمير من نيتشة وغاديمير وفي هذا تكمن نزعة العبث اللغوي الذي لا يقول شيئا وليس بمستطاع دريدا ان يجيد غير الهدم والتدمير في تنفيذه تقليعة فلسفية شديدة الغرابة).

لا توجد اية قناعة او استدلال معرفي او لغوي علمي او فلسفي يقودنا التسليم الى ان الرقص اللغوي المخاتل على الهامش القرائي الاختلافي هي اكثر مقبولية وحكمة وصواب من محتوى النص الاصل الذي قامت القراءات التأويلية التفكيكية بأعدامه والغاء قيمته لأنه لم يف بالتزامه في كشفه المسكوت عنه وفائض المعنى.

وكيف لنا ان نعرف ان المسكوت عنه هو الصحيح وليس ما يبوح به اصل النص وليس ما يذهب له وتدّعيه الهوامش من صدقية افتراضية.؟ في بحثها الدؤوب عن فائض المعنى الذي تخلفّه اللغة وراءها في تعدد القراءات والاجتهادات.

التفكيكية تنسب لنفسها الرقص المخاتل على الهامش في المواربة اللغوية الاختلافية مع اصل االنص لتجعل من طروحاتها النظرية البائسة تجديدا شبحيا في الفكر الفلسفي.ولا نستبق التعليق أن جاك دريدا في التفكيكية يلغي تماما اية مرجعية ثابتة يمكن الاحتكام لها, ويعتبر دريدا انه حتى العقل لايمثّل مرجعية ,لأن هذه المرجعيات التي اعتمدتها مباحث الفلسفة قبل التفكيكية , طالما أعتبرتها مباحث الفلسفة مرتكزات محورية شبه ثابتة فهي ميتافيزيقا يتوجب مجاوزتها,

كما ان دريدا يرفض (المنهج) باعتبار ان التفكيك لايحتاج المنهج لأنه (استراتيجية) آلية تفكيكية تطال كل شيء, وحتى التفكيك يعقبه تفكيك الى ما  لا نهاية له او توقّف عنده.كما ان دريدا هاجم هيدجر واعتبره ميتافيزيقيا كونه يؤمن بمرجعية العقل الذي هو ثبات لا يعتّد الاخذ به وكذا الانسان كوجود.

واذا نحن سّلّمنا بهذا التحليل القرائي التفكيكي للنص الاصل, فسنكون في حالة ضياع وتيه في استقصائنا أين يكمن المعنى الصحيح وفي أي من القراءات التأويلية التي طالت النص الاصل وغيّبته قسرا نعتمد في الوصول الى الحقيقة؟.

ويصبح التشتت القرائي الاختلافي هو سيد التيه والضياع, نتيجة منطقية لما يتوجب علينا معايشته في تعدد الانزياحات المتناوبة في استهدافها أصل النص بالتغييب العمد كهدف مطلوب في ذاته ولذاته فقط في اشباع هوس التفكيك.

نعتقد أن أصل النص هو حقيقة مرجعية ليس سهلا الاستغناء عنها او تغييبها, وانه ايضا خلفية استرجاعية ثابتة لمعرفة

  • -ماذا اضافت القراءات التأويلية الشارحة عليه, 
  • -وأين اصبح موقع اصل النص بعد تناوب القراءات الالغائية له وماذا بقي منه؟ 
  • -واين أوجه القصور والخطأ به.؟

 والنص منتج عقلي, والعقل والنص مرجعيات نحتكم لها ليس لحقيقة وجودها وثباتها, بل لانها من الضرورات البدهية التي بضوئها نستطيع الحكم على مدى اهمية قراءاتنا اللانهائية الافتراضية لأصل النص.

من المهم التذكير بان رولان بارت على اختلاف مع التفكيكية التي تذهب الى اعدام اصل النص تفكيكا اختلافيا تداوليا, فهو اكتفى بالغاء هيمنة المؤلف على النص ووصايته على القاريء, واوصى ان يكون حضور النص مرجعيا استدلالية في تعدد واختلاف القراءات هو فقط دون غيره., ولا شيء خارج النص.

اننا نفهم أن كل نص هو كيان مادي قائم بذاته, والافكار قوة مادية تأخذ أنسنتها الطبيعية من المتلقي به واليه,ويتوجّب علينا ان ننطلق من أن كل قراءة او عدّة قراءات لأصل النص مهما أوتيت من قدرة تأويلية ذكيّة فهي ليس بامكانها ولا بمستطاعها الغاء حضور (أصل النص) حتى لو تعاملنا مع الغائه مجازّيا وليس حقيقيا, ثم والأهم لماذا نحن نعامل القراءات الهامشية الدائرة حول مركزية النص الاصل انّها هي مايمّثل الحقيقة المطلوبة وليس العكس في عدم اعتمادنا مركزية أصل النص انها هي الحقيقة التي على ضوئها نحكم على صحة منطلقات الهوامش القرائية التي تدور حول اصل النص وتستهدفه بالالغاء؟

من جهة اخرى اننا سنضع انفسنا بهذه الحالة امام سلسلة لا تنتهي من الالغاءات المتناوبة على استهداف اصل النص في اعدامه واخراجه من دائرة التلقي في تعدد وتنوع القراءات له .وهذا هوما تنادي به التفكيكية وتعتمده بالصميم. 



 اقرأ المزيد لـ علي محمد اليوسف


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا


ليست هناك تعليقات