أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

حقوق الإنسان في عصر العولمة ... د.يوسف محمد الصواني


مجلة
منبر الفكر
 حقوق الإنسان في عصر العولمة
  د - يوسف محمد الصواني
  25/4/2016


حقوق الإنسان :
العولمة والديمقراطية
إذا كان المفهوم التقليدي لحقوق الإنسان يشير إلى السياسة والحياة المدنية فإن قيام الإنسان بمزاولة هذه الحرية عملياً تستلزم بالضرورة إشباع حاجات اقتصادية واجتماعية معينة , أن هناك حاجة لإعطاء الحرية بعداً يتصل بالوفاء بالحاجات الأولية للإنسان , أى  الحاجات الطبيعية ,.وفي عصرنا الحالى فإن الحاجات الطبيعية ليست كل الحاجات فهناك حاجات للتعليم والثقافة واكتساب المهارات , ولكن  وقبل كل هذه فإن هناك حاجة لتمكن الإنسان من اكتساب والحصول على وممارسة حصته في كل ما يعود للجماعة التى يعيش فيها , أن الحرية هى حجر الزاوية لكل الحاجات في أى نظام اجتماعي معاصر عادل أن التمكن من الحاجات يؤهل الإنسان لممارسة الحرية وهذه بلا شك هي المقدمة الضرورية لكل شئ .
 إذا كان النظام الدولي المعاصر يحتوي علي ميراث كبير للقسوة والعنف  والطغيان الذي يميز السياسة الدولية , فإن العولمة التى من شأنها تعميق الفقر والتفاوت  تقود إلى الاختلال واتساع  في مستويات الرفاهية المادية والثقافية والمعنوية وخاصة في دول الجنوب  , أن من شأن ذلك التضحية بأهم  قيم حقوق الإنسان , إن ايديولوجيا العولمة تحاول استيعاب فكرة وحركة حقوق الإنسان في كل مكان , أن ذلك يتم من خلال السعي القوي لجعل مفهوم ونظام حقوق الانسان وموازياً  لفكرة الديمقراطية  غير أن الديمقراطية المقصودة ليست نظامآً إنسانياً  محايدآً بل أن لها علاقة وصلة وثقة بأيديولوجيا العولمة , أن في الأمر تسويقآً وفرضاً لممارسة سياسية واقتصادية محددة هي التي  تتفق مع اطروحات الليبرالية  الجديدة  وتستجيب لمصالح وشروط قوي العولمة وخاصة في مجال الاقتصاد , بذلك تتعرض  قيم حقوق الإنسان وقيم الديمقراطية للامتهان والتشويه , أن هناك فارقاً بين الحديث عن الديمقراطية  فكراً ونظاماً والحديث عن حقوق الإنسان لسائر الأنظمة , مهما كانت لغتها وخطابها بالنسبة للديمقراطية , أن ذلك اساسي جدآً خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمستوى الحد الأدنى لاحترام حقوق الإنسان التي يمكن أن تنتهك في أى نظام سياسي , أن ذلك لا يعني بالطبع عدم وجود علاقة وثيقة بين الديمقراطية وحقوق الإنسان فإن ممارسة حقوق الإنسان تتناسب طردياً مع مستوى ديمقراطية النظام السياسي .
 أن النظرية الجماهيرية تعيد الاعتبار للحياة والعقل بينما تقلص  أو تقضى على الأفكار البراغماتية والانتهازية المصاحبة للعولمة والرأسمالية الوحشية التي تقلص وتقيد الحياة . إن هذه البراجماتية , كما يقرر ليوستراوس , لاتقيد الحياة وتشكل خطرًآ عليها فقط بل أىضاً تحط من منزلة العقل الذي يصبح مجرد أداة لتقييم الخيارات , إن البراجماتية والمنفعة لهما أخطارهما فهما تتخليان عن العقل  والجهد لإدراك الحقيقة في كلتيها , أن الجدل الحالي حول حقوق الإنسان وادبياتها يهتم فقط بالوسائل بفعل تأثيرات العولمة التى تقود إلى نمط من النظر الذي يؤيد التفكير في الأهداف في ذات الوقت الذي ترفع فيه الوسائل إلى مستوى الأهداف , هذه الفلسفة في نظر ستراوس , تؤدى إلى الانتحار فنحن نصبح حكماء فيما يتعلق بكل الشؤون ذات الأهمية الثانوية التى تتناول الآليات لكننا يجب أن نسلم أنفسنا للجهل الكامل فيما يتعلق بكل الشؤون الأكثر أهمية » أى المبادئ القصوى أو النهائىة« وعند ستراوس أىضاً » أن هذا أدى إلى نتيجة متناقضة: » أصبحنا في موقع العقلاء والحكماء حين ننشغل بأمور تافهة , لكننا نقامر كالمجانين إذا واجهتنا قضايا جادة : الحكمة بالتجزئة والجنون بالجملة«
 حقوق الإنسان : التحديات
أن حقوق الإنسان لا تتحقق ولا تتعزز بمجرد تطوير القواعد وتوقيع الصكوك أو الأعتماد على وصفة فكرية أو أخلاقية جامدة بل هى في حاجة أكيدة إلى التواصل إلى حل إشكالية التنظيم المجتمعي مثلما ترتبط بأهمية ألا يؤدى هذا التنظيم إلى التضحية بالفرد تحت مبرر الجمعوية أو  المصلحة العامة . إن ذلك لن يتحقق إلا إذا اصبح لدينا نظام أجتماعي أكثر ديمقراطية يلغى الصراع والاستغلال . إن نظاماً من هذا النوع ضرورة على المستويات الوطنية والعالمية , وهكذا فإن أهم مكون لهذا هو تحقق نظام عالمي ديمقراطي حقيقي على مستوى المؤسسات والسياسات , ومن المؤكد أن هناك ضرورة لأحداث نقلة نوعية في المفاهيم وطريقة التفكير بحقوق الإنسان , إن ذلك شرط أساسى لتحقيق التوازن ولمواجهة هيمنة وسطوة الاقتصاد في ذات الوقت الذي ينبغي فيه النظر إلى حقوق الإنسان من جانب شمولي يؤكد على تكامل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وليحول دون بروز نظام تهمين فيه السياسة على كل شئ بدعوى الأخلاص لطروحات ايديولوجية أو لهيمنة الأقتصاد بدعوى عدم جدوى الحلول التى لاتنتمى إلى اقتصاد السوق وعولمته.
 أن التمعن في التحولات المعاصرة على المستوى الكوني يبين أنه رغم وجود اتجاهات غاية في التناقض فإن ذلك لا ينفي أن الحقيقة الأهم تأثيراً في المستقبل هى أنه بينما يتم التضييق على الخيارات الجديدة فإن ثمة عالم جديد يجري صنعه وتلعب التقنية والعلم الحديث الدور الأخطر فيه من ثم فإن المواطن يصبح أكثر تفاعلآً وقدرة على الفعل , إن الانفتاح هذا يعني الانتصار للنظام الديمقراطي الذي يقيم علاقات غير مسبوقة مع الحقيقة  والحرية , الحرية ليست مجرد القرار بأن نكون احراراً بل هى إنشاء واقع الحرية وصيانة قيمة في الثقافة قبل العمل والمؤسسات والهياكل .
 وعندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان في المجتمع الذي أنجز المساهمة النظرية في هذا الشأن من خلال إعلان قيام سلطة الشعب والوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان , لا يكفي أن نقول أن الثقافة  الجماهيرية هي التى ينبغي أن تسود المجتمع الجماهيري بل لابد من العمل على إقامة الواقع العملى الذي يسند هذه الأفكار ويقدم الإجابة اللازمة في عصر العولمة والتحولات الكبرى التى من شأنها اعادة صياغة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على اسس جديدة تأتى تلبية لحاجات جديدة وجعلها مصدرآً للعمل والفعل ومحدداً للسلوك وخاصة السلوك الديمقراطي , ذلك أن الأفكار ليست مجرد كاشف عن الحقيقة بل تساهم في إنتاج الحقائق.
 أن ما يشهده العالم الآن من تحولات كبرى تطال الثقافة من جميع الجوانب , إن هناك ثقافة جديدة يجري انتاجها , ومهما كان موقفنا من حضارة الغرب وثقافة الغرب التى تصدر نمط الاستهلاك للعالم غير الغربي , فإن هذه هى التي تبدو أكثر فاعلية في حياة البشر , أن مواجهة هذه الإشكالية لا تتم بمجرد رفض الغرب لاشك أن العديد من الدراسات العلمية التي انجزت في هذا المجال وحتي هنا في بلادنا تؤكد خطورة هذه التطورات في تشكيل رؤىات وتصورات ومواقف الأجيال الجديدة , وبذلك تؤثر الثقافة والنظام الثقافي السائد في عملية نجاح الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل أنها تؤثر في الممارسة الاجتماعية  والسلوك السياسي
  للأفراد أيضاً خاصة في كل ما له صلة بالثقافة السياسية وهى ما بينت تجربة التطبيق الجماهيري خطورتها .
 إذا كان من شأن هذا تعزيز الدعوة إلى إعادة النظر في مسألة حقوق الإنسان في بلادنا من اساسها بما يؤدى إلى إعادة صياغة البيئة القانونية والتشريعية والقضائىة وأىضاً إعادة النظر في البعد المتعلق بمؤسسات المجتمع المدني , فإنه يؤكد  أن هناك حاجة لإصلاح نظام الثقافة والتعليم وخاصة ذلك المتصل بالحقوق , لاشك في أن تحولاً من هذا النوع والمستوى  من شأنه مضاعفة إمكانية إعداد الناس لقدر متزايد من التفاعل المثمر والإيجابي مع التحولات الجارية وتنويع النشاطات الثقافية وتكييفها مع حاجات وتطلعات مختلف الأجيال والمستويات أو الفئات الاجتماعية والاقتصادية والمهنية أن ذلك يعين بناء ثقافة مساواتية تعزز الديمقراطية والتنمية في بعدها الإنسانى . إن تراجع الثقافة الجماهيرية , وعدم تجذر  ثقافة المساواة وحقوق الإنسان على المستؤى الشعبى يبقي المجال مفتوحاً للنخبوية الفكرية ويبقى الباب مفتوحاً أمام من يتصور أن مهمته التفكير نيابة عن الناس , إن ذلك خطأ جسيم وقاتل للديمقراطية , فالفرد الذي ينشأ على أن هناك من يفكر نيابة عنه من السهل استخدامه , استغلاله واستعباده , لاشك إن ذلك أكثر الأخطار جسامة على حقو ق الإنسان خاصة وإنه من السهل أىضاً تحويل الجماهير الغائبة أو المغيبة وغير الفاعلة عن هدفها ونقلها من موقع إلى آخر ومن برنامج إلى آخر.
الهوامش :
¯ معمر القذافي , محاضرة بجامعة التحدي , سرت  ,ليبيا-  10-12-1427 م.
¯ سيرج لاتوش , تغريب العالم , القاهرة , دار العالم الثالث 1992 , ترجمة خليل كلفت.
¯ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي , تقرير التنمية البشرية للعام 2000.
Youssef Sawani , Human Rights in the Era of Globalization : Challenges and Alternatives ' in , Hans Koechler ( ed.) Human and Peoples' Rights Asia and the World , Vienna Jamahir Society for Culture and philosophy 2002.
- يوسف الصواني ( العولمة الانسانية , الرأسمالية والديمقراطية : إشكالات وخيارات ( مجلة الدراسات العليا السنة الثانية , العدد العاشر , 1429م.
ليو ستراوس  , مشار إليه في راسل جاكوبي , نهاية اليوتوبيا : السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة  , الكويت المجلس الوطني للثقافة , 2001.
- ياشي كاي , ( العولمة وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية ) رواق عربي , العدد التاسع , 1998.
- قايد دياب ( مأزق التحول الديمقراطي في العالم العربي ) رواق عربي , العدد العاشر,  1998.

أوراق فكرية تمهيد
 إنه من البين أن العولمة وما تحدثه من اثار تمس بالضرورة حقوق الإنسان في كل الجوانب المتصلة بقيمها وخطابها وممارستها , ومع أن القليل من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان الآن هي فقط التي يمكن اعتبارها جديدة إلا أن الرؤي والتحاليل المتعلقة بها قد تعرضت لقدر كبير من التحول والتغير . » فقد وفرت  العولمة مثلاً زاوية جديدة لواحدة من أهم القضايا وهى هل الحقوق عالمية أو خصوصية ?, أثارت العولمة الجدل حول من هم المستفيدون  الحقيقيون من نظام الحقوق ومن يتحمل مسؤولياتها وأكدت أىضاً على الحوار الخاص بالعلاقة بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبين الحقوق السياسية والمدنية وأيهما له الأولوية على الآخر , كما أن العولمة من ناحية أخرى أثارت الأسئلة حول أساليب  تطبيق هذه الحقوق ومسؤولية المجتمع الدولي في حمايتها وطبيعة سيادة الدولة .} 1 { ( كاى , ص 36 )
وحيث أن هناك القليل  جداً من المناقشات والأدبيات حول آثار العولمة على حقوق الإنسان فمن الضرورى أن نفهم عمليات العولمة وآثارها كي نكتشف تداعياتها على مفهوم حقوق  الإنسان , أن تأثير العولمة على حقوق الإنسان يتسم  بالتعقيد والتناقض ولعل مرد ذلك هو حقيقة كون العولمة  ذاتها عملية معقدة ومتناقضة في آن واحد , فالعولمة  ليست عملية أو ظاهرة جديدة لكنها تسارعت واتسع نطاقها في العقود الأخيرة بما يشير إلى تغير نوعي , ولعل أهم التطورات تتمثل في ظهور أشكال جديدة من القوانين والضوابط  وأنماط لحل النزاعات العابرة للقوميات , إضافة إلى تزايد حجم وقوة وتأثير الشركات المتعددة الجنسية , وتصدر المنظمة العالمية للتجارة مركز  النشاط العالمي وما تتسم به ظاهرة التبلور العالمي والاندماج المستمر للمؤسسات المهنية .( كاى , ص 33-32 )
ومن المسائل   الخطيرة  التى تثيرها العولمة والمتعلقة بحقوق الانسان هي تلك المتعلقة بالإجابة على السؤال الجوهري عن إلى متى سوف يبقى الإطار السياسي لتطبيق حقوق الانسان داخل سيادة  الدولة وخاضعاً لها في الإطار  الدولي ? وما هي آثار ضعف أو نهاية الدولة على حماية  الحقوق ? وما هي الآثار التي ستواجهها المنظومة الحقوقية والتوازن بين مختلف أنواع الحقوق ?
 وإذا كانت العولمة تطرح هذه الإشكاليات الأمر الذي يعني أن حقوق الأنسان تواجه وضعاً أكثر صعوبة وخاصة إذا ما أخذنا في الأعتبار الاثار السلبية للعولمة اقتصادياً واجتماعياً , فإن السؤال  الأكثر أهمية هو عن ماهية الأطروحات الفلسفية الفكرية أو النظم الأجتماعية الأكثر مناسبة لحل هذه المعضلات على مستوى كونى , لاشك أن الحرب الباردة بينت بما لا يدع مجالاً للشك فشل التجربة السوفييتية وقادت إلى التشكيك  بشكل قوى جداً في البيروقراطية وفي التدليل على آثارها السلبية المناقضة للحرية , كما أن العولمة الآن تبين بشكل حاسم أن اقتصاد السوق والليبرالية ليسا كافيين لتحقيق العدالة والمساواة.


ليست هناك تعليقات