لم يعد هناك من شك بأن التجريب في السياسة والعلاقات بين الدول قد أثبت فشله في رهانات على حلول افتراضية لأزمات أصبح التعقيد الباهظ التكاليف أحد أبرز سماتها على المديين القريب والبعيد، باعتبار أن الشعوب وحقوقها بلغت مرحلة من النضج تجاوزت أن تكون حقول تجارب للآخرين أو مختبرات لمصالحهم في عالم خلع عن نفسه هيمنة القطبية الأحادية.
بيد أن ما تشي به المعطيات يؤكد أن الإرهاب بكل أشكاله ينتعش ويتمدد على غير صعيد واتجاه من شقوق تقسيمه بين أخيار وأشرار فأصبح لعبة دولية تتصدرها ألمانيا كواجهة أوروبية وبدعم سياسي ومالي فرنسي وبريطاني ما يوفر فرصة خطيرة الأهداف دموية الوسائل، تخدم الابتزاز السياسي والأخلاقي الذي يمارسه العثماني أردوغان وحكام آل سعود ومشيخة قطر على طاولة السياسة في جنيف والمحافل الدولية الأخرى، كما على صعيد تغذية التنظيمات الإرهابية في سورية بالسلاح المتطور والمرتزقة على قاعدة من التنسيق مع الكيان الإسرائيلي.
ويمكن استنتاجاً السؤال، ما إذا كانت ألمانيا تمارس دوراً اعتادته سابقاً أو أنها تلعب دوراً بالنيابة بعد محادثات هانوفر بين المستشارة ميركل والرئيس أوباما التي عكست -بحسب تقارير- اختلافات حول الوسائل واتفاقاً على الأهداف التي تلبي مصالح تركية سعودية إسرائيلية.
ولكن يبقى احتمال الازدواجية الأميركية قائماً، تحسباً من آثار سلبية على التفاهمات مع الجانب الروسي بدليل التواصل القائم سياسياً وعسكرياً في جنيف بين ممثلين رئاسيين عن الجانبين الروسي والأميركي ومجدداً المحادثة الهاتفية بين الوزير لافروف ونظيره الأميركي كيري وما تركزت بشأنه سواء من جهة تثبيت وضمان تنفيذ اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية وفقاً لمندرجات الاتفاق، حيث أكد الجنرال الأميركي ستيف وارن الناطق باسم حلف أميركا للحرب على داعش، أن قتال جبهة النصرة في مناطق من مدينة حلب وريفها لا تشكل خرقاً للاتفاق، لكونها مستثناة من الاتفاق الروسي الأميركي، أم من جهة مواصلة العملية السياسية في جنيف لحوار سوري سوري وذلك بانتظار موعد استئنافها من المبعوث الدولي الخاص دي ميستورا على أساس القرار الدولي 2254.
ولكن، ألا يستدعي ذلك سؤالاً منطقياً يتعلق بالمبررات المخفية، وراء نشر أميركا مجموعات صواريخ متحركة، متعددة المديات على الحدود التركية مع سورية. وإرسال 150 من المارينز الأميركي إلى داخل الأراضي السورية، أدانته الخارجية السورية باعتباره خرقاً للسيادة مطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بالعمل على مواجهته ومنعه، كما أدانته كل من روسيا وإيران لأنه لم يتم بتنسيق مع الحكومة الشرعية السورية، أم إن الأمر ترجمة لصراع محاور داخل إدارة أوباما السياسية والعسكرية يسعى من خلالها داعمو الإرهاب ومشغلوه إلى الاستثمار في الصراع لحساب مخططات إذا كان أولها تخريب التفاهمات بين الشريكين الروسي والأميركي والتمهيد لنسفها، فلن يكون آخرها الإطاحة بالعملية السياسية في جنيف، وكشف مقدماته وفد معارضة الرياض بأوامر مباشرة سعودية تركية بتصعيد الأعمال الإرهابية في سورية، وهو ما اعتبرته روسيا وأميركا تهديدات جدية للتفاهمات فيما بينهما، وتجلت مواجهة تلك التهديدات بإعلانات أميركية خجولة، مواقف روسية جادة في عدة اتجاهات بينها:
1- عدم السماح باختطاف اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية من الإرهابيين ومشغليهم والذي شرعته الأمم المتحدة بالقرار الدولي 2268 وأكدت دمشق التزامها التام به.
2- العمل في مجلس الأمن الدولي لإدراج تنظيمي أحرار الشام وجيش الإسلام في قائمة الإرهاب الدولية إلى جانب تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين، وقد حذر الوزير لافروف من استخدام الإرهابيين في تغيير أنظمة غير مرغوب فيها وتصفية حسابات معها.
3- إن المعركة ضد الإرهاب يجب أن تتم على أساس التعاون وعلى قدر من المساواة مع احترام سيادة الدول، كما أعلن الرئيس الروسي بوتين مجدداً الدعوة إلى تشكيل جبهة عريضة لمحاربة الإرهاب برعاية الأمم المتحدة.
4- مطالبة الدول الراعية للإرهاب مثل تركيا والسعودية وقطر بتنفيذ التزاماتها تجاه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2253 المتعلق بمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه وتجريم التعامل معه بحسب الفصل السابع من مبادئ الميثاق الدولي.
5- السعي الحثيث للكشف عن قائمة الإرهابيين وعدم الإبقاء عليها مجهولة العنوان بغطاء من المصالح الضيقة والمناورات السياسية التي تصب في خدمة الإرهاب ومشغليه.
وليس بعيداً، يمكن القول: إذا كانت المستشارة الألمانية ميركل، وفقاً لتخطيط مسبق أو باجتهادات سياسية لحسابها الشخصي تفتح بازاراً مع العثماني أردوغان على حساب السوريين وحقوقهم الوطنية. فقد أعلن بيسكوف الناطق باسم الكرملين أن الحوار السوري السوري في جنيف يجب أن يتواصل ولا بد منه. كما أعلنت الخارجية الروسية أن موسكو تدعو مجموعة العمل الدولية لدعم سورية لبذل الجهود للحفاظ على اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية، ما يشي بأن التفاهمات الروسية الأميركية لم تنل منها التحديات السياسية والخروقات الإرهابية.
مع وجود اختراقات بين الجانبين ولا سيما أن الإرهاب الذي تواجهه سورية بات يمثل مصالح ضيقة لدول في المنطقة ليست في مصلحة سياسات أميركا وانشغالاتها، بعد أن ثبت أن الإرهاب لا حدود له، وأن القضاء عليه يتطلب جهداً دولياً مشتركاً ليس فقط على الصعيد العسكري وإنما على صعيد محاربة الفكر الوهابي المتطرف الذي يغذيه، وهو ما أكده الرئيس بشار الأسد أثناء استقباله السناتور الأميركي ريتشارد بلاك.
وعليه فإن الجهد الروسي الأميركي المشترك قائم ومستمر وفقاً لإعلان الجانبين سواء للتحضير لجولة جنيف الجديدة في أقرب وقت أم لضمان تنفيذ وقف الأعمال القتالية في سورية. وما أعلنته قيادة الجيش العربي السوري من هدنة الساعات يعكس حرصاً والتزاماً واضحين بأمن السوريين ونزع الذرائع من أيدي الإرهابيين.
وإذا كان في الصبر حكمة وإرادة يتحكم بها الجيش العربي السوري وصمود السوريين الأسطوري، فإن الانتظار وهم زائل يقوم على رمال وأحلام ولن يجلب لأصحابه سوى الهزيمة والخسران.
|
ليست هناك تعليقات