يتكاثر “التحول اللافت” في أداء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يشعر الرجل لا بل بات يدرك أن جل سياسته التي رسمها خلال السنوات السابقة قد أصيبت في مقتل، ولم تثمر في اتجاه “وقعنة” الحلم التركي في إعادة الأمجاد وتكريس هيبة ” الدولة العلية ” في المنطقة، هذه السياسة التي استولدت كل عوامل النفور من الحلفاء وباتت مآلاتها بمنزلة طوق النار الذي يلتف على رقبته، من البوابة الإسرائيلية بدأ رسم معالم التغيير، والمرونة المثمرة، إذ يدرك أردوغان أن التطبيع مع إسرائيل سيفتح الآفاق التي أغلقها على مصراعيها لجهة إعادة المياه لمجاريها مع الولايات المتحدة أولاً، وأوروبا ثانياً، ضارباً عرض الحائط كل شروطه وحميته حيال حماس ورفع الحصار عن غزة وعدم تعاون إسرائيل مع حلف الناتو لإبرام التطبيع، لابل باع كل القضية الفلسطينية “الذي لم يكن أصلاً مشتريها” كرمى للمصالح، وسبيلاً لإنهاء مفرزات الصراع الدولي الذي استولد وأيد الحراك الكردي في تغلغله وسيطرته على الشمال السوري وإعلانه الفيدرالية، إذ يبقى ذلك الهاجس الأوحد الذي يقض مضجع أردوغان، كذلك رسالة التهدئة الذي وجهها لموسكو وعبر فيها عن حزنه العميق لمقتل الطيار الروسي جاءت هي الأخرى لتعزز النظرة التركية الجديدة و ربما السيناريو والمعروض التركي الجديد، وتحديداً في الميدان السوري، قيل أن وساطة جزائرية تكاثرت في المشهد لجمع الرأسين التركية والسورية على وسادة واحد، وكلنا شهد وتابع موقف الجزائر الموغل في التوازن حيال المشهد السوري.
وكيف حط وزير الخارجية السوري على أرض الجزائر في أول زيارة رسمية لمسؤول سوري منذ اندلاع الحرب السورية، لإدراك الدور الوازن الذي قد تلعبه الجزائر في الساحة السورية، لابل أكثر من ذلك فقد تم الحديث عن اتصال هاتفي غير مؤكد تناقلته بعض المواقع الالكترونية السورية جمع بين أردوغان والرئيس الأسد، على قاعدة واحدة في اعتقادنا لا ثاني لها وهي قاعدة ” المكاسب المتبادلة ” التي تحدث عنها أردوغان في خطابه الأخير بمجمع الرئاسة التركية، عندما أكد أن ما سماها الأطراف الساعية لإخضاع تركيا وتقسيمها عبر المنظمات الارهابية لن تنجح مطلقاً.
لا يحتاج توصيف المنظمات الإرهابية هنا للكثير من العناء والتحليل لندرك أن المقصود هو حزب العمال الكردستاني وداعش وكيف يمكن البناء على أساس المكاسب المتبادلة بين أنقرة ودمشق ولاسيما بعد تفجير مطار أتاتورك وتكاثر الاتهامات التركية الفوريةعلى غير المعتاد لجهة توجيهها لداعش، لتلمس أن شيئأ ما يتم تحضيره بين البلدين، تتقاطع فيه هذه المكاسب لناحية المعروض التركي المستند إلى القول : ساعدونا وضافروا جهودكم معنا لإنهاء التمرد الكردي في الشمال الذي سنوازيه تماماً مع تلبيتنا لما كانت قد طالبت به موسكو لناحية إغلاق حدودنا والتجهيز للقضاء المبرم على كيان داعش وأخواته وكذلك. ربطاً مع ماعده الأسد لجهة أن الفدرالية ستُذهب سورية إلى الجحيم.
في جزئية الموقف الإسرائيلي الذي يبدو متشابكاً للغاية لجهة فهمه وتفسيره،إذ تدعم إسرائيل استمرارية المشهد السوري الحالي الذي تلبي فيه ( ديمومة الحالات المتطرفة المسلحة) رغبتها في استنزاف الجيش السوري وحزب الله، ومن جهة أخرى تدعم إسرائيل بقوة فدرلة أو تقسيم سورية، في حين رأت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي وبعيد الاتفاق مع تركيا، أن إسرائيل كسبت ثلاثة حلفاء أقوياء هم تركيا وروسيا والولايات المتحدة، يمكن القول أن الهدف الأسمى في اعتقادنا الذي تسعى إسرائيل للوصول له والذي عنده من الممكن التضحية بثابتين لديها لجهة إسقاط الأسد، ودعم التوجهات الكردية وتعزيز حلمها في سورية، هو “فرملة” حزب الله وبقاء أمنها أمام جدار عالي من الأمن والسلامة، ومن هنا نفهم ما أكدت عليه مصادر إسرائيلية بأن من أحد محاور الاتفاق مع تركيا هو التنسيق الأمني معها في سورية بما يحقق ماسمته منع ايران من السيطرة على سورية عبر حزب الله، وبذات الفهم نتنبأ لدور روسي فاعل وضاغط لجهة ذات الهدف المتعلق بالأمن الإسرائيلي.
أختلف مع ما كتبه إيال زيسر في صحيفة اسرائيل اليوم لجهة أن الخاسرين من الاتفاق التركي الاسرائيلي هم إيران وحزب الله وحماس وأعتقد أن الخاسرين هم حماس والمعارضة السورية والأكراد وسيقطف الباقي بما فيهم إسرائيل ثمرة ( الرابح رابح) من ” شجرة ” داعش التي ستكون حطباً لتدفئة ” المنتصرين “.
كل الأنظار ستتجه خلال الفترة القادمة للقاء لافروف بنظيره التركي على هامش قمة إقليمية ستعقد في منتجع سوتشي أعلن عنه لافروف، مؤكداً استئناف المشاورات مع الجانب التركي في الملف السوري، والأهم اللقاء الذي قد يجمع بوتين بنظيره التركي في قمة مجموعة العشرين المقبلة بحسب ما أعلنه مسؤول تركي رفيع، فتبادل ” مشاعر الحزن الشديد” بين بوتين وأردوغان لناحية اسقاط الطائرة الروسية وتفجير اسطنبول، وعودة العلاقات والتطبيع بين الجانبين لابد أن يُصرف ” منطقياً” في الملف السوري.
يبدو فعلاً أن كل أحلام أردوغان ( المنقلب كلياً هذه الأيام في أدائه) لجهة إسقاط خصمه الأسد الثابت في أدائه وهو المتجول للتو وبثقة في الغوطة الشرقية وعلى خط النار، قد تلاشت، وكل الهيجان واللهجات الأردوغانية النارية في السابق لجهة كسب المعركة في سورية، والصلاة في الجامع الأموي بدمشق، قد باتت من الماضي، لكن الحاضر بمفرزاته الاقليمية والأهم الدولية، ربما ستسمح له بالصلاة في دمشق لكن بجانب الأسد.
الدكتور : محمد بكر
كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا
ليست هناك تعليقات