أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

 ثماني سنوات سيئة لإسرائيل ... نداف شرغاي

لقد رسم ربيع 2009 بخطوط واضحة «الشتاء» البارد المتوقع للعلاقة بين ادارة الرئيس براك أوباما وحكومة بنيامين نتنياهو. اللقاء الأول بين الرئيس الأمريكي ورئيس الحكومة الإسرائيلي في أيار 2009، 
الذي وصف فيما بعد من قبل مقربي نتنياهو بأنه «صعب جدا»، أظهر بشكل فوري الخلافات التي ميزت فيما بعد العلاقة بين الرئيسين في موضوعين أساسيين: الموضوع النووي الإيراني والبناء في القدس والمستوطنات.
 الضوء الاحمر الاول أضاء في الطرف الإسرائيلي عندما أبلغ أوباما نتنياهو بأن الولايات المتحدة تريد الاعلان عن خطة سلام اقليمية جديدة. واستوضح نتنياهو بعض التفاصيل. وأوباما امتنع عن الدخول فيها، لكن الجواب تبين سريعا بعد ذلك بشهرين.
جون بودستا، رئيس طاقم الانتقال الذي جهز دخول ادارة أوباما، ومارا رادمان التي اصبحت فيما بعد نائبة جورج ميتشل، المبعوث الخاص لأوباما في الشرق الاوسط، اقترحا على الرئيس الأمريكي العمل في اطار مصادرة السيطرة الإسرائيلية على البلدة القديمة واقامة حكم دولي خاص في الحوض المقدس في القدس.
تبلورت خطة بودستا ورادمان في اطار «معهد التقدم الأمريكي»، وهو أحد المؤسسات المؤثرة والمقربة من أوباما والذي صاغ سياسة الرئيس الأمريكي في ايامه الاولى في البيت الابيض.
الضربة الثانية جاءت من هيلاري كلينتون، التي أوضحت في حوار مع شخصية إسرائيلية رفيعة. وبلغة غير دبلوماسية قالت: «لن تبنوا ولو حجرا واحدا في المستوطنات وشرقي القدس».
 «عاصفة بايدن»، كما يسمونها الآن في القدس، كانت استمرارا طبيعيا لهذه النغمة. جو بايدن، نائب الرئيس أوباما زار البلاد في 2010، بالضبط في الايام التي التي صادقت فيها لجان التخطيط في القدس على بناء 1500 وحدة سكنية في رمات شلومو. «وزراء في حكومة نتنياهو الثانية يقولون إن بايدن قد خرج عن طوره».
في كتابه «حليف» يصف مايكل أورن، سفير إسرائيل في الولايات المتحدة في حينه، والآن هو نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة، كيف أن وزيرة الخارجية كلينتون قامت بتوبيخ نتنياهو على مدى 45 دقيقة، وكيف تم اجباره على المثول أمام جيم ستنبرغ، نائب هيلاري، والاستماع إلى قائمة من المطالب التي كانت غير مقبولة على نتنياهو أو على أي رئيس حكومة إسرائيلي.
بعد بايدن أعلنت إسرائيل عن تجميد البناء في رمات شلومو إلى أن يتم حل الامر مع الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين وجدت إسرائيل نفسها أنها لا تستطيع البناء في القدس، رغم أن الولايات المتحدة سمحت بذلك على مدى اربعة عقود.
أحياء بحجم مدن
ملخص تاريخي وبعض المعطيات هما ضروريان: بعد حرب الايام الستة ضاعفت إسرائيل منطقة القدس بثلاثة اضعاف، وفرضت القانون الإسرائيلي على 70 ألف دونم كانت اجزاء قليلة منها جزءا من القدس الاردنية.
اضافة إلى البلدة القديمة والمدينة التاريخية تم ضم 28 قرية عربية للقدس. إسرائيل وضعت هدفها اعادة توحيد القدس وتوسيعها وايجاد اغلبية يهودية مستقرة فيها.
في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي أقيمت في القدس الشرقية معظم الاحياء اليهودية التي وصل بعضها الآن إلى حجم مدينة صغيرة في إسرائيل. وفي كل واحد من هذه الاحياء الـ 12 يعيش الآن في المتوسط 19 ألف شخص. وفقط للمقارنة: في كل واحدة من المستوطنات الـ 150 في يهودا والسامرة يعيش الآن 2700 شخص.
بعض الاحياء الجديدة في القدس اصبحت بحجم مدن صغيرة: في راموت الون يعيش اكثر من 50 ألف شخص، وفي غيلو اكثر من 30 ألف وفي بسغات زئيف اكثر من 40 ألف شخص. واسعار الشقق في هذه الاحياء تساوي، واحيانا تتجاوز، اسعار الشقق في غربي المدينة. عشرات آلاف الاولاد وآباءهم الذين يعيشون في غيلو وارمون هنتسيف أو بسغات زئيف لا يعرفون أبدا القدس الصغيرة التي كانت قبل حرب الايام الستة. وهم لا يعتبرون أنفسهم مستوطنين.
يجدر الانتباه للارقام فهي تروي قصة: 744 في المئة من السكان اليهود الذين عاشوا في كل مناطق القدس ولدوا في واقع المدينة الموحدة. والتاريخ الذي تسعى ادارة أوباما إلى تغييره بعد خمسين سنة من التوحيد غير معروف بالنسبة لهم أبدا، بالضبط مثلما لا يعرف 84 في المئة من سكان المدينة العرب، الذين ولدوا ايضا داخل واقع المدينة الموحدة غير المقسمة.
وحسب معطيات معهد القدس لابحاث السياسات يعيش في شمال وجنوب وشرق مدينة الحدود القديمة أكثر من 200 ألف شخص يهودي، أي حوالي 40 في المئة من اجمالي سكان شرقي القدس. و39 في المئة من اجمالي اليهود في القدس. والحديث هنا لا يدور عن بؤرة اخرى أو مستوطنة.
لقد تصرفت إسرائيل بشكل مدروس، شقت الطرق واقامت البنى التحتية وقامت ببناء دار الحكومة في «الشيخ جراح» وأعلنت عن حدائق قومية. وفي السياق قامت بأشياء كبيرة وأخطاء كثيرة ايضا، أحدها تجاه السكان العرب. فالفوارق الكبيرة في مستوى الخدمات والبنى التحتية بين اليهود والعرب تؤكد على ذلك إلى الآن.
الولايات المتحدة لم تعترف أبدا بالقدس، ولم تعترف بالقدس الغربية ايضا كعاصمة لدولة إسرائيل. وقد حرصت باستمرار على التنديد بالبناء الإسرائيلي في الاحياء الجديدة في شرقي المدينة. ولكن في المقابل وعلى مدى سنوات، حرصت على ادارة هذا الجدل على نار هادئة.
 هذا السلوك مكن إسرائيل من الاستمرار في البناء بدون قيود تقريبا. والانعطافة الحقيقية حدثت في اوسلو، وهي لم تكن تنبع من الضغط الأمريكي. يوسي بيلين والمقربون منه بادروا إلى العملية التي رفضها رابين في البداية وتبناها فيما بعد. وقد تحطمت هذه الاتفاقات كما هو معروف بسبب العمليات الإرهابية والدماء وأكثر من ألف قتيل إسرائيل وآلاف المصابين.
المحامي ايلان بيكر، المستشار السابق لوزارة الخارجية، يذكر أنه في اتفاقات اوسلو وافقت إسرائيل على أن تتفاوض على القدس وأن تشملها على اعتبار أنها قضية في المفاوضات على الحل النهائي.
بعد ذلك، في صيف 2000، عقد مؤتمر كامب ديفيد، ووافق اهود باراك على تقسيم القدس. هذه الموافقة غير المسبوقة التي كانت خلافا للقسم الذي أقسمه باراك قبل ذلك ببضعة اشهر، لم تتحقق لأن عرفات رفضها.
بيل كلينتون وافق على بقاء الاحياء اليهودية الكبيرة في القدس تحت سيادة إسرائيل. وفي المقابل تنتقل الاحياء العربية في المدينة إلى الدولة الفلسطينية.
ايلان بيكر، الذي هو الآن مدير معهد الدبلوماسية في المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة، يؤكد على أن حكومة شارون التي قامت بالبناء في القدس «تبنت في بداية سنوات الالفين خريطة الطريق التي اقترحها جورج بوش الابن. وهناك ايضا تحملت إسرائيل مبدئيا المسؤولية عن النقاش في موضوع القدس في الاتفاق النهائي وتجميد البناء في المستوطنات»، قال بيكر.
هار حوما (جبل أبو غنيم) وهار يونا!
مئير بروش، نائب وزير الاسكان في حكومة نتنياهو الاولى تذكر أنه بين اوسلو وبين خريطة الطريق حدث الصراع الكبير الاول بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة فيما يتعلق بالبناء في القدس.
«بعد ضغط شديد صادق نتنياهو على البناء في هار حوما، لكن كان يجب عليه نشر المناقصات. وقد انتظرنا جميعنا التوقيت المناسب، وعندما عرفنا أن التوقيت المناسب لن يصل، قررنا التذاكي»، قال بروش.
«حسب القانون يجب نشر مناقصات للبناء. والمشكلة هي أن كل العالم يرى المناقصات: السلام الآن ووسائل الإعلام والولايات المتحدة. ما العمل اذا؟ بدل ذكر هار حوما في الصحف، اخطأنا بشكل مقصود وكتبنا «هار يونا»، الموجود أصلا في الناصرة.
 «كل التفاصيل الاخرى في الاعلان كانت صحيحة: القطعة، الحوض. في الليل تمت طباعة الصحف، نشرات الأخبار كانت تبث في تلك الايام في التاسعة مساء، وبعد انتهاء النشرة قمنا بإصلاح الخطأ وغيرنا الاسم إلى «هار حوما». وجميع طواقم المتابعة التي حاولت افشال البناء في الداخل والخارج لم تلاحظ هذا التغيير. وفي اليوم التالي كان النشر، والجرافات صعدت إلى الميدان، ونجح ذلك. بأثر رجعي، يقول بروش: بيبي صافحني وقد كان سعيدا جدا».
بروش يكشف عن حدث آخر امام الولايات المتحدة في موضوع البناء في بسغات زئيف في القدس. «كان هذا في نهاية ولاية تيدي كوليك كرئيس للبلدية، وكان جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي. ورئيس الحكومة في حينه كان اسحق شامير. وأنا كنت في حينه نائبا لتيدي وأذكر ذلك كما لو أنه حدث الآن.
«لقد اجتمعنا لديه في الغرف واتخذنا قرار البناء بدون ترخيص. يوجد بروتوكول يوثق ذلك اللقاء. ولو كنا قمنا بالاعلان عن الترخيص، لكانت الولايات المتحدة اكتشفت ذلك، لكننا أردنا منع ذلك. في الجلسة التي صادقنا فيها على صيغة البناء غير الاعتيادية، جلس القائم بأعمال تيدي، ابراهام كحيله، الذي كان مسؤولا عن ملف التخطيط، ومهندس البلدية ونائبه، وكذلك مراقب البلدية».
 بروش الذي هو الآن نائب وزير التعليم في حكومة نتنياهو الرابعة يقترح على رئيس الحكومة الحصول على حبل طويل للبناء من ادارة ترامب، في القدس وفي ضواحيها، حتى لو كان ذلك على حساب نقل السفارة الأمريكية إلى العاصمة. وحسب اقواله «إن هذا هو أمر رمزي أمام أمر حيوي وعملي للعاصمة، وآمل أن يختار نتنياهو الاتجاه العملي».
وزير شؤون القدس، زئيف الكين، قال إنه الآن فقط، بعد قرار مجلس الامن، يمكن اختبار صمود نتنياهو في وجه أعداء أوباما، والمعارضة الأمريكية للبناء في القدس ايضا.
«بعد تصريحه وتصريح كلينتون بأنه لن يتم بناء حجر واحد، بنى نتنياهو وحكومته في القدس ألفي وحدة سكنية في كل سنة، البعض منها وراء الخط الاخضر. صحيح أن ذلك غير كاف، لكن مع أخذ الظروف غير الممكنة في الحسبان أمام أوباما وادارته، هذا انجاز كبير»، قال الكين.
ويضيف الكين بأن الحاجة الحقيقية للقدس تصل إلى 4 آلاف وحدة سكنية كل سنة. وهو يأمل أنه في ولاية ترامب سيكون بالامكان بناء المزيد. وبشكل محدد يوصي بالتوجه على الفور إلى تطبيق الخطة التي تمت المصادقة عليها في رمات شلومو في شمالي القدس وجفعات همتوس في جنوب المدينة.
وزير شؤون القدس يشير ايضا إلى أن هناك حاجة الآن إلى سد الفجوات في التخطيط الذي اصبح بطيئا هو ايضا بضغط الولايات المتحدة. وقال الكين إن الحديث لا يدور فقط عن العلاقة مع الولايات المتحدة.
«القدس تضعف بشكل جدي. فعلى مدى سنوات الهجرة اليها فإن كثيرا من اليهود يغادرونها، خصوصا لعدم وجود الشقق فيها. ونتيجة ذلك هي أن الاغلبية اليهودية في المدينة تتضاءل مع مرور الوقت، هذا على الرغم من أن التكاثر الطبيعي لليهود في القدس يفوق التكاثر العربي، لكن عندما لا تكون هناك شقق فإن هذا لا يعني أي شيء».
قرار لا رجعة عنه
لقد بقي لأوباما ثلاثة اسابيع، كما يقول مكتب رئيس الحكومة. «حتى لا ينتهي فهو لا ينتهي». رئيس الحكومة يطلب من وزرائه ضبط أنفسهم والامتناع عن التحرش وعدم التحدث عن الخطط المستقبلية.
يوم 20 كانون الثاني/يناير، موعد دخول ترامب إلى البيت الابيض، يفترض أن يكون حسب نتنياهو هو يوم التغيير. هل سيتغير الواقع بالفعل بعد دخول ترامب إلى البيت الابيض؟ وما هو المغزى العملي لقرار مجلس الامن حول البناء في القدس؟.
 المحامي ايلان بيكر، صاحب التجربة الدبلوماسية الغنية، قال إن هذا القرار غير ملزم. وهو يقترح «عدم الانفعال منه بشكل زائد». ومع ذلك يشير بيكر إلى أن القرار لا رجعة عنه: «لا يمكن الغاء قرار لمجلس الامن. فقرار استنكار الصهيونية لم يلغ ايضا. بل تمت الاشارة في قرار آخر إلى أنه لم يعد ذا صلة».
الخطر في هذا القرار حسب بيكر هو «استعداد الولايات المتحدة للسماح باتخاذ قرار يقول إن الحديث يدور عن مناطق محتلة من قبل إسرائيل». اضافة إلى ذلك «من ضمن المناطق المحتلة تم ذكر شرقي القدس. ويوجد هنا قول للولايات المتحدة بأن المناطق وشرقي القدس تابعة للفلسطينيين.
«هذا القرار يرسل للفلسطينيين رسالة بأنهم ليسوا بحاجة إلى اجراء المفاوضات مع إسرائيل أو التنازل لهم لأنهم سيحصلون، بدون مفاوضات، على ما يريدون من المجتمع الدولي».
يوصي بيكر إسرائيل بأن تتمسك برأيها وأن ترفض قول إن القدس هي منطقة محتلة. «التوضيح هو أننا لم نقبل ذلك في السابق ولن نقبله في المستقبل. والتأكيد على أن القدس هي عاصمة دولة إسرائيل».
اعضاء كنيست من الليكود يأملون أن تستطيع إسرائيل، مع دخول ترامب إلى البيت الابيض، ليس فقط استئناف البناء في القدس بشكل حر، بل ايضا الكف عن اجراء الابلاغ الغريب للأمريكيين في كل مرة يتم فيها نشر المناقصات للبناء في القدس.
 إسرائيل، كما يقولون في الليكود، مكبلة الآن بتنفيذ أوامر الهدم للمباني غير القانونية في القدس. وقد أدى ضغط الولايات المتحدة إلى تجميد البناء في مناطق قريبة من الخط الاخضر، المكتظة بالسكان العرب، مثل البناء في شمعون الصدّيق.
في الليكود يؤكدون على أن بلدية القدس تتحفظ من البناء في الاحياء الجديدة في القدس وراء الخط الاخضر خوفا من أن يزداد عدد الحريديين ويخل بالتوازن الديمغرافي اليهودي الداخلي.
ويقولون في الليكود «الحريديون هم جزء من التجمع اليهودي في القدس. وعندما نقوم باختبار موضوع الديمغرافيا في القدس بين العرب واليهود، من الخطأ التمييز بين الجمهور المتدين والجمهور العلماني». ويأملون في الليكود أن تنجح الحكومة في العمل مع الادارة الأمريكية الجديدة، عن طريق السفير فريدمان، الذي هو من مؤيدي إسرائيل ومؤيدي مشروع الاستيطان والبناء في القدس. وأحد الاهداف الفورية سيكون اطلاق خطط البناء العالقة وتحريك عجلات التخطيط في القدس وبناء الحي الذي يوجد عليه اجماع قومي في منطقة «إي 1» بين القدس ومعاليه ادوميم.
إن هدف الخطة، كما يقولون في الليكود، هو ربط المدينتين ومنع تواصل البناء الفلسطيني من الشمال إلى الجنوب، الذي من شأنه الفصل بين العاصمة ومعاليه ادوميم. رئيس الحكومة نتنياهو، يقولون في الليكود، أيد هذا البناء في السابق، لكنه ورث تعهدات اولمرت في هذا الامر. والآن، أمام ترامب، حان وقت التحرر من ذلك.
نداف شرغاي
إسرائيل اليوم 30/12/2016

ليست هناك تعليقات