لقد شغل موضوع الحب والزواج كل الشباب والشابات منذ نضوجهم وقدرتهم على التمييز والاختيار، وكان أكثر الاهتمام الذي يوليه أولئك الشباب لهذه العلاقات في حياتهم.. الفتاة المراهقة تضطرب إن ذُكر أمامها الحب أو الزواج والمراهق كذلك، يجوبان بخيالهما الغض عند سماعهما تلك المعاني ويسرحان في أجواء يحلقان فيها، ويبنيان الكثير والكثير من الآمال والخيالات،
وفي إطار ذلك الاهتمام وتلك الرغبات لدى الجنسين في التعرف على أسرار هذا الأمر فإن وجهات النظر تختلف من شاب إلى آخر، ومن فتاة إلى أخرى حول مفهوم الحب والزواج؛ فقد يعشق المراهقون الحب الرومانسي، ويبنون قصوراً من الأحلام والآمال الوردية، ثم يصطدمون بأرض الواقع..بواقعية الحياة وصور الحب التي تختلف من شخص إلى آخر.
وهناك شباب يؤمنون بالحب الواقعي، حب العقل والمنطق الذي يسيره العقل لا القلب، ويتحكم فيه المنطق لا العواطف، ويؤسسون ويبنون بيوتهم بتخطيط ودراية بعيدة عن الحلم والتصور الباهت، يواجهون فيها الحقائق والوجوه بلا رتوش أو أقنعة.
وآخرون يستسلمون للوهم، فيتوهمون أنهم مكروهون منبوذون إن لم يحبوا أو يحبهم أحد أو لم يصادفوا الحب في سن معينة، ويرفضون الزواج؛ لأنهم لم يحبوا، ويعتقدون أنه لا نجاح للزواج دون حب وسيفشل ويفشلون.
يقول الأستاذ محمود حسين، عميد المعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالكويت سابقاً في كتابه "الأسرة ومشكلاتها": "إن النظرة التقليدية تخدع الشباب وتوهمهم أن هناك لكل رجل امرأة في الحياة، فإذا قابلها أحبها وأحبته، وسينمو الحب ويتزوجها، وسيكونان سعيدين؛ لأنهما أحبا بعضهما وتزوجا على هذا الأساس..ولكن الواقع ينفي هذه الأفكار الرومانسية، فكثير من الأشخاص يمكن أن نقيم معهم حياة ودية جيدة، وننشئ معهم زواجاً موفقاً يوفر كثيراً من الإشباع".
إن الذين يحملون في داخلهم أحلاماً وردية قبل الزواج لا شك أنهم يصطدمون ويحارون في تكييف حياتهم بعدها، فالفتاة الحالمة ترى في الزواج السعادة كلها والحب والحنان والعطف، والخروج والزيارات، والشاب الذي تعود على السهر والخروج والأصحاب وكان يحلم بزوجة تهتم ببيته وطعامه فقط سوف يجد في الزواج ضيقاً وحبساً وتوريطاً ما كان ينبغي له أن يدخله، وهذا النمط من الشباب والشابات سوف يفقد دون شك السعادة في الحياة الزوجية، وسوف يفتقر إلى الهدوء والسلام العائلي، وبالتالي تزيد درجة الحساسية المفرطة، ويدخل الضيق والضجر وعدم القناعة إلى قلبه، وهي عوامل تخلق المشكلات وتطورها وتفاقمها.
فالمشكلة في ذلك المصير للحياة الزوجية هي الأحلام والأفكار الخاطئة عن الزواج والحب، والمشكلة في النظرة السطحية عن الرباط المقدس، في التسرع والتهور في الارتباط ولأهداف أخرى غير التي ينبغي أن يبنى عليها غرض الزواج، كالذي يتزوج لكي يرضي أمه وأهله أو ليجد من تخدم أمه أو تطبخ وتغسل له، فينطبع ذلك المفهوم وتلك النظرة في كيانه ويؤثر في معاملته لزوجته وتصرفه معها، ونظرته للحياة الزوجية ووفائه بالتزاماتها.. والفتاة التي تتزوج فقط وتقبل الزواج برجل لمجرد ضيقها من أسرتها، ورغبتها في التحرر من قيود تحكمهم فيها وعدم خروجها بحرية،
أو لأنها رأت من في سنها قد تزوجن، ولا بد لها من الزواج طبقاً لتقاليد ونظرة المجتمع ولمفهوم قطار الزواج، خوفاً أن يفوتها، فتتقرر أن تقع تحت عجلاته، أو لأن مظاهر الزوج قد بهرتها، بالتأكيد سوف يؤثر ذلك على زواجها واستقرارها الزوجي.
لا أريد أن أخلق شيئاً من التشاؤم لدى المقبلين على الزواج، فإن ذلك لا ينقصهم في هذا الزمن، ولكني أرغب في التماس المشكلات المتكررة والعوامل الهامة التي تحكم استقرار الحياة، والاختيار الذي يبني عليه الحب ويستقر به الزواج، وتحصل به السعادة.
الزواج رباط مقدَّس يعقد بين طرفين، فيه الاقتناع الكامل لكل منهما بالآخر، قناعة في الشكل والعادات، في الظاهر والباطن، والتقاليد والتفكير والنظرة إلى الحياة ومشوارها لتأسيس بيت وإنجاب أطفال نستطيع أن نخلق لهم الأجواء التي تنشئ لهم نفوساً سوية غير مشوشة.
ولكي يتحقق لنا النجاح لا بد من الاقتناع بأن هذا المشوار مع ما فيه من سعادة وهناء وصفاء، فيه بعض التعب والمعاناة وتخبطات الحياة التي لا بد منها، كما أن جوهر السعادة يكمن في القدرة على التكييف والمواءمة بين الأماني والأحلام والواقع وما نصادفه على مر الأيام.
|
ليست هناك تعليقات