هو رجلٌ عاديٌّ، كأنّهُ جرعةُ ماءٍ من جدولٍ يمرُّ بالصُّدفَةِ تحتَ شُجيرةٍ برّيّة. قسماتُهُ مجَّانيّةٌ وحاجباهُ حُرشُ بُطْمٍ وقندَوْلٍ وسنديان. كلامُهُ خرّيجُ مدرسةِ الرّيحِ الأوسطيّة والفُصولِ المُتواضعة. رغيفُهُ ابنُ الشَّارعِ البِكْرِ والسَّلاسلِ الحجريَّة. شَعرُهُ لا يُبالي بالمُفترقاتِ، وثيابُهُ مجدولةٌ من زمنِ القِلّةِ والفَرَحِ الحافي.
إنّهُ الرّجلُ العاديُّ.
في رأسهِ تحتشدُ صورُ الغَرقى المُتشبّثينَ، منذ قامَ البَحْرُ، بحِبالِ الهواء. قلبُهُ يظلُّ يقفزُ بين إيقاعِ الزّغاريدِ وآهاتِ النُّواح. بطنُه حوصلةٌ تتّسعُ لحبّةِ قمحٍ وسُمسمةٍ. يداهُ مِنجَلانِ من خَشَبٍ منذورٍ للتَّشقُّق. قدماهُ حجرانِ من المعدنِ الخامِ. ساقاهُ بندولٌ بين المشرقِ والمغيب، وأسنانُه سالمةٌ من قلةِ التَّعَب.
هو الرّجلُ العاديُّ.
خزانتُه مليئةٌ بالخوفِ من الأيامِ الدّاكنةِ والأمنياتِ المستحيلةِ وأحلامِ السّقوطِ من بابِهِ المهروءِ مباشرةً إلى فمِ التنّين. بطنُهُ مليئةٌ بالتُّرابِ. وعلى رموشِهِ تُثمرُ البَسَماتُ والحَسرات.
هو الرّجلُ العاديُّ.
من لحمِهِ توقدُ القرابينُ. دمُهُ نرجيلةٌ لشِفاهِ الآلهةِ. عرقُهُ المالحُ مصكوكٌ على حجارة الأسوارِ والقِلاع. عيناهُ محفورتان على أوراقِ النَّقد. كفّاهُ منفضةُ العَثِّ وقشرةِ الرأسِ عن وسائدِ الرّيشِ والخدودِ الحريريّة.
لكنّه، كلّما اختلفَ "خرونوس" مع أبنائه على جدولةِ المقاماتِ وتوزيعِ الكواكب، وكلَّما تقاتل اللّصوصُ على اقتسامِ فروةِ رأسِهِ، تُهاجرُ الفراشاتُ من فمِهِ فيعودُ إلى المغارةِ المحفورةِ في جمجمتِهِ، ليستلَّ التّماسيحَ النّائمَة في الزّاوية القديمة.
وحينَ يمضي بلا اسمٍ فوقَ الرّخام، فأنِّهُ يأخذُ دومًا دورَ البطولةِ في الكتابِ الخاوي وفي حكايةِ النّسيان..
ليست هناك تعليقات