أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« التصنيف العُمرى للنفاق » ... بقلم : عبد الناصر سلامة



    « التصنيف العُمرى للنفاق »
    بقلم :  عبد الناصر سلامة                                
  28/2/2017


« مجلة منبر الفكر »
عبد الناصر سلامة      28/2/2017


ما يجرى هذه الأيام، من أحداث متفاوتة، فى مجالات مختلفة، يجعلنا نتوقف كثيراً أمام التصنيف العُمرى للنفاق، أو التصنيف حسب السن، وهل هو عادة مكتسبة أم هو فطرى بالوراثة؟ ذلك أن التصنيف الفئوى كان واضحاً طوال الوقت، فى العالم الثالث بصفة خاصة، يتصدره الإعلاميون بجدارة، ربما كان ذلك بحُكم طبيعة عملهم، ذلك أنهم يتصدرون مشهد التعبير عن الرأى، إلا أن ذلك لا يعفى الفئات الأخرى، والدليل على ذلك تمثيل هؤلاء وأولئك فى البرلمانات المتعاقبة التى تضم كل الطوائف، والتى أكد الأداء فيها دائماً أن الفارق ليس كبيراً بين شاغلى الوظائف المختلفة، فقد كان النفاق عاملاً مشتركاً كلما سنحت الظروف بذلك، كما المسؤولون كلٌ فى موقعه، النفاق كان دائماً وأبداً سيد الموقف بين المواقع القيادية، الأعلى فالأعلى.

الغريب فى الأمر هو ذلك الاعتقاد الذى كان سائداً حتى وقت قريب بأن أجيال الشباب يجب أن تمثل أعلى درجات النفاق، ذلك لأنهم يتطلعون إلى مواقع أعلى أو أفضل، إلى أن تبدلت هذه النظرة، التى كشفت عنها برامج الهواء التليفزيونية، بصفة خاصة، كما مواقع التواصل الاجتماعى على مدار الساعة، كما مقالات الصحف التى أصبحت تحصل على حيّز كبير فى صفحاتها، كما المؤتمرات التى أصبحت تحمل الكثير من المواقف، وغير ذلك من مجالات التعبير عن الرأى فى كل الأوساط.

بالفعل كشفت كل هذه الوسائل أن نسبة النفاق فى صفوف الأكبر سناً، أو الفئات العمرية الأكبر، هى الأعلى على الإطلاق، لأسباب متفاوتة، ربما لأنهم أصبحوا أكثر احترافية فى هذا المجال، بحُكم عامل الخبرة، ربما لأنهم عاصروا عهوداً سياسية كانت تنطلق من حكم الفرد الواحد، أو الحزب الواحد، أو الرأى الواحد، ولم يستطيعوا بمرور الوقت التخلص من هذه الحالة، ربما لأنهم عانوا اجتماعياً ومعيشياً فى السابق، فأصبحت لديهم قناعة بأن الأمر لا يستحق مزيداً من المعاناة، ربما لأن هذه هى طبيعة تكوينهم، وهو ما يطرح تساؤلاً مهماً جديداً هو: هل النفاق عادة مكتسبة من الزمن والعمل والوقت والحالة المحيطة، أم أنه فى نهاية الأمر جينات، وبالتالى يصعب تعديلها؟

بالتأكيد نحن أمام أمر خبيث ومقيت، لدرجة نزل فيها قرآن يُتلى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)، إلا أن القرآن الكريم بدا أنه لم يردع هؤلاء، رأينا فى الوضع الراهن بين البرلمانيين من يطالب بمد فترة رئيس الجمهورية، على الرغم من أن رئيس الجمهورية لم يطلب ذلك صراحةً على الأقل، رأينا فى أوساط رجال الأعمال من يردد أن رئيس الجمهورية دلّع الشعب، على حد تعبير القائل، على الرغم من أن الشعب يعانى أيما معاناة، ولم يقل رئيس الجمهورية بذلك أيضاً، بل إنه دعا الشعب إلى تحمل المعاناة، رأينا فى أوساط مشايخ الأزهر من شبّه رئيس الجمهورية بهذا النبى أو ذاك، على الرغم من أن رئيس الجمهورية قد لا يقبل بذلك، أيضاً فى برامج «توك شو» الليل وآخره، نرى فى صفوف المتقاعدين إياهم العجب العجاب.

فى كل هذه الأحوال كان النفاق يأتى من أولئك الذين أكل عليهم الدهر وشرب، هؤلاء الذين شابت رؤوسهم، هؤلاء الذين حصلوا على كل شىء تقريباً، لم يأت من أوساط الشباب، بالتأكيد هناك نفاق فى أوساط الشباب كما فى غيرهم، إلا أن الاحترافية تبدو واضحة جلية بين أولئك الكبار، الذين كانوا يجب أن يكونوا قدوة، ليطرح السؤال نفسه أيضاً: ماذا يريدون، وعلى أى شىء يراهنون، ولماذا لم يتخذوا من الفضيلة أسلوب حياة فيما تبقى من أعمارهم، وهل احترام النفس بعد الوصول إلى سن معينة يصبح صعباً إلى هذا الحد؟!!

أرى أننا أمام قضية خطيرة، لا تسىء إلى هؤلاء أو أولئك فقط، بقدر ما تسىء للمرحلة ككل، وبقدر ما تلقى بظلال كئيبة على مجمل حركة المجتمع، وبقدر ما يمكن تصديره للأجيال المقبلة من طباع خبيثة، أضرت بالدولة المصرية على امتداد عقود طويلة مضت، جعلت الرويبضات من أهل الثقة يتصدرون المشهد طوال الوقت، وجعلت الشرفاء من أهل الخبرة يحجمون عن تحمل المسؤولية طوال الوقت أيضاً، وهو الأمر الذى كان يجب أن يفطن إليه أولو الأمر، باجتثاث هذه الآفة من جذورها، وذلك بإعلان امتعاضهم منها، حتى لا تصبح سمة من سمات المجتمع، بل ربما أبرز سمات الأداء فيه.

على أى حال، أعتقد أن الأمر الآن بلغ درجة المرض

 المزمن، الذى يجب علاجه على الفور، بتعليمات فوقية من جهة، ومواجهته فى كل المواقع المختلفة من جهة أخرى، مواجهة الإعلام المنافق، كما خطيب المنبر المنافق، كما عضو البرلمان المنافق، كما رجل الأعمال المنافق، كما المسؤول المنافق فى أى موقع كان، وذلك بزجر هؤلاء، كلٍّ فى موقعه، خاصةً إذا أخذنا فى الاعتبار أن ما نحن فيه من بلاء وشقاء إنما مرَدُّه أولاً وأخيراً إلى النفاق، الذى جعل من الطالح صالحاً، ومن الجاهل عالماً، ومن الفاشل سيداً!!!



لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا


ليست هناك تعليقات