ظهر النقد الأدبي عند العرب منذ العصر الجاهلي في شكل أحكام انطباعية وذوقية وموازنات ذات أحكام تأثرية مبنية على الاستنتاجات الذاتية، وهو الأمر الذي نجده عند مجموعة من الشعراء، نذكر منهم على سبيل المثال النابغة الذبياني في تقويمه لشعر الخنساء .
والأمر نفسه نراه في الأسواق العربية التي كانت بمثابة مراكز نقدية مثل سوق المربد، وسوق عكاظ، فقد كان لها دور مهم في تنشيط الحركة الإبداعية والنقدية. ويمكننا بناء على ذلك أن نعتبر الشعراء المبدعين نقاداً يمارسون التقويم الذاتي من خلال مراجعة نصوصهم الشعرية وتنقيحها واستشارة المثقفين وأهل الدراية بالشعر، وهو مانجده بوضوح عند زهير بن أبي سلمى الذي كان يطيل تنقيح قصائده، فأسماها “الحوليات ” و التي تدل على عملية النقد والمدارسة والمراجعة الطويلة والعميقة والمتأنية .وقد تطور النقد في القرن الأول الهجري وفي فترة الدولة العباسية فبرزت أسماء نقدية خالدة، نذكر منها:
ابن قتيبة وابن سلام الجمحي و الأصمعي والمفضل الضبي من خلال مختاراتهما الشعرية، وقدامة بن جعفر وابن طباطبا صاحب عيار الشعر والحاتمي في حليته وابن وكيع التنيسي وابن جني صاحب كتاب الخصائص، والمرزوقي شارح عمود الشعر العربي والصولي صاحب الوساطة بين المتنبي وخصومه،
ويمكن أن نعتبر كتاب” نقد الشعر” أول كتاب ينظّر للشعرية العربية على غرار كتاب فن الشعر لأرسطو لما ضمنه صاحبه من تقعيد فلسفي وتنظير منطقي لمفهوم الشعر وتفريعاته التجريدية. كما نجد في كتاب إعجاز القرآن، لأبي بكرالباقلاني أول تحليل للقصيدة الشعرية بشكل متكامل، بعد أن كان التركيز النقدي على البيت المفرد أو مجموعة من الأبيات الشعرية المتقطعة. كما برز المنهج الفني لدى ابن سلام الجمحي صاحب كتاب” طبقات فحول الشعراء في الجاهلية والإسلام”، والأصمعي صاحب “كتاب الفحولة “، وابن قتيبة في كتابة” الشعر والشعراء”، وبرز الجانب النقدي الإنشائي لدى قدامة بن جعفر في كتابه “نقد الشعر” و”نقد النثر”.
أما الجانب البلاغي فقد ظهر لدى عبد القاهر الجرجاني في نظريته نظرية النظم، ومنهجه البلاغي في دراسة الأدب وصوره الفنية، وصولاً إلى تناول إعجاز القرآن، وهو مابرز في كتابيه” دلائل الإعجاز” و” أسرار البلاغة”. ولعل أول دراسة نقدية ممنهجة دراسة الآمدي في كتابه:” الموازنة بين الطائيين: البحتري وأبي تمام”، وهو ماذهب إليه أيضا الدكتور محمد مندور.
وقد بلغ النقد أوجه مع حازم القرطاجني الذي اتبع منهجا فلسفيا في التعامل مع ظاهرة التخييل الأدبي والمحاكاة وربط الأوزان الشعرية بأغراضها الدلالية في كتابه المميز،” منهاج البلغاء وسراج الأدباء” والسجلماسي في كتابه” المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع”، وابن البناء المراكشي العددي في كتابه”الروض المريع في صناعة البديع”.
ومن القضايا النقدية التي أثيرت في النقد العربي القديم قضية اللفظ والمعنى وقضية السرقات الشعرية وقضية أفضلية الشعر والنثر وقضية الإعجاز القرآني وقضية عمود الشعر العربي وقضية المقارنة والموازنة كما عند الآمدي والصولي، وقضية بناء القصيدة عند ابن طباطبا وابن قتيبة، وقضية الفن والدين عند الأصمعي والصولي، وقضية التخييل الشعري والمحاكاة كما عند فلاسفة النقد أمثال الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد والقرطاجني وابن البناء المراكشي والسجلماسي.
ولكن هذه الحركة النقدية الرائدة، بدأت وللأسف تعاني تراجعاً واضحاً مع دخول عصر الانحطاط ليهتم النقاد بالتجميع وكتابة التعليقات والحواشي، وهو مانراه لدى ابن رشيق القيرواني في كتابه” العمدة ” وابن خلدون في” مقدمته”.
|
ليست هناك تعليقات