قد لا تكفي الدعابة السياسية لتفسير المقولة الدارجة بأن العرب لم يجدوا مكانا فوق سطح البحر لعقد قمتهم فاختاروا البحر الميت ليلتقوا تحت سطح البحر، كي يغطّ «قادتهم» في النوم من دون حرج، لكنها في المبدأ ربما أعطت بعضاً من التوصيف الدقيق لحال العرب والأعراب الذين يتصدرون المشهد، ويجرون العمل العربي من حضيض سياسي إلى آخر جغرافي أكثر بؤساً من سابقاته.
المصادفة هنا ليست مجردة من الدلالة، وخصوصا مع هذا الفيض من الترهات العربية العائمة على أمواج من سياقات خارجة من ردهات باتت مقراً لكثير من التشفي والحقد الأعمى الذي أوصل الخطاب العربي إلى درك سياسي لم يكن وارداً حتى في أحلك عصور الظلمات، ولم يكن متاحاً في أسوأ الخيارات، ولاسيما حين يكون محمولاً على الوهم، وعندما تكون بعض الاستطالات المرضية قد وصلت سقوفاً تفيض عن الحاجة.
كلمات كثيرة أطلقت لكنها جميعاً ليست في نصوص القرارات المسبقة، ولا هي على هوامش المسودة المقترحة، بل أغلبها من خارج سياق النص باعتبار أن الأصابع التي تشاركت في صياغتها لم تكن عربية، وبعضها لا يمت إليها بصلة مضافاً إليها تلك الأصابع المشهرة مسبقاً، والتي تحاكي في الحد الأدنى صيغة الإملاء المعتادة، فجاءت على ألسن تكلمت العربية وهي تتلكأ في اللفظ وتعجز في بعضها عن تهجئة الحروف، وكثير منها يحتاج إلى ترجمة وتفسير وشرح يطول به المقام.
ليست المسألة في سياق التقييم ولها ألف قرينة ودلالة، ولا هي في إطار المراجعة لواقع يصعب على العقل أن يفهم أبجدياته لأن فاقد الشيء لا يعطيه، لكنها ربما كانت الأسئلة الأكثر حضوراً لدى الواقع المزري الذي يتفشى يميناً ويساراً، وهي تتدحرج في مقاربة بدت حتى اللحظة محسومة في التجربة الممتدة في سنوات كثيرة مضت، حيث الفارق بين المشهد وما يليه يكاد يساوي الفارق بين قمة تحتضر وأعراب تتسابق إلى النوم في سبات عميق، ومن دون أي مؤشرات على أي تغيير قادم.
الأخطر يبقى أن البحر الميت لا يستطيع أن يكون غير ذلك، وأن الأعراب في قمة ممسوكة بعباءة النفط والدولار لا يمكن أن تكون إلا بما يشبهها فالإناء لا ينضح إلا بما فيه، وهذا ما تنضح به جدران القاعة كما سبق أن نضحت من قبل بمداولات ومقترحات أقرب إلى الحال ذاته، وخصوصاً مع هذا المد من الصفاقة السياسية والعوز الفكري والخواء العروبي المضجر من كل معنى أو دور، رغم بعض الكلمات التي حاولت أن تقدم مقاربة لم يكن لرجع الصدى فيها ما يضيف بعد أن كانت جدران القاعات والشاشات تردد التراشق في المفردات والكلمات على الرتم ذاته.
الفارق يستمد حضوره من غياب الأفق الواضح لمعطيات خرائط التحالفات التي تعمل عليها أميركا مع الأعراب المشاركة في القمة، وهي متخوفة وربما لا تزال متوجسة من خطورة ما تقدم عليه، وتخشى من تداعيات الفشل المحكم في الميدان السوري، والذي يصعب تجاوزه او تجاهله ما ينتج عنه من تأكيد للخيبة المنتظرة أيضا على طاولة جنيف ذاتها، حيث ما عجزوا عنه بالإرهاب لن ينالوه عبر الطاولة السياسية، وما فشلوا به في مشاريعهم السابقة والاستخدام الأحادي أو المتعدد المستويات للإرهاب لم يتمكنوا من تعويضه في الشكل أو الصيغة التي يتداولون بها، خصوصا أن التسريبات من الكواليس تشي بأن الخلاف ليس بالإمكان محاصرته كما يتمنون أو كما وعدتهم إدارة ترامب عبر تغيير في الشكل أو المضمون على حد سواء.
قمة الأعراب لا تكتفي بتقزيم الكثير مما هو متاح، وإنما تتعمد أن تظهر الوجه الأكثر دلالة على تواضع مقدراتها رغم ما تبديه من مظاهر خادعة تميل في أغلبها إلى تقمص حالة الاستعراض المرضي، حيث ما تخفيه خلف المشاهد الخادعة من ضعف لم يعد مستتراً وأن الفشل الذي تواجهه لم يكن فقط في حسابات خاطئة ومعادلات مقلوبة، بل أيضاً في سياق سوء تقديرها لنقاط ضعفها التي نقلتها من قاع عجز إلى حضيض الوضاعة التي نشهد بعض جزئياتها أو عناوينها في قمة البحر الميت.
والأهم أن تلك الأعراب ومن معها لم تفهم معنى الإرادة والثبات في محور المقاومة، ولم تتعلم من تجارب سنوات التحدي والمواجهة، ولم تقدر على الأرجح أن تستوعب مدى نقاط القوة التي تمتلكها دول المقاومة وقواها، فكيف لفاقد الشيء أن يدركه..؟! وهي نقطة مقتل الأعراب في قمتهم وخارج قمتهم.. تحت سطح البحر وفوقه.. في نومهم.. كما في غفلتهم.
|
ليست هناك تعليقات