أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« العنف كما لو انه دين جديد »... بقلم : عناية جابر




 « العنف كما لو انه دين جديد »
   بقلم :عناية جابر 
   17/3/2017


« مجلة منبر الفكر » عناية جابر     17/3/2017

صور العنف المنتشرة في ساحات العالم العربي، في قراه ومدنه، كما تعكسها وسائل الاعلام العربية هذه الايام تكاد لا تثير لدى المتلقي العربي اكثر من تعليق عابر او نظرة مشمئزة لكنها ساهية.


وكأن العنف المجتمعي شيئ منا لا يثير الغرابة والاستنكار او كأنه قدر استبطنا اشكاله ووقائعه منذ زمن طويل. لا بل نكاد نعتبره حاجة احيانا لكي نستطيع ان نخلد الى نوم طبيعي وهادىء. ومن فرط تعودنا عليه صرنا نعرف ميكانيزمات حدوثه وطريقة اشتغالها وتوقع مكانه زمانه وايقاع تردداته وطقوسه كما لو كان الفصل الخامس من فصول سنتنا العربية.

 ترى المواطن العادي يتناول مجزرة تودي بحياة المئات من البشر كما لو كانت خطوة اجبارية في حركة رقص محكمة البناء او كأنها حلقة طبيعية في سياق تتطور فيه الامور على نحو شبه حتمي. المجزرة التي تحدث في حي مجاور، شارع قريب، مدينة اخرى لا تهزنا، المجزرة التي تحدث في حيّنا لاتهزنا أيضاً ما لم نكن وقودها، نتابع حياتنا الطبيعية كما لو كان الامر يحدث في سينما الحي. اي عربي يعيش في المهجر هذه الايام ويقع نظره على نشرة اخبار عربية يصدمه مشهد مذبحة جماعية شمولية غطت وتغطي عددا لا بأس به من بلادنا الجميلة تختطف حياة مئات الالاف من السكان ومثلهم من الجرحى والمعوقين بدون ان يترك ذلك اية ردة فعل خارقة للعادة في وقت تستقيل فيه حكومة بامها وابيها في الغرب اذا ما هطل المطر بغزارة ودخلت المياه الى بعض المنازل او اذا ما تدحرجت حافلة ركاب في حادث سير تسبب بوقوع عدد من الجرحى

 كلنا يعرف بالطبع اشكالا من العنف السياسي عرفته الكثير من الشعوب ويقع الناس العاديين بالصدفة. الهدف في هذا الاطار بالذات هو نقل البلاد من حال الى حال اما ان يصير الهدف تطهير الشعوب نفسها من نفسها فتحول محاولات التغيير السياسي وقلب انظمة الحكم المستبدة الى هدف ثانوي لا قيمة فعلية له. العنف المجتمعي والجمعي يقرب اكثر ما يقرب من عملية تأديب جماعية منها الى عملية الانتفاض على واقع الظلم واللامساواة. عنف للعنف لا يؤسس لاي عقد اجنماعي جديد ان لم يكن لعنف آت كردة فعل على عنف سابق. عنف سلبي غير ثوري لا يساهم في تحويل المجتمع ولا يثير شهية الناس الى التغيير والى التجمع والتوحد والانصهار والتماهي مع اهداف الانتفاض بل الى التنابذ والتفتت والابتعاد والتشظي.

 كمية من العنف العقابي الجمعي الذي لا يساهم في صياغة اي متحد اجتماعي ولا في رسم معالم وطن موحد ولا في نحت هيولة دولة برسم النهوض. عنف يحتقر الفرد كجوهر ولا يعقله الا كخروف في قطيع، كجذع من سلالة او كفخذ من قرابة فكيف يمكنه انتاج مواطن فرد وهو شرط من شروط انبثاق الدولة الحقيقية وتبلورها. يحاول المرء ان يقنع نفسه بان الثورات عادة غير نظيفة وغير نقية وبان العنف والدم ثمن لا بد من ان تدفعه الشعوب ، وان وهم السلمية ليس الا لغة الضعفاء والمنهزمين وان العنف الثوري ضرورة لانه لا يعدو ان يكون ردة فعل على سلطة عنيفة وبطاشة، يحاول المرء ان يقنع نفسه بان النقاء لغة طوباوية لا مكان لها بين سكان الارض فعليا وبان كل ولادة مجبولة حكما بالدم وبوسخ الرحم. كل ذلك يثير الشك،

واتساءل اذا لم يكن للعنف اصناف متعددة. صنف خير يصهر المجتمع ويبلور مشروع الدولة الوطنية الواحدة وصنف تدميري سلبي يفتت المجتمع ولا يعد الا باشباه دول متعددة بتعدد الجماعات المكونة لها. هل من الضروري ان اذكر نفسي بالصومال ام بالسودان باليمن ام بالعراق بالبحرين بليبيا ام بلبناني؟ افضل ان اعفيكم واعفي نفسي من مثل هذا النوع من التعذيب والعنف

 اقرأ المزيد لـ عناية جابر




   عناية جابر
 شاعرة و كاتبة لبنانية عملت في مجال الصحافة. كتبت في السفير اللبنانية والقدس العربي اللندنية كما لديها العديد من الكتب الشعرية.

   


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 

ليست هناك تعليقات