أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« جدراني أولى » ... قصة بقلم : محمد عزوز



 « جدراني أوْلى »
    بقلم : محمد عزوز
   30/4/2017


«  مجلة منبر الفكر » محمد عزوز   30/4/2017


نزفتُ قصيدتي دماً قانئاً ، بكيتُ وأنا أنحتُ حروفَها ، غصصتُ وأنا أعيدُ قراءتها بصوت عالٍ كي أشركَ كلَّ حواسي في ولادتها ..
بدلتُ كلمات .. أعدتُ تشكيلَ جملٍ وقوافٍ .. هذه أفضل .. وقعها أجمل ، وتلك تناسب الحدثَ أكثر .. لا .. لا .. التساؤلُ هنا غيرُ مناسب ، يجب أن نقرَّ بالواقعة ، الإقرارُ أثبتُ وأقوى ..
تعددتْ نسخُ القصيدة بين يدي ، حتى صرتُ لا أعرف أيها الأحدث ، وصار أولادي يركضون إلي في البيت :
- بابا .. لقد نسيت القصيدة هنا .. هناك .. على الطاولة .. رميتَها خطأً في سلة المهملات ..
- هذه ..؟ لا .. لقد حدثتُها ..
- لكنها مطبوعة ..
- أعرف .. نطبع غيرها ..
استدعيت إلى منزلي أساتذةً ومختصين .. تجولوا في مداميكها .. اتفقوا في بعض آرائهم واختلفوا في بعضها الآخر .. عملت بالآراء التي أحسست بتناسقها وملاءمتها للحدث والمهرجان الذي كتبت من أجله القصيدة ..
وكان علي أن أعلن نهايتَها قبل ساعات من بدء المهرجان ، طبعتُ نسخة معتنى بها ، وضعتها في مكان قريب جداً من القلب ، قلت ربما تقوى بنبضي ويقوى النبضُ بها ..
ثم نادوا على اسمي ..صعدتُ المنبر .. أردت أن أجسدَ أوجَ انفعالاتي بالحدث الذي احتشدنا من أجله ، حاولت أن أرفع صوتي قليلاً ، أن أثور ، ألا أبتسم ، أن أعيد بعضَ المقاطع وأركزَ على الهام منها ..
لم أكن أرى كاميرات التصوير ، بل كنت أحس بومض أضوائها فقط وهي تلمع من هذا الطرف أو ذاك ، سمعت تصفيقهَم .. صفقوا بقوة لم أعتدها في مثل هذه المناسبات ..
وجاء بعدي آخرون ، صفقوا لهم أيضاً .. لم أسمع تصفيقاً أقوى .. ولم أسمع أيَّ تعليق على القصائد الملقاة ممن كانوا حولي ..
وانتهى المهرجان .. وتجمع الحضور في جماعات .. ولم يكن أيُّ واحدٍ فيهم يبدي رأياً ما في قصائد المهرجان .. عادوا إلى مرحهم .. إلى نكاتهم وثرثراتهم .. إلى التشدق بمشاريعهم المنجزة والتخطيط لمشاريعَ يريدون إنجازها .. ومشوا في دروب عودتهم جماعاتٍ يكتم ضجيجُ الشارع ثرثراتها ..
وفي الغرفة / الورشة التي أزهرتْ فيها قصيدتي ثم نضجتْ ، جلستُ أنتظر .. أنتظر سماعة هاتف يرن أو أيَّ صوت قادم عبرها يقول :
- بوركت جهودُك .. كنت رائعاً أو جميلاً أو مقنعاً أو حتى سيئاً .. 
صمت هاتفي ، وصمت معه أهلُ بيتي الذين رافقوني في رحلة الإنجاز والإلقاء .. قلت لنفسي :
- هل كنتُ خائباً ..؟ لماذا يصمتون بهذا الشكل ..؟
ابنتي قالت مجاملة : كنتَ جيداً .. وزوجتي حاولت أن تعيد بعضَ توازني المفقود : كنتَ أفضلَهم .. ونسي الجميع حتى المناسبة التي أقيم من أجلها مهرجاننا هذا ..
حصلت على شريط تسجيل المهرجان ، اقتطعت منه قصيدتي ، سمعتها مراراً وأسمعتها لبعض الأصدقاء الذين لم تتح لهم فرصةُ الحضور ، ثم سألتُ بعضَ من تواجد أولم يتواجد قال الأول بعد أن هز رأسه قليلاً وهرش قذالَه :
- لديك إقواء في القصيدة .. الإقواء مكروه .. 
ثم استطرد :
- النابغة الذبياني كان مشهوراً بإقواءاته .. لكنه كان يقنعنا بها .. إنه النابغة ..
الثاني قال :
- كنت مبالغاً في جديتك .. لماذا لم تبتسم قليلاً ..؟
الثالث استغرب كيف لم أحرك يدي خلال إلقاء القصيدة .. وأكد :
- كنتَ واقفاً كحجر .. شفتاك فقط هما اللتان كانتا تتحركان .. عيناك أيضاً كانتا تتحركان في نطاق ضيق ومحدود جداً ..
وعقب الرابع :
- أنا لم أكن أراك جيداً .. الإضاءة كانت سيئة .. ثم إن توضعَ المقاعد لم يكن يسمح برؤيتك بشكل جيد .. 
الخامس : كيف لم يحضروا لك كأسَ الماء قبل أن تبدأ .. لقد أحضرها أحدُهم وأنت في أوج حماسك .. فتحولت الأنظار إليه .. أنا مثلاً فاتني جزءٌ من القصيدة بسببه ..
السادس : لقد اقترب منك المصورون كثيراً .. هذا لا يجوز ..
السابع .. الثامن .. التاسع ..

أغلقت أبوابي ، عدت إلى قصيدتي ، قرأتها بصوت خنقته العبرات من جديد ، تلبسني الموقف كاملاً .. عشت معه كل التفاصيل .. وعندما انتهيت .. اقتربت من جدران غرفتي ، قبلتها واحداً واحداً ، سمعتها تهلل وتصفق لي .. 
تنبسط أساريرُ وجهي وأعلنُ أنني سأكتبُ قصائدي المقبلة من أجلها ، من أجلها فقط .



لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 

ليست هناك تعليقات