أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« دكتاتورية المال المنهوب والتعالي المزيف للنخب » ... بقلم : عز الدين مبارك



 « دكتاتورية المال المنهوب والتعالي المزيف للنخب »
    بقلم : عزالدين مبارك                               
   26/4/2017


«  مجلة منبر الفكر » عزالدين مبارك  تونس 26/4/2017
 

كلنا نولد فقراء وجهلة ونسعى في الأرض ارتزاقا وكدحا وبحثا عن العلم والمعرفة والقليل منا رأى نور الحياة وبفمه ملعقة من الذهب وعند كبره لم يبحث عن مصدر ثروة أجداده التي آلت إليه بالوراثه ولم يتعب عليها

فأغلبية الشعب التونسي من الكادحين الساعين لقوت يومهم ويعملون ويجدون في البحث عن الخروج من نفق الفقر والخصاصة والحرمان والقليل منهم كان محظوظا

فالعائلات التي كانت تدور في فلك البايات وأتباعهم والسلطة الاستعمارية الفرنسية فيما بعد قبل أن يأتي حكم بورقيبة على أنقاض الفترة الحسينية ووريثه بن علي.

فالارتباط بدائرة الحكم وخدمته وطاعته شبه العمياء كان السبيل الوحيد تقريبا لبلوغ أعلى المراتب التي تخول لصاحبها السلطة والجاه والنفوذ والاستغلال، فيتمكن في ظرف وجيز من الاستحواذ على الأراضي والعقارات والأموال بدون مراقبة ومحاسبة لأن نظام الحكم كان فرديا دكتاتوريا لا يعترف بالمواطنة والشفافية والمصلحة العامة.

وهكذا أصبحت بين يدي هؤلاء الثروات الطائلة التي مكنتهم من التحكم لاحقا في دواليب الدولة ولعب دور الشريك في الحكم مقابل السكوت عن التجاوزات فاستشرى نتيجة لذلك الفساد والمحسوبية.
فالدكتاتورية المالية نتجت عن بروز طبقة متنفذة منذ عهد البايات ولم تكن نتيجة عمل وكدح ونظام اقتصادي مثمر بل هي تراكم للفساد وخليط من الإقطاع والنفوذ المرتبط بالسلطة القاهرة والجشع والخواء الفكري والمعرفي.

وهذه الطبقة ارتمت في أحضان الاستعمار حفاظا على مكانتها وفرشت له الأرض ورودا وسهلت له التحكم في السكان وترويضهم لخدمته مقابل عمولات وعطايا وامتيازات.

وبهذه الصفة تكونت طبقة شبه إقطاعية تملك الثروة والجاه والنفوذ والدراية بدهاليز السياسة كانت متحفزة لانقضاض على السلطة عندما نفضت الدولة الاستعمارية يدها من الارتباط شبه المستحيل بمستعمراتها كنتيجة من نتائج تداعيات الحرب العالمية الثانية بالأساس وليس كما يدعي البعض تفاخرا انتصارا لثورة الجياع والمتمردين و''الفلاقة''''

وتحالف بورقيبة بعد أن صفى خصومه واحدا واحدا بأعيان تونس ورثة الباي المنكود الحظ في ثروته وسلطانه وأدخلهم في حكوماته المتعاقبة وقربهم إليه ومنحهم الامتيازات فأصبحوا نتيجة لذلك القوة الضاربة في البلاد وبيدهم الحل والربط في عالم تتحكم فيه دكتاتورية المال.
وهذه الدكتاتورية الغير مضبوطة بعرف أو قانون أو بأخلاق ومبادئ ولا تعترف بالحدود في ظل دولة أغلب سكانها بسطاء وكادحون، تؤدي إلى التهلكة وبئس المصير.

والدليل على ذلك أن تغول هذه الطبقات في ظل انفتاح اقتصادي متهور وغياب المحاسبة والشفافية وفي زمن يصعب فيه التعتيم والسكوت عن المظالم والقهر والتجاوزات اندلعت شرارة الثورة لتغيير هذا الواقع المقيت.
فدكتاتورية المال والجشع المبالغ فيه نحو تكديس الثورة للتمكن من النفوذ والسيطرة على المجتمع والتبجح بالفساد خلق صراعا طبقيا بين القلة الطفيلية والكثرة الكادحة من ناحية أولى وفي نفس الوقت صراعا في قلب الطبقات الحاكمة والمتمكنة من الثروة من ناحية أخرى وهذا ما عجل بالثورة وهروب بن علي.
فلأول مرة اتحدت إرادة الطبقة المتنفذة بإرادة الشباب الثائر والذي أشعل الفتيل القاتل للنظام دون وعي من أنه بالأساس يعمل لمصلحة طبقة حاكمة في الظل وبيدها الثروة وخيوط اللعبة.

فالغباء السياسي للمحيطين ببن علي وركود ديناميكيتهم الفكرية إلى حد الجمود والتقوقع والطاعة العمياء لدكتاتورية تفتتت مع مرور الزمن لتصل إلى أتباع شبه غائبين عن الوعي تحكمهم غريزة '' بافلوفية'' نحو المال والفساد، جعل صيرورة التغيير شبه حتمية ومتأكدة.

والتغيير بعد كل ما حصل لا يمكن أن يكون بيد الطبقات الانتهازية واللاهثة نحو الكراسي والنخب المتعالية عن المجتمع والمرتمية في أحضان السلطة بدون نقد ومحاسبة.

ففي عهد بن علي، لهثت بعض الرموز التي تدعي أنها من النخبة نحو مكان قريب من السلطة وأصبحت تلوك شعاراتها وتدافع عنها باستماتة وتغطي على عيوبها وتزكي قراراتها وهكذا أدامت سلطانه وقهره وفساده.
فالنخب الانتهازية والتي أعماها الجاه وبريق السلطة شاركت في تزييف الواقع وقلب المعطيات بوعي تام ودراية بما يحاك ضد المجتمع والوطن ولا يمكن أن تدعي أن بن علي غالطها ولعب بها.

وهذه النخب تعود تدريجيا للساحة بتكوين الأحزاب والجمعيات لتلعب دورا على مقاسها دون أن تعترف بأخطائها وتتم محاسبتها ولو معنويا لا يمكن أن نثق فيها وقد كانت بوق دعاية وتزييف في يد الدكتاتورية منذ زمن قريب وقد غيرت الآن من لبوسها ومزقت جلباب العار.

إذا، دكتاتورية المال الموروثة عن حقب زمنية متعاقبة وقديمة تتمكن في كل مرة من السطو على السلطة بعيدا عن الإرادة الشعبية والاستحقاقات الوطنية وتتلاعب بالنخب التي يسكنها الطمع والجشع والنزوع نحو التعالي المزيف عن المجتمع فلا يمكن الحديث عن عبور إلى عالم جديد ورؤى حداثية تقفز بنا نحو الرقي والمواطنة والديمقراطية في ظلها وتحت سقفها

فالعيش بين قوسي الدكتاتوريات المالية والسلطوية وتعالي النخب التي تدعي المعرفة لا تنفع معها آليات الانتخابات التي يمكن تطويعها وتزييفها عن طريق المال السائل والمناصب والحوافز وبيع الأوهام والأحلام الوردية.

ولا بد إذا من فرض الضمانات الضرورية بالدستور الجديد والتي تتماشى مع الإرادة الشعبية وتقطع الطريق على الصائدين في الماء العكر وتجعل الرجوع إلى العصر الدكتاتوري البغيض أمرا مستحيلا.


*عز الدين مبارك كاتب ومحلل سياسي 

 اقرأالمزيد لـ عزالدين مبارك


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 

ليست هناك تعليقات