(من كتاب "ترنيمةٌ للقديم")
****
(1)
أنا لحبيبي، وحبيبي لي.
حبيبِي قمَرٌ رقيقٌ على لَيْلِ العُيون.
حبيبي لُجَيْنٌ في جُرْنِ نافورةٍ شاميّةٍ أتعبَها الصّعودُ إلى السّقوط.
فلا تُثيروا الماءَ، ولا تُحرّكوا الهواءَ، كي لا يتجعّدَ الضّوءُ ولا يتجهّمَ وجهُ حبيبي الّذي أَحبَبْت.
حبيبي راعٍ سومريٌّ أسمرُ، لوَّحَهُ التُّراب.
حبيبي عصفورٌ حجريٌّ على نافذتي السِّرّيَّة.
حبيبي غزالٌ يسرَحُ في التّلالِ وينامُ عندَ مَفَارقي.
حبيبي سفَرٌ طويلٌ على دربِ النِّيلِ ينتظرُ الإِياب.
حبيبي وَتَرٌ رابعٌ على ربابَتي.
حبيبي ذيلُ قُبَّرةٍ مذعورةٍ يومَ الحصاد.
حبيبي فارِسٌ أخضَرُ، يُغرِّدُهُ العندليبُ صباحًا ويُرجِؤُهُ الغِياب.
رأسُهُ حِصْنٌ
عَتيقْ. جدائلُهُ
غابةٌ مطَريّةٌ. يدَاهُ
نخلتانِ من نَجْدٍ. فَمُهُ
عَسَلٌ من فمي. هَمْسُهُ
مطرٌ خفيفٌ على شَجَرِ البُنِّ. سُرَّتُهُ
كأسُ الرَّحيقْ.
فبالله عليكُنَّ، يا بناتِ المدُنِ القديمةِ وصبايا الزُّجاجِ الدَّاكِنِ والأحذيةِ الشَّاهِقَةِ، لا توقِظَنْ حبيبي حتَّى يَشاء.
(2)
عندَ الأَسوارِ المبنيَّةِ من حِجارةِ الخَوْفِ وعَرَقِ العَبيدِ، قريبًا من النَّافذةِ التي يُكحِّلُ فيها السُّهادُ مُقَلَ العاشقاتِ والأرامل، قالَ لنا حُكماءُ المدينةِ، إنّهُ في اليومِ الثَّامِن، في الشَّهرِ الثالث عشرَ، في السَّنةِ الّتي قفزَ الوقتُ عنها من غيرِ انتباهٍ، تنغلِقُ الدَّفَّاتُ الثَّقيلةُ على أبوابِ كتابِ الأيّام.
وقالوا: تنعقدُ الغُيومُ الكربونيّةُ على السَّماواتِ السَّبْع.
وقالوا: سوفَ تُلقَى الشَّهواتُ العتيقةُ على قارعةِ الدُّروبِ والتَّأويلِ، فيكتُبُ الكتَبةُ ما يشاءون بريشتِهم المُقوَّسَةِ ويقرأونَ في الزَّحامِ سيرةَ الرُّهابِ والانفِصام.
وقال لنا الحُكماءُ، عندَ الأسوارِ: سوفَ تُنْسَى الأرضُ في زاويةِ الكَوْنِ، وحيدةً، معزولةً، جائعةً، خارجَ دربِ الحليبِ والحروبِ الصّغيرةِ والتّجاراتِ الكبيرةِ والهُتافاتِ والإشاعات.
وحبيبي حَمَاماتٌ تحطُّ على وجنتيَّ الحِنْطيَّتَيْنِ.
فلا تُجفِلوهُ، لكي يطيرَ متى يشاء.
وحبيبتي نائمةٌ، نَوْمَةً بيضاءَ، تحتَ حَريرِ نَهْدَيْها.
فباللهِ عليكم، لا توقظوها حتّى تشاء.
(3)
وقالَ لنا الحُكَماءُ، عندَ البَوَّاباتِ المفتوحةِ للنَّهاراتِ القديمةِ واللِّيزر: تنفتِحُ في اليَوْمِ الثَّامنِ الأَدراكُ السّبعَةُ على فنْدُقٍ طينيٍّ من سبعةِ نُجومٍ، أمامَ حديقةٍ من العُشْبِ البتروليِّ، خلفَ شارعٍ مُعبَّدٍ بالوَحْلِ السُّداسيِّ، تختالُ فيهِ سبعُ شقاواتٍ شقراواتٍ وعشرُ لعَناتٍ من الصِّنْفِ الرَّفيعِ.
وقالَ الحُكماءُ: يحطُّ على الشَّبابيكِ سِرْبٌ من السَّاحراتِ المُحلِّقاتِ على مكانِسهِنَّ. وقالوا: على مكانسهِنَّ المجدولةِ بالشَّعرِ الفولاذيِّ المُشعَّثِ والصُّراخِ المُشعَّبِ من مُكبِّراتِ الصَّوْت.
وقال لنا الحُكماءُ، عندَ البوَّاباتِ الُموصَدَةِ في وَجْهِ اللّيلِ العتيقِ والحُفاةِ: يسقطُ في اليومِ الثّامنِ وقتَ الغروبِ سبعونَ لَوْنًا مِنَ الضَّفادعِ. وقالوا لنا: مِنَ الضَّفادعِ القافزةِ إلى ثُغورِ العذارى. وقالَ الحُكماءُ: العذارى المُلثَّماتِ بالحَنّاءِ والخَفَرِ وحُمْرةِ الخُدودِ و"ميري الدّمويَّة"*.
وقال الحُكماءُ: تصطفُّ سيوفٌ غيرُ مرئيّةٍ وصفوفٌ من أنيابِ الجَرادِ اللَّاحمِ وأشجارٌ عاريةٌ باسقَةٌ. وقالوا: أشجارٌ عاريةٌ باسقةٌ ترتوي من عويلِ الأمّهاتِ على أبكارهِنَّ. وقالوا: يصطفُّ سبعةٌ وسبعونَ فَيْلقًا مِن الشّياطِين ويلعبونَ النّردَ والورقَ في الأسواقِ والشّطرنجَ على فِراشِ الشَّاهِ الوَثير.
وقالَ لنا الحُكماءُ، في الصَّيْفِ الباهظِ الأخير: سوفَ يتأفَّفُ في منتصَفِ اللّيلِ قربَ قَصْرِ المُؤتمراتِ، مُوظَّفُ استقبالٍ مصابٌ بالملَلِ والنُّعاسِ والفُقاعاتِ والإدمانِ على لوحاتِ "داوْ جونْزْ"**، وسوفَ يسألُك: "من أين أنت؟".
ثمَّ يغفو على زندِهِ المطَّاطيِّ ويطلبُ مِنك جوازَ المَقَرِّ.
وحبيبتي نائمةٌ تحتَ جُفونِها.
فبالله عليكم، يا أبناءَ جيلي، أنْ تتركوا الجُلَّنارَ على رُمَّانِ حبيبتي، وماءَ الينابيع لجداولِ شَعرِها، وماءَ الجداولِ للنَّهرِ، وماءَ النَّهْرِ للبحرِ، وماءَ البَحرِ للشِّتاءِ، وماءَ الوجوهِ للفقراء.
باللّهُ عليكم، لا توقظوا حبيبتي حتى تَشاء.
(4)
وقال لنا حكماءُ المدينةِ، من خلفِ سهولِ القُطنِ الخارجةِ من وجوهِهم: يُغلَقُ في اليوم الثَّامنِ، في الشَّهرِ الثّالثِ عشرَ، الإصحاحُ السّابعُ على الآيَةِ الأخيرة. وقالوا: سيُغلقُ الفصلُ السّابعُ على الإصحاحِ الأخير.
وقالوا لنا، من خلفِ سهولِ القُطنِ المزروعةِ في دِلتا مصرَ ووجوهِهم، من تحتِ البيارقِ والبنادقِ والخنادقِ والخَوارقِ: سيُقفَلُ الكِتابُ الأخيرُ على الفَصْل السَّابعِ، ويُشَمَّعُ البابُ المُطرَّزُ بالعَبَثِ على الرُّواقِ الأخير.
وقالَ الحُكماءُ المزروعون في حقولِ وجوهِهم: سيُخْتَمُ اليومُ السَّابعُ ويمضي إلى صفحةِ النِّسيان.
وحبيبتي حُزمةُ مُرٍّ وباقةُ أنفاسٍ وعنقودُ نبيذٍ وزهرةُ بَيْلَسان.
فلا تقطِفوها قبلَ نهوضِها.
ولا توقِظوها حتّى تَشاء.
وحبيبي الأسمرُ نائمٌ على سريرٍ من المياهِ الجوفيّةِ وكَرْمِ صنوْبَرٍ والهياكلِ الحَجَريَّة.
فبالله عليكُمْ، خفِّفوا قيظَ الشّمسِ قليلًا وأَطفِئوا غضَبَ الرَّعدِ، كي ينامَ حبيبي على تِلالي،
ولا يفيقَ حتّى يشاء.
____________________________________
*"ميري الدمويَّة" هو مشروبٌ حكوليٌّ معروف، ولاسمه أكثرُ من حكاية، منها ما يتعلَّقُ بإحدى ملكات إنجلترا اشتُهرت، على ذمَّةِ المؤرّخين، بمجازر دمويَّةٍ ضدَّ أتباعِ مذهبٍ دينيٍّ مسيحيٍّ.
**مؤشِّر "داوْ جونزْ" المشهور في البورصة العالمية.
ليست هناك تعليقات