أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« أسلحة الإدارة الخفية » ... بقلم : عزالدين مبارك



 « أسلحة الإدارة الخفية »
    بقلم : عزالدين مبارك                               
   19/4/2017


«  مجلة منبر الفكر » عزالدين مبارك     19/4/2017
 

تمثل الإدارة الجيش الناعم للدولة وأسلحتها مخفية بين أكوام الملفات القابعة على الرفوف وفوق المكاتب وفي الدهاليز المظلمة بمصالح الأرشيف وهي كذلك ساكنة في رؤوس أقلام الرصاص المتحفزة لتحبير القرارات بشتى أنواعها وقد تصيب البعض بحلاوة الترقيات وقد تعجل للبعض الآخر بضربة قاصمة تحيله على الجحيم وبئس المصير.

وقد تمتعت الإدارة على مر السنين وحسب العرف السائد بأسلحة فتاكة يصعب على البسطاء مجاراتها في أحكامها السلطانية وهي المحصنة بما يعرف بالسلطة التقديرية الواسعة بحيث لا مجال للتغلب عليها في هذا الباب عند التظلم أو الشكاية للمحكمة الإدارية من طرف الموظفين بالخصوص فهي الخصم والحكم في الكثير من الاحيان وخاصة على المستوى التأديبي والطرد التعسفي والتكليف بالخطط الوظيفية والنقل والترقيات.
وهذه السلطة التقديرية الخاضعة في غالب الأحيان للمزاج والمحسوبية والتدخلات الفوقية والتحتية لا رقيب عليها ولا تثريب من طرف سلطة الاشراف والمحكمة الإدارية إلا فيما ندر من الحالات حتى وصل الأمر في دولة تحتكم للقانون أن رفضت الإدارة تنفيذ حكم القضاء الإداري الناجز.

ونظرا لاستفحال هذه الظاهرة التي تخل بمبدأ العدالة النافذة وتطبيقها على الجميع حاكما ومحكوما بنفس الطريقة والدرجة فقد بات من الضروري تحديد هذه السلطة التقديرية حتى يتمكن القضاء الإداري من بسط سلطته وتنفيذ أحكامه النهائية والباتة بدون عراقيل ويعاقب كل مسؤول لم يمتثل لذلك عن طيب خاطر. فقد يختلط الأمر في ذهن المسؤول الكبير أن يفعل ما يشاء بالمرفق العمومي مستندا على ما يعتبره حقا مطلقا وإباحة كاملة بالنظر لما يعتبره سلطة تقديرية حتى يغتر بنفسه ولا يطبق الأحكام الإدارية.

فهناك بالتأكيد خيط رفيع بين الاجتهاد الشخصي لمعالجة الأمور التسييرية بالمؤسسة وأخطاء التصرف وتجاوز السلطة لكن الغموض الذي يشوب عملية أخذ القرارات الغير محددة بضوابط قانونية واضحة لا تمكن المسؤول من أخذ الحيطة والتثبت ولا تساعد المتظلم من الوقوف على حقوقه ولا تعطي للمحكمة الإدارية الأسانيد القانونية والواقعية للبت في القضايا بيسر وسهولة.

وقد أثبتت التجارب أن الفساد الإداري يدخل أساسا من باب السلطة التقديرية الممنوحة للمسؤولين بحيث هناك تداخل بين ما هو موضوعي وبين ما هو شخصي ومثل ذلك التعيينات في المناصب والخطط الوظيفية فقد تكون العلاقات والمحسوبية والتدخلات هي المحدد عند عملية الاختيار وليس الكفاءة. وقد تخسر الإدارة الكثير من ناحية الفاعلية إذا تسلم مقاليدها أشخاص عديمو الكفاءة والخبرة ورصيدهم فقط العلاقات الشخصية والنفوذ المالي والأسري والتوصيات الحزبية.

ويعتبر في العرف الاقتصادي والمؤسساتي وحتى الحقوقي كل القرارات المبنية على المحاباة والمحسوبية دون تحقيق منفعة للإدارة والمؤسسة والحرفاء جريمة في حقها وتجاوزا للسلطة وسوء تصرف وهدر للمال العام.

وقد يأتي المسؤول بدون مشروع ولا دراية بالعمل الذي ينتظره فيبقى لأعوام عديدة يتعلم أساليب العمل والتعرف على المحيط والأشخاص فتفتح له خزائن الإدارة ومقدراتها وتحوم حوله جحافل الانتهازيين كالذباب بحثا عن السلطة والجاه والمنافع فتتعطل القرارات ومصالح الإدارة والمتعاملين معها في انتظار وافد جديد لعله يأتي بمفاتيح الجنة الموعودة.

والسلاح الرهيب في يد الإدارة هو بالتأكيد القهر بالتجميد في دهاليز الإدارة المتشعبة الخالية من الرحمة والشفقة والانسانية وضوء الشمس بحيث يرمى بالعديد من الكفاءات هناك في سجن مقنع بدون باب ولا مفاتيح ولا سجان في انتظار الخلاص إما بالمغادرة لمكان آخر أو للتقاعد عن العمل أو عند زيارة عزرائيل له.
فبمرور الزمن تتكون في كل إدارة عادات وتقاليد بالية وتظهر للعيان ملل ونحل تدور في فلك بعض الأشخاص المتنفذين يستحوذون على القرار الإداري بالحيلة والبلطجة وكل من لا يلتزم بعرفهم يصبح كالكلب الأجرب الملعون فيقاطعه حتى رفقائه في العمل ويصبح منبوذا ومهمشا وفاقدا لكل فاعلية وجدوى.

وهذه الفئة المسيطرة على القرار الإداري تصبح سيدة الإدارة بدون منازع فتوزع المناصب والخطط الوظيفية والترقيات كما تشاء وذلك حسب مصالحها ومصالح فئات أخرى تحميها من المحاسبة والمساءلة القانونية وتتبادل المنافع بين أعضائها دون حسيب أو رقيب وتعمل في الخفاء من أجل أجندات حزبية ضيقة ولا يهمها المصلحة العامة في شيء. وإذا ما بادر أحد الأعوان بكشف المستور وشاية أو عن طريق الإعلام فاعلم أن مصيره سوف يكون التجميد أو الطرد وذلك ليكون عبرة للآخرين حتى يلوذوا بصمت القبور.

وعند تسمية المسؤول الأول عن الإدارة والذي غالبا ما يجهل المحيط الجديد الذي سيعمل فيه لا يجد أمامه غير هؤلاء المتملقين والانتهازيين فيخضعوه لضغوطهم وإرادتهم فيوجهونه حيث يريدون وحيث تكون مصالحهم وإذا لم يساير أفكارهم حركوا في وجهه النقابات ونشروا الإشاعات والعراقيل حتى يرمي المنديل أو يقيل ويذهب في حال سبيله.

وهكذا تصبح الإدارة رهينة في يد مجموعات الضغط تعيش على ريع الأقدمية المهنية والمحسوبية فتكون بذلك حجر عثرة أمام كل نفس إصلاحي نزيه ومبعث تخلف إداري مقيت لا يترك مجالا للكفاءات الحقيقية حتى تساهم في تطور المؤسسة والرفع من مستواها العملي والتنظيمي والهيكلي.

وقد تكون الإدارة هي العائق الكبير أمام تطور البلاد في ظل الفساد المستشري بها في جميع المجالات بحيث تغيب الحوكمة والفعل الرشيد وتعمل حسب أنماط من التصرف البالية والجامدة عديمة الفاعلية وقليلة الجودة ينخرها سوس المجموعات الضاغطة ويعشش فيها صراع الأحزاب النافذة التي لا هم لها غير بسط سلطانها على الدولة من خلال تمكنها من دواليب الإدارة واستعمال أسلحتها الخفية عند الحاجة.


*عز الدين مبارك كاتب ومحلل سياسي 


 اقرأالمزيد لـ عزالدين مبارك


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 

ليست هناك تعليقات