من يترقب الاحداث في الشرق الاوسط سيؤمن تماماً بان هذه البقعة – البؤرة – هي اشد المناطق تناقضاً وتفككاً في العالم اغلبه ، فحتى المناطق التي تطل علينا بعض القنوات الفضائية من حين الى اخر وتظهرها على انها بدائية مستكشفة جديداً هي بنظر الكثيرين اكثر استقراراً ووضوحاً وتلاحماً وعدم تناقضاً من الشرق الاوسط، البؤرة التي اقلقت امن العالم وهدمت كل الممكنات التي يمكن للانسان ان يعيش من خلالها في آمان وسلام، فبثت سمومها للعالم اجمع من فكر ارهابي، الى عصبية قبلية ،او مصلحوية ،الى خيانة ، الى مذهبية طائفية،الى بيع كل شيء من اجل الحفاظ على الكراسي، والى غير ذلك من الامور التي يمكن لمخيلة اي انسان ان يتصورها ويصل اليها عبر بوابة الشرق الاوسط.
حين قلنا في مقالات سابقة عن ابناء هذه المنطقة "العروبة بالذات" انهم ينظرون فقط من النافذة التي تحقق همجيتهم المصلحوية القومية الظاهراتية الاعلامية، لم نقل ذلك من باب الصدفة، بل لقناعاتنا التي استمدناها من التاريخ اولاً ومن الواقع العياني ثانياً، فحين خرجت جموعهم المفككة قبلياً والموحودة اعلاميا على الكورد لعلاقاتهم المعلنة مع اسرائيل – التي مازلنا نفتخر بتلك العلاقات لكونهم اول دولة اعلنت بانها تؤيد كوردستان مستقلة – انبعثت روح العصبية القومية والقبلية عند الكثيرين منهم واجتمعوا على عراق موحد لايفرقه شيء،
وراحوا يصبون جام غضبهم وحقدهم وبغضهم على الكورد، بصورة عمياء واضحة، ولطالما رد الكورد عليهم اذهبوا وانزلوا علم اسرائيل من قلب عواصمكم اولاً، كالدوحة وعمان والقاهرة والمغرب وغيرها من الدول التي تتعامل بالسر مع اسرائيل، وحاولوا ان تتفقوا بينكم وان توحدوا سعكيم لاجل قضاياكم ثم بعدها اهتموا بقضايا الاخرين، لكن مع كل البراهين والصور والادلة كان الحقد الاعمى هو الاساس في تعاملهم مع الكورد والقضية الكوردية، ولم يفكروا ابداً بان الحقد لايأتي الا برد فعل معاكس قوي ، فاصبحت الامور على هذا المحمل، من يؤيد وجود كوردستان مستقلة اهلا به، ومن لايؤيد فليشرب من مياه البحر ، وبات الكورد مقتنعين بان عقول هولاء ارتوت من الرمال وطبع الرمال تجرفها الرياح كيفما اتت، حيث لامستقر لها ولاثبات، لذا كان الكورد ومازلوا مؤمنين بان كل عربي سلطوي يكره الاخر بقدر كرهه لهم ككورد، مع ايمان مطلق بانهم لايكرهون اسرائيل الا اعلامياً.
ولم يمهل الزمن الكثير حتى يبرهن على تلك الحقدوية الطاغية لهولاء على بني جلدتهم ايضاً، فها هي قطر التي جلبت على نفسها كل الحقد والكراهية والبغض الذي كان ابناء القبائل – الدول – في المنطقة قد صبتها على الكورد، وهي تفعل ذلك فقط من باب العصبية والحمية القبلية لااكثر ولااقل،
فليس في هذا الامر دواعي دينية لانه يمكن التفاهم معها على مسلمات ومحاولة جرها الى الوسطية في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والحفاظ على انتمائها القبلي ايضا، قطر التي تحولت من دولة عربية خليجية الى دولة ارهابية سواء من خلال الطعن في تصريحاتها المتعلقة بايران ومحاولة بناء علاقات متينة معها والمطالبة بمعاملة افضل لها في المنطقة،
او من خلال جعلها بؤرة الارهاب والداعم الاساسي والحقيقي للجماعات الارهابية، وهم بذلك يناقضون انفسهم، ففي حين يلبسون قطر رداء الارهاب وقطر هي بلد عربي " امة " عروبية "واحدة غير مفككة اعلاميا "، فانهم ينزعون ذلك عن ايران التي كانت حتى قبل احداث قطر العربية هي الداعمة بنظرهم للارهاب بل كانت هي الارهاب بعينه هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فانهم يستندون في خطاباتهم الموجهة ضد قطر العربية على تداعيات سبقية، تمخضت عن زيارة ترامب الاخيرة للمنطقة بحيث خلق تحالف قوي ضد السعي الايراني للتمدد في المنطقة، وحين ننظر الى الواقع فان اي ممر لايران الى عمق الخليج لايمكن تقبله من قِيَل الاطراف التي تبنت قرارات المنظومة المتمثلة بالنظام العالمي الذي يتسيده الويلات الامريكية المتحدة.
لهذا نجد بأن الامة المفككة جوهرياً والمتحدة اعلامياً خرجت من تحت عباءة الامة الواحدة، لتظهر معدنها الاصلي والذي لم يكن في يوم من الايام متحداً اصلاً فالتاريخ يشهد، بانه حتى في ايام الدول الاسلامية في عهد الرسول ومابعده كان التناحر والتنافر والمصالح والمحاولات الجاهدة للوصول الى السلطوية القبلية كانت موجودة ولم تزل تسري في عروقهم حتى وان اسسوا الف جامعة عربية وجلسوا الالاف المرات حول الطاولة، فان كل قرراتهم وكل مساعيهم هي فقط لتحقيق مصالحهم عبر تأكيد ما قم تم فرضه من قبل المنظومة العالمية، ولننظر الى ما حدث لقطر التي تحولت من دولة مساهمة في الحرب على الارهاب ، وحاضنة القاعدة الامريكية على اراضيها التي منها وجهت الضربات للعراق أبان حرب الكويت والتي في الوقت نفسه المحور الاساس في التعامل مع التهديدات الايرانية للمصالح الامريكية في المنطقة تحولت بلمح البصر الى دولة مساندة للارهاب ،
فاصبحت الدول العربية ذات الامة الواحدة تنظر اليها على انها تهديد لامنها القومي والوطني، وتحت شعار حماية لأمننا الوطني من مخاطر الارهاب والتطرف نقطع العلاقات مع قطر التي اصبحت بنظر هذه الدول العربية ذات الامة الواحدة تهديداً حقيقياً على وجودها السلطوي، ومن يقرأ التداعيات التي استندت عليها هذه الدول لفرض خطابها الحالي حول قطر سيجد بانها اجمالا تظهر مدى التفكك القومي اولاً والديني ثانياً الموجود بين هذه السلطات الساعية لتحقيق مصالحها فقط، فقطر بنظرهم تنتهك سراً وعلناً الشأن الداخلي السعودي من اجل بث روح الانشقاق فيها،
وتستخدم وسائل الاعلام لتأجيج الفتن داخلياً " بحق الاعلام القطري اعلام فتنة " ، ومن ضمن السياقات الاخرى الداعمة لذلك الخطاب الموجه ضد قطر ان الاخيرة تروج لادبيات ومخططات الجماعات الارهابية عبر وسائل اعلامها بشكل دائم " مثلا قناة الجزيرة داعشية " ، والنقطة الاهم والتي تعبر عن المكنون الحقيقي للخطاب العروبي الحالي الموجه ضد قطر وهي ان الاخيرة تدعم نشاطات الجماعات الارهابية المدعومة من ايران في محافظة القطيف السعودية وفي مملكة البحرين، فضلاً عن دعمها لميليشيا – حسب رأيهم – الحوثي الانقلابية حتى بعد اعلان تحالف دعم الشرعية في اليمن، ناهيك عن دعمها للعمليات الارهابية الموجهة ضد البحرين.
لنتوقف عن مفهوم الامة الواحدة، ومجلس التعاون الخليجي العربي وتلك المليارات التي صرفت على هذا المجلس على كافة الاصعدة، والذي اعلامياً ظهر ولم يزل يظهر على انه البناء الوحدوي العروبي للخليج والساعي لحماية ابناء الامة العربية من اي تجاوز غير عربي على المنطقة، ولااخفيكم سراً بان المجلس في الاصل كان مفككاً، لكن الاعلام القوي ذا السمة السلطوية اظهرته على انه كبير وقوي، ففي حرب الكويت ظهر قوة المجلس الذي كان ولم يزل عاجزا عن التعامل مع اي حدث عالمي بقرار ذاتي دون اللجوء الى الحضن الكبير للبيت الابيض ومن هناك يتم الاقرار، هذا التفكيك القبلي للمنطقة ليس بامر مستحدث وكما سبق وان نوهنا بانه متجذر حتى في قمة السطوة العروبية على المنطقة كلها،
فالتاريخ يشهد كيف تمردت القبائل على الاسلام منذ البداية وكيف انها سعت لخلق عالمها الخاص بعيدا عن ادبيات الاسلام وقتها، وتاريخياً تتصدر حروب الردة اية مطامح لانشاء كيان عربي موحد حين كان الاسلام في ذروته ايمانياً وروحياً، فتلك القبائل خرجت من عباءة السلطة لانها في الاصل كانت مؤمنة بان الاصل في الامر هو التفكيك وليس التجميع الاجباري القسري الذي كان يهدد بقطع الرؤس لمن لاينصاع وقتها،
هذه البنية التفكيكية لازمت المنطقة الى وقتنا الحالي، فالقبائل التي تحكم باسم الدولة هي نفسها التي كانت تتناحر مع بعضها الاخر من اجل تثبيت سلطانها على المنطقة، واعتقد بان ما يحدث لقطر ليس فقط من باب الامن الوطني والسعي لسد منافذ الارهاب، انما هو السعي لاقصاء اي تمدد قبلي اخر في المنطقة يمكنه ان ينافس القبيلة المتسيدة على المقدسات، وذلك عبر تحالفات خارجية مع دول غير منصاعة لمنظومة المقدسات اولاً وغير منصاعة للمنظومة الدولية وهذا الاهم.
ان حالة التفكيك التي تظهر بشكل جلي عبر مسميات ارهابية لجماعات اسلامية هي في صميمها ارهاب مقنن موقوت، لايمكن اعتبارها الهدف الاساس والحقيقي لهذه الوفضى التفكيكية الموجودة في الواقع العياني، لان الاخوانجية المصرية هي نفسها الموجودة في كل الدول الاخرى من الكويت وقطر وسلطنة عمان وحتى البحرين وتركيا وسوريا والعراق، ناهيك عن الوهابية الموجودة في السعودية هي نفسها الموجودة في تلك الدول بالاضافة الى العراق،
هذه الجماعات الاسلامية هي التي تتسيد الحالة السلطوية في المنطقة، فكيف بين عشية وضحاها تتحول اخوانجية قطر الى اخوانجية داعمة للارهاب لكونها على علاقات جيدة مع ايران والاخوانجيات الاخرى تبقى متحدة، انه لسؤال محير حتى حول مفهوم الامة لدى هذه الجماعات الاسلامية فلا احد يشك بان احدى المعتقدات الاخوانية كانت ولم تزل الاممية، فكيف لتلك الاممية ان تتهاوى بهذه الصورة لمجرد ان قطر اقتربت من ايران، الا اذا كانت الاممية تلك في الاصل مبنية على المصلحوية السلطوية باعتبارها هي الفيصل في الحكم على الاخر ومدى ولائه.
الصورة الاجمالية للحدث مترابطة من حيث الحبكة السلطوية لكنها في الاصل مبنية على اساس مفكك قبلي قديم، لايمكن ان يجمع بين اجزائه شيء، سواء أكان دين او مصلحة الا ظاهرياً، ومن اجل ذلك اصبحت قطر القاصية معرضة لتهديد الذئاب، ومن يعرف معنى الذئاب سيعرف بانها في اسلم حالاتها تقول لست من الذئاب لكن لااريد ان تفترسني الذئاب، تلك المقولة التي هي شبيهة بمقولة ميكافيلي الغاية تبرر الوسيلة، فالغاية واضحة وكبش الفداء الوسيلة الان هي قطر، واعتقد بانها البداية ..
والسؤال يا ترى من التالي ضمن المتغيرات التي تفرضها المنظمومة على الواقع العربي الوحدوي اعلاميا التفكيكي جوهرياً، وما هي التداعيات التي سيفرضها التدخل الايراني لحل المشكلة من جهة، والتدخل التركي لنفس المغزى والغاية، وما تأثير كل هذا على القضية الكوردية باعتبار ان كل من ايران وتركيا والعراق المفكك الحالي لهم مصلحة في وأد الكورد من جديد...؟.
|
ليست هناك تعليقات