فيما كنتُ أركضُ في الطَّريق على مُحيطِ ساعتي، أمسكَني من طرفِ ثوبي وأوقَفَني.
قالَ لي: هل رأيْتَ الرّيحَ تمرُّ من هُنا؟
قلتُ: لم أرَها، لكنّني أحسستُ بِها. كانَتْ تُبعثرُ غُرَّتي وأوراقَ دفاتري، تُمشّطُ للأشجار أغصانَها، وترجُمُ النّاسَ بالغُبار.
قال: وكيفَ لَمْ ترَها؟
قلتُ: نسيتُ عينيّ على رفوفِ الأماني. لكنّني شمَمْتُ أريجَها. كانت مُعطَّرةً بماءِ المطَرِ الأخير، تفتّشُ عن شمسٍ لتُجفِّفَ شَعرَها.
قال: وإلى أين كانَت وجهتُها.
قلتُ: لم تقُلْ لي، واختلطَتْ عليّ الجهات. لكنّها كانت في طَعمِ الحُبِّ المحروقِ بالنّار.
قال: وهل كانَت سعيدةً أمْ حزينةً؟
قلتُ: لستُ أدري، لكنّها أخذت معَها أوراقَ الخريفِ وعانَقَت بجناحِها حِجارةَ الدَّربِ. وكانَت تلفُّ ذراعَها على خصرِ تمثالٍ يسقطُ وجهُه على قدمَيْه.
قال: هكذا هي الرّيحُ؛ لا تُرى إلّا بما تُثيرُ في الأشياء.
قلتُ: وكيفَ أقبضُ عليها؟
قال: إنْ كنتَ تريدُها يا بنيَّ، فاذهبْ في الجِهةِ التي يطيرُ فيها ثوبُكَ وشالُ أُمِّك وقلبُ حبيبتِك.
وافترَقْنا.
هو أخذَ ألوانَ المواسمِ وتبخّرَ في الهواء.
أمّا أنا فعلّقتُ ثوبِيَ وروحِيَ على عامودٍ من الصَّدأ، وعدتُ إلى كومةٍ من التُّراب، باحثًا في ما وراء العُلومِ عن حاسّتي السّادسة.
|
أختر نظام التعليقات الذي تحبه
ليست هناك تعليقات