« هاجس التخلف عن سداد الديون يطارد فنزويلا »
تواجه فنزويلا الغارقة في أزمة اقتصادية خانقة، التي يتعين عليها الآن تسديد نحو مليار دولار و3.8 مليار بالإجمال قبل نهاية السنة، عودة هاجس التخلف عن الدفع.
ففي هذا البلد الذي يحوي احتياطات نفطية كبيرة، لكنه يعاني تراجع أسعار الخام، تتحمل وحدها مجموعة "بتروليوس دو فنزويلا إس. آي" المملوكة للدولة، عبء تسديد هذه الديون، بدءا من 985.1 مليون دولار يحل سدادها اليوم (إطفاء جزئي لسنداتها التي تستحق في 2020)، ثم 1.17 مليار الخميس المقبل.
وباستثناء الفوائد التي تستفيد من فترة سماح تستمر 30 يوما، يعني ذلك أن على المجموعة النفطية أن تدفع 842 مليونا على الأقل الآن، ثم 1.12 مليار في الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر).
وإذا ما أهدرت فنزويلا هذه الفرصة، فستقع تلقائيا في هوة التخلف عن الدفع، وقد قدرت وكالة بلومبيرج هذا الاحتمال بـ 79 في المائة في 2018، و99 في المائة في السنوات الخمس المقبلة.
وبحسب "الفرنسية"، فقد وضعت وكالة "إس. بي" لتصنيف التقييمات العالمية، سندات مجموعة "بتروليوس دو فنزويلا إس. آي" تحت المراقبة السلبية، معربة عن قلقها من العقوبات التي فرضتها في آب (أغسطس) الولايات المتحدة التي تمنع شراء سندات فنزويلية جديدة، ويقول المحللون إن ذلك أثر في موارد الحكومة.
وبالإجمال، يتعين على كراكاس أن تدفع بين الدين السيادي و"بتروليوس دو فنزويلا إس. آي" 1.63 مليار دولار في تشرين الأول (أكتوبر)، و242.5 مليونا في كانون الأول (ديسمبر)، بحسب مكتب "آريستيمونو هيريرا آند إسوسيادوس".
وبلغت احتياطات فنزويلا أدنى المستويات منذ 20 عاما، ووصلت إلى 10.9 مليار، وخلف هذه المخاوف من التخلف عن الدفع، هناك مشهد اقتصادي مدمر لبلد يعتمد بنسبة 96 في المائة على النفط للحصول على عملاته الصعبة، ولا تلوح في الأفق إمكانية تحسن ملموس للأسعار.
وفي السنوات الأربع الأخيرة، تراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 36 في المائة، وفقا لمكتب "إيكواناليتيكا" الذي يقدر العجز الخارجي لفنزويلا بـ 12 مليار دولار في 2018، وهي السنة التي سيبلغ فيها التضخم مستويات غير مسبوقة يقدرها صندوق النقد الدولي بـ 2349 في المائة، مسجلا بذلك أعلى مستوى بين دول العالم في تاريخ تقييمات الصندوق.
وأرجع صندوق النقد التوقعات نتيجة حالة عدم اليقين السياسي بسبب الأزمات التي تواجهها فنزويلا منذ عام 2014، وآخرها إجراء استفتاء على مجلس تشريعي واسع السلطة، يمتلك إمكانية تغيير الدستور، وسط حالة من الرفض الداخلي والخارجي.
وتوقع الصندوق أن النشاط الاقتصادي سيتأثر بسبب الأزمات السياسية، لينكمش إجمالي الناتج المحلي لفنزويلا بنسبة 6 في المائة خلال العام المقبل، عقب تقديرات بانخفاضه بمقدار 12 في المائة خلال العام الجاري.
وبحسب صندوق النقد فإن هناك إمكانية لزيادة البطالة في فنزويلا لنحو 30 في المائة خلال عام 2018، لتمثل الأعلى على الإطلاق بين الدول، حيث تليها جنوب إفريقيا بنسبة 28 في المائة، واليونان عند 21 في المائة.
يأتى هذا فيما تكافح الحكومة الاشتراكية للرئيس نيكولاس مادورو بكل الوسائل لتفادي الوصول إلى نقطة حرجة تجبرهم على الاعتذار عن سداد الديون المستحقة، من خلال الاستمرار في التضحية بالواردات، كما يؤكد عدد كبير من المحللين.
وقال سيزار أريستيمونو: "ستحاول كراكاس الدفع أيا تكن الظروف. الحكومة تدرك أن ثمن تخلفها عن الدفع أكبر بكثير من ثمن الدفع"، ومن المتوقع أن يؤدي دفع المبالغ المستحقة للدائنين التي تناهز 70 في المائة للولايات المتحدة إلى تفاقم نقص المواد الغذائية والأدوية التي تعد الدولة مستوردها الرئيسي.
ويوضح مكتب "إيكواناليتيكا" أن قيمة الواردات تراجعت حتى الآن من 70 مليار دولار في 2012 إلى 12.5 مليارا هذه السنة، ويشير إلى أن الحكومة التي تطبق رقابة صارمة على أسعار الصرف، جمدت في أيلول (سبتمبر) منح القطاع الخاص عملات صعبة، فمنعت بذلك المؤسسات من استيراد البضائع.
وفي حال احترمت فنزويلا كل التزاماتها، فسيبلغ إجمالي ما ستسدده هذه السنة 9.91 مليار دولار، فيما تبلغ استحقاقات الدين في العام المقبل ثمانية مليارات دولار، من إجمالي دين خارجي يقدر بـ 100 مليار.
ويتباهى الرئيس مادورو بأنه يحرص على تسديد الديون، وبأنه دفع 60 مليارا لدائنيه الدوليين منذ 2015، رغم "الحرب الاقتصادية" التي تشنها الولايات المتحدة واليمين الفنزويلي.
لكن هل سيتمكن دائما من القيام بذلك؟، يجيب هنكل جارسيا، المحلل في "إيكونوميتريكا"، بأنه من المستحيل أن تتمكن فنزويلا من الاستمرار، من دون إعادة هيكلة ديونها، ولا شك أنها في لحظة ما، خلال السنوات المقبلة، ستضطر إلى فعل ذلك، وساعتها سيتعين عليها التفاوض مع أبرز اثنين من دائنيها، وهما الصين التي تستدين منها 28 مليارا، وروسيا التي أقرضتها ثمانية مليارات دولار.
ويبدو أن موسكو الحريصة على استثمار موقع تعدين بالغ الأهمية في جنوب البلاد، منفتحة على النقاش، لكن بغض النظر عن المصالح الجيوستراتيجية، لم يبد أي من البلدين مؤشرات ملموسة إلى أنهما يريدان تمويل الـ 12 مليار دولار التي تحتاج إليها فنزويلا في 2018.
ويستبعد صندوق النقد الدولي أي خطة إنقاذ لهذا البلد الذي قطع العلاقات معه في 2007، وأوضح متحدث باسم الصندوق في واشنطن: "لم يجر أي نقاش مع السلطات حول برنامج للصندوق من أجل فنزويلا .. لم نجر اتصالات مهمة مع السلطات منذ عشر سنوات على الأقل".
ليست هناك تعليقات