« الغرب يستعد لإعلان تركيا دولة “مارقة” » ... بقلم: تركار أرتورك
استعرضُ هنا مختصرًا عن المقال الذي نشرته جريدة “نيويورك تايمز” بقلم دانيال بيبيز بعنوان “حماية الناتو من تركيا”، وألخصها في أربعة نقاط رئيسة.
-إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يواجه مشكلة حياة أو موت، مصدرها الدكتاتور “الإسلامجي” في تركيا رجب طيب أردوغان.
-أنشئ حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1949، ويستمر في نشاطه منذ 70 عامًا تقريبًا ارتكازًا على أعضائه البالغ عددهم 29 عضوًا، في سبيل إعلاء مبادئ سيادة القانون والديمقراطية والحريات الفردية.
إن التهديد الحالي الذي يواجه حلف الناتو نابع من التيارات الإسلامية و”الدب الروسي” المتربص له في الشرق الأقصى، فضلًا عن أن الفكر الإرهابي الجهادي أصبح يشكل تهديدًا إقليميًا.
-كما يسلط المقال الضوء على الميليشيات الخاصة بأردوغان “سادات”، والتطورات الأخيرة في ملف قاعدة “إنجيرليك” في جنوب تركيا، ومساعدة تركيا لإيران في برنامجها النووي، ولقاءات الانضمام لمنظمة شنغهاي للتعاون المسيطر عليها من قبل موسكو وبكين، ومساعي تركيا للحصول على منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية “إس-400”.
ويتطرق أيضًا إلى أن حلف الناتو مضطر للاختيار في تعامله مع تركيا في حال استمرارها وكأنها ليست عضوًا بهذا الحلف العسكري، وأنه بدأ يدرس بشكل جدي إنهاء أو تجميد عضويتها في الحلف، وسحب الأسلحة النووية من قاعدة إنجيرليك، وحظر بيع السلاح لها، ووقف التعاون الاستخباراتي المشترك، والاستغناء عن مهام الضباط الأتراك في مناصب بالحلف.
وتطرق الكاتب في هذا المقال إلى عدد من النقاط التي تحتاج إلى إمعان النظر وتسليط الضوء عليها… وقد رأيت أنه من الضروري للغاية أيضًا تقييم هذه المقالة والكتابة عنه. كان من الممكن أن نقول إنها مجرد كتابات لكاتب معين يعبر عن أفكاره وآرائه الشخصية، إلا أن الأمر بات منتشرًا لدى الغرب الذي أصبح يستيقظ صباحًا ومساءً على مثل هذه المقالات، فضلًا عن وجود آراء أكثر تشددًا.
وقد قلت في مقالاتي السابقة مرارًا وتكرارًا إن تركيا يومًا بعد يوم تبتعد عن المجتمع الدولي، وأصبح الرأي العام العالمي يرى أنها مصدر للتهديد في منطقتنا وعلى السلام العالمي، وينظر إليها كـ”دولة مارقة” لا تعترف بالقوانين والقواعد، وتقدِّم الدعم للإرهاب، ولا يمكن تخمين مواقفها مسبقًا بسبب عدم اتباعها نظامًا ونهجًا معينًا في تعامله مع القضايا.
لم يعد يخفى على أحد قضية رجل الأعمال الإيراني رضا ضراب المعتقل في الولايات المتحدة الأمريكية ومسؤولين أتراك متهمون بتأسيس شبكة فساد وغسل أموال دولية من أجل خرق العقوبات الأمريمكية والأممية المفروضة على إيران.
في البداية ظهرت فضائح الفساد والرشوة في 17-25 ديسمبر/ كانون الأول 2013 كقضية محلية تركية، وانتشرت حينها تسجيلات صوتية ومرئية تكشف المتورطين فيها من أبناء الوزراء ورجال أعمال مقربين للحكومة، التسجيلات التي أنكرتها الحكومة وزعمت أنها مزورة وممنتجة. غير أن المحكمة الأمريكية أقرت بصحة تلك الملفات والتسجيلات واتخذتها دليل إدانة في القضية، بالرغم من أن أردوغان كان رفضها كليًا مدعيًا أنها محاولة انقلاب قضائي على حكومته في ذلك الوقت.
لم يعد أردوغان بعيدًا عن مرمى سهام جهات التحقيق الأمريكية، حيث تواصل المحكمة الأمريكية تحقيقاتها حول تورط بنك “هالك” الحكومي التركي في عمليات غسل أموال مع رضا ضراب بتعليمات من أردوغان، لخرق العقوبات المفروضة على إيران من قبل لجنة الأمن بالأمم المتحدة.
أمَّا عن الإرادة السياسية المديرة لدفة الحكم في تركيا، فقد أصبحت “بين نارين”، أي أنها تقف في مفترق طرق، لا تعرف أيهما تسلك. فقلبها يميل إلى الغرب، بينما عقلها يجرها نحو الشرق، نحو التقرب إلى روسيا وإيران.
وهنا تنحصر المشكلة! إذ إن روسيا لا تثق في تركيا بسبب فكرها وأيدولوجيتها الإسلامجية السياسية، وتعرجاتها وتقلباتها المستمرة، ومواقفها الحالية المترددة. فروسيا ترى تقرب تركيا منها في الفترة الأخيرة بهذا الشكل “محاولة لإشعال غيرة عشيقها القديم (أمريكا)”. لذلك فإن روسيا تعمل على استغلال الإدارة التركية التي تتقرب إليها بسبب المواقف الصعبة التي تواجهها.
لم يقتصر الأمر على الدب الروسي فقط، وإنما على إيران أيضًا التي لا تثق في النظام الحاكم في تركيا بسبب مواقفها غير الواضحة بشأن الملف السوري، بالرغم من تقربها وتوددها إليها؛ وتعمل هي أيضًا على استغلال الإدارة التركية في سبيل تحقيق مصالحها.
ولكن في حقيقة الأمر، تمتلك كل من روسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية أدلة وأوراقًا كافية لاستخدامها في ابتزاز السلطة الحاكمة في تركيا:
1- تمتلك الإدارة الأمريكية ملف قضية رضا ضراب المتهم بخرق للعقوبات الدولية على إيران، وتوزيع رشاوى ضخمة وصلت إلى 8.5 مليارات دولار.
2- أمَّا روسيا فتلوح في وجه تركيا بأربعة ملفات قدمتها لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة عن الدعم والمساعدات التي تقدمها للتنظيمات الإسلامية المتشددة في شمال سوريا، بما في ذلك تنظيم داعش، وتسويق وبيع البترول الصادر من الأراضي السورية والعراقية الواقعة تحت سيطرة داعش، وسرقة وتهريب الآثار التاريخية بالتعاون مع داعش.
باختصار، فإن الإرادة السياسية في تركيا لا مخرج لها من هذا المأزق. لذلك علينا أن نقف جميعًا متراصين ومتعاونين واضعين نصب أعيننا الديمقراطية من أجل إعادة تأسيس سلامنا الداخلي، وإعادة جمهوريتنا إلى إعدادات ضبط المصنع، ووضع أنفسنا مجددًا على طريق الحضارات المعاصرة، حتى ننقذ أنفسنا من تلك السلطة الحاكمة التي تدير البلاد بأساليب غير قانونية وغير دستورية وتعارض مفاهيم ومعاني الديمقراطية.
ليست هناك تعليقات