يعتبر الشباب مستقبل الدول في كل زمن وعصر فهو مجدد للقوة وباني المستقبل وحامل لواء التجديد. فالمستقبل لكل دولة هو شبابها وأجيالها الصاعدة وما تحمله من أفكار وتطلعات ورؤى وعلم ومعرفة وخبرة بحيث يكون الحصاد بقيمة ما نزرع ونغرس ونستثمر.
وحسب الدراسات والملاحظات الموضوعية وخبراء التربية والتعليم حول الشباب التلمذي والجامعي والمعطلين عن العمل والمهمشين والباحثين عن موقع في المجتمع والضائعين في متاهات السياسة والعالقين في حبال الأحلام المجنحة وما خلف البحار من جنة موعودة والقابعين في السجون بالآلاف من أجل نزوة عابرة لا نجد غير الأرقام المفزعة والتي تبعث على الحيرة والخوف من المستقبل وأكبر دليل على ذلك العدد الهائل من الشباب المعتنق للفكر الارهابي والتشدد الديني وتكفير المجتمع.
فالتهميش الذي أصاب المنظومة التعليمية والتربوية والثقافية من ناحية الكم والكيف خلق أجيالا من الشباب منبتة عن واقعها مشوشة التفكير تعيش انفصاما حضاريا وهشاشة نفسية صادمة لا تعرف مبادئا ولا عرفا اجتماعيا ولا دراية بتحمل المسؤولية والكدح للحصول على الرزق وقد زاد الطين بلة توجه الدولة نحو تكميم الأفواه ونبذ لغة الحوار واستعمال القوة للفتك بالخصوم والمعارضين في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية بائسة.
فالسجون التي امتلأت بالشباب المهمش لأبسط الأسباب في عنفوان القوة خلقت أجيالا مهمشة بلا مستقبل ولا مساندة فتعرضت للابتزاز والغدر والاحتواء من أصحاب الايديولوجيات الهدامة ووجدت نفسها عن قصد أو بدون قصد في عالم الجريمة المنظمة وسقطت في أحابيل الارهاب الأسود والتنظيمات العابرة للدول والقارات فأصبحت خطرا على الحاضر والمستقبل.
كما أن السياسة الاقتصادية الليبرالية والمتمحورة أساسا على تشجيع رأس المال المادي على حساب رأس المال البشري حتى غدا الانسان مجرد رقم كأرقام المعاملات التجارية والمالية في البنوك بحيث تخلت الدولة عن واجباتها التعديلية والتنموية والعدالة الاجتماعية عن طريق الجباية المنصفة والتوزيع العادل للثروة أنتج بطالة كبيرة لدى الفئات الشبابية والمتحصلة بالخصوص على شهائد علمية.
فانحياز الدولة لأهل المال قلص من احتمالية صعود بسطاء القوم وما اكثرهم إلى سلم الثروة التي تتيح له اللعب مع كبار القوم والدخول للنادي السياسي قصد التأثير في القرارات. فالمال الجبان بطبعه يبحث عن سلطة تحميه من التغول والتحوز القصري وقد كانت تلك علة بن علي وصحبه التي قضت عليه في النهاية لجشع النفس الأمارة بالسوء ورغم ما وقع فإعادة انتاج التمحور حول الثروة والمال والسلطة يبنى من جديد فما بالطبع البشرية لا يتغير.
فالحاجز الطبقي التاريخي بين أهل الفيافي والغبار وأهل ملعقة الذهب حيث يولد الصغار على فراش ريش النعام لم يتغير فجينة الرعية لا تمحى من الظهور العارية وجينة السلطة ثابتة كالإرث المستحق فحتى بورقيبة الألمعي والداهية أعاده ذات يوم أغبر جندي من جنوده إلى حافة الصفر ومزبلة التاريخ وقريته النائية ولم يعده للمشهد من جديد غير من كان قاسيا عليهم وحرمهم من ثرواتهم وقد أبكمت الديكتاتورية والنفاق السياسي من جعلهم في بلاطه نجوما ورجال دولة.
فالتهميش القسري المتعمد للانتقام من المعارضين وهم في الغالب من الشباب المتطلع للحرية والمشاركة في السياسة وبناء المؤسسات والتحزب خلق أجيالا ثائرة ومنتقدة ومتطاولة أو أجيلا خانعة وجامدة وساكنة ولم تتعود الدولة حسب المفهوم السلطاني القديم بالحراك الاجتماعي ولم تخلق الآليات السياسية لاستيعاب ذلك وجعله عامل تطور وصحة اجتماعية بل قاومته بالحديد والنار والسجون وبذلك خلقت أجيالا عديمة المنفعة فحكمت على المستقبل بالخسران وبئس المصير.
فالسياسة التي لا تنظر للمستقبل بعين الحكمة والروية آخذة بعين الاعتبار محددات وعوامل القوة والضعف ومن بينها أساسا قوة الشباب والمهمشين منهم بالخصوص لا يمكن أن تكون فاعلة ومنتجة للثروة والاستقرار. فالعامل الأساسي لاستقرار وديمومة الدولة هو العنصر الشبابي المتكون بصفة جيدة وطبقا لمواصفات العصر والمتجذر في محيطه والحامل للتطلعات المستقبلية والأهداف النبيلة بعيدا عن الايديولوجيا وصخب ودجل السياسة والزعامات والاطروحات الفئوية .
وذلك لن يكون متاحا إلا بتغيير المنهجية والمقاربات لتغيير الذهنية والعقلية باستعمال الأدوات الفاعلة على مستوى التعليم والثقافة والابتعاد عن المقاربات الزجرية وتكميم الأفواه والانغلاق الفكري والمؤسساتي واحتكار الفعل السياسي والتعالي المزيف للنخب والزعامات.
فالدولة التي لا تستطيع ترويض شبابها وجعله في خدمة مشروعها لا يمكن لها أن تنجح في أهدافها على المدى المتوسط والبعيد. فالشباب هو الثروة الدائمة بما أنه القيمة التي لا تنضب ولا تضمحل وقادرة على التصرف والقادرة على الفعل والانجاز وخلق الثروة إذا وجدت الظروف الملائمة والعناية اللازمة من أهل السياسة وأصحاب القرار
كما يمكن أن تكون قوة هدم وخراب إذا همشت وطحنت تحت عجلة الغباء السياسي والمشاريع الفئوية الضيقة الخالية من كل ابداع ورؤية حكيمة.
ليست هناك تعليقات