أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« أردوغان يعلن الحرب رسميا على الأكراد في سورية والعراق » ... بقلم : عبد الباري عطوان



باستعادة القوات العراقية لمدينة القائم، واستكمال القوات السورية سيطرتها الكاملة على مدينة دير الزور، ينتهي زمن تنظيم داعش الوهابي جغرافيا، وتبدأ مرحلة جديدة تتغيّر فيها المَفاهيم والموازين معاً، وتنتهي تحالفات "طارئة" لمصلحة إحياء تحالفات عسكرية وسياسيّة قديمة، لمواجهة "إرهاب" قديم متجدد، حسب أدبيات الدول الإقليمية.

الرئيس التركي رجل طيب أردوغان فاجأ الجميع اليوم (الجمعة)، عندما سار برسم ملامح المرحلة الجديدة وحروبها، بإعلانه في كلمة ألقاها في مدينة مانيسا، ونقلها التلفزيون "سنستهدف الإرهابيين في سورية والعِراق دون أخذ إذن من أحد، سنقوم بتدمير كل معاقل الإرهاب".

الإرهاب الذي يقصده الرئيس أردوغان، ويريد تدميره، ليس "إرهاب" داعش، ولا "إرهاب" جبهة النصرة، حسب التوصيفات الأمريكية، وإنما "الإرهاب" الكردي على وجه الخصوص، في شمال غرب سورية، وفي شمال العراق، وجنوب شرق تركيا.

تركيا سليمان ديميريل وقعت اتفاقات مع الرئيس العراقي صدام حسين عام 1995، تسمح لقواتها بالتوغل في كردستان العراق حوالي 15 كيلومترا لمُطاردة قوات حزب العمال الكردستاني، وضرب قواعده بالطيران دون رحمة، والآن يريد الرئيس أردوغان أن يقوم بالمهام نفسها دون تجديد هذه الاتفاقات، أو استبدالها بأخرى، وهو مُتيقّن بأنّه لن يجد أيَّ معارضة من الحكومتين السورية والعراقية.

الجديد في هذا المضمار أن الرئيس التركي يريد توسيع هذه الاتفاقات وشقها العراقي التي من المُفترض أن تجدد سنويًّا، من طرف واحد، بحيث تشمل شمال سورية، التي يعتبرها الرئيس أردوغان امتدادا عسكريًّا لحزب العمّال الكُردستاني، وذراعه العَسكري في سورية، وهذا ما يفسر اعتراضه على وجود ممثّلين عنها في مؤتمر سوتشي للشعوب السورية، التي دعت لانعقاده الحكومة الروسية يوم 18 من الشهر الحالي، بحضور 33 فصيلاً وتكتّلاً وحزبًا.

أخطر ما قاله الرئيس أردوغان في الخطاب المذكور آنفًا قوله "نعتبر كل من يقف إلى جانب الإرهابيين إرهابيًّا"، وهذا يعني قصف "الحواضن" الكردية المدنيّة لأي ميليشيا كردية تصنّفها تركيا على قائمة إرهابها، وترى فيها خطرًا على أمنها، وخاصة في شمال سورية والعراق.

لا نعتقد أن الرئيس التركي يطلق هذه التصريحات، ويتبنّى هذه المواقف، دون التنسيق المسبق مع الجانبين، السوري والعِراقي، أو تيقنه من دعمهما، إلى جانب إيران، في هذه الحرب التركيّة الكردية، المرشحة للاتساع، قد يشتعل فتيلها في أيّ يوم من الأيام المقبلة.

الرئيس أردوغان يريد أن يستثمر النكسة التي تعرض لها الأكراد في شمال العراق بعد استفتاء الانفصال، وسيطرة القوات العراقيّة على المعابر الحدوديّة مع تركيا بعد إحكام سيطرتها على كركوك وسنجار، وتملك تركيا ثلاث قواعد عسكريّة في غيريلوك 40 كيلومترا، شمال العمادية، وكانيماس 115 كيلومترا شمال دهوك، وسيرسي 30 كيلومترا شمال زاخو على الحدود التركية العراقية، إلى جانب قاعدة بعشيقة قرب الموصل التي يتواجد فيها أكثر من ألف جندي تركي بعتادهم الثّقيل، وهذه القواعد ربما تتحول إلى نقطة انطلاق لأي حرب قادمة يخوضها الرئيس أردوغان ضد ما يسميه بالإرهاب الكردي.

نحن بانتظار ردود الفعل السورية والعراقية الرسمية على تصريحات الرئيس أردوغان هذه، ولكننا نستطيع أن نتكهن بأننا أمام معادلات سياسية وعسكرية جديدة، قد تولّد تحالفات جديدة، ولكن الصمت قد يكون من علامات الرضا، أو تجنب اتخاذ مواقف قبل أن يهدأ غبار نهاية الحرب على "داعش".

والسؤال الأهم الذي ننتظر إجابة عليه هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتمدت الأكراد كحليف استراتيجي لهم، وزودتهم، خاصّة قوات سورية الديمقراطيّة التي سيطرت على مدينة الرقة، بآلاف الأطنان من الأسلحة والمعدات الثّقيلة المتطوّرة، ولم تعر أيَّ اهتمام للمعارضة الأردوغانية الشرسة لهذه الخطوة، فهل ستواصل الإدارة الأمريكية دعمها للأكراد وتستخدمهم ورقة ضغط سياسي وعسكري على إيران والعراق وسورية؟ ثم كيف سيكون رد الفعل الروسي؟

الأمر المُؤكد أن الأكراد، وأينما كانوا، سيكونون هم الهدف المُقبل، والحرب ضدهم ستملأ فراغ الحرب التي انتهت تقريبًا بالقضاء على "داعش" بعد أقل من ثلاث سنوات من إعلانها، ويبدو أن السيد مسعود بارزاني، رئيس منطقة كردستان العراق، كان يتوقع هذا السيناريو عندما لمح في خطاب استقالته إلى استمرار ارتدائه لزي قوات "البيشمركة"، وعزمه العودة إلى الجبال.. والله أعلم.

عبد الباري عطوان/ رأي اليوم 

ليست هناك تعليقات