أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« الروائي واسيني الأعرج : هل وظيفة الكاتب أن يتفاءل لدرجة السقوط في الكذب ؟» ... بقلم : علي لفتة سعيد *



” كيفية قيادة العمل الروائي في نقل المتن الحكائي الى متن سردي، وهو رأي قد يكون منطبقاً على أغلب الأجناس الأدبية”
يؤكد الروائي الجزائري واسيني الأعرج في مقال له على اعتقاده أن
"الرواية هي امتحان لدرجة صدقنا تجاه الحياة. إما أن نكون نحن حتى داخل السواد، أو لا نكون، لا لأننا نحب السواد، بل لأننا لا نستطيع أن نقول روائياً غير ذلك."
ورغم أن القول كما يبدو منحازا للرواية على إنها صناعة حياةٍ، وقوله كان إجابةً على ما قيل عن روايته الأخيرة (حكاية العربي الأخير) إلّا ما قاله يمكن أن يأخذ أبعاداً أخرى من التأويل والقصد وما يمكن أن يضيف الى الكثير من الجدل حول مفهوم الرواية في العالم العربي على الأقل.

فما يمكن يقال على القول، إن الرواية لا تعني فقط إبراز الجانب السلبي من الحياة، ولا تعني الوقوع في الكذب والغرق فيه كما كان في إجابته، لأن الرواية بصفتها فعلاً فردانياً يعتمد على الواقع أو إنها فعلٌ واقعيٌّ يعتمد على المخيلة، أو إنها صياغةٌ مخيلاتيةٌ تعتمد على رؤية المنتج،

فأنها بالتأكيد لا تحتمل فقط الجانب السوداوي من الحياة، ولا تعني كما يقول البعض من النقاد إنها تتناول المهمشين في القاع الاجتماعي.. نعم هي تأخذ كلّ ما له علاقة بالفكرة لأن المخيلة تنتج فكرةً والفكرة تنتج حكايةً والحكاية هي مهد العملية السردية التي تنقل الحكاية من وصفها حدّوته الى صفتها الروائية عبر منظومة السرد بمعنى أن كل حكاية يمكن لها أن تكون سردا ولكن ليس كل سرد قادر على احتواء حكاية والعكس صحيح بمعنى أن كل سرد يحتوي على حكاية..

وهو ـأمر يقع على عاتق السارد نفسه في كيفية قيادة العمل الروائي في نقل المتن الحكائي الى متن سردي، وهو رأي قد يكون منطبقاً على أغلب الأجناس الأدبية، لكنه في الرواية يتيح لك الأمر الأخذ بيد الفكرة وقيادتها الى برّ الأمان التدويني. بمعنى إنه يمكن من خلال الحالة البيضاوية إن صحّ القول المعاكس للحالة السوداوية، أن يكون حاضراً إذا ما كانت الحكاية قد أستلت – من لحظة جمالٍ يعيشها المواطن والمنتج – جزءٌ من هذه الحياة..

هنا الأمر لا يعني مناقشة روايته الأخيرة بل قوله أن يكون المؤلّف داخل السواد وإنه لا يمكن أن يكون روائياً إلّا إذا كان داخله، هو أمر لا يتيح حرية الفكرة، والفكر للمنتج الروائي صاحب المخيلة الخصبة إلّا البحث عن أفكارٍ وحكاياتٍ سوداوية فقط، وهو أمرٌ ذكّرني بأحد النقاد الكبار ذات أمسيةٍ، حين قال إن الروائي الناجح هو الذي يهتم بالمسحوقين ويتناول المهمّشين في أعماله.

وكانت لي مداخلةٌ في حينها من أن الحكاية فكرةٌ تصاغ لتكون روايةً، وإن في داخل كلّ واحد منّا حكّاءٌ كبيرٌ في بعض الأحيان ولكن الإبداع هو كيف تتحوّل هذه الحكاية الى فنٍّ روائيٍّ سردي.. أن يجعل الأدب على إنه رسول السوداوية وناطق رسمي باسم المهمشين يبعد التعريف الكلّي للإبداع، من أنه منتجٌ للجمال ومساهمٌ في صنع الحياة، والحياة فيها كل المتناقضات.

وإن كان المنتج المبدع صاحب مخيلةٍ أرضها خصبة قد جعل من مخيّلته تصل في اتجاهٍ واحدٍ فقط أصبح مناطاً بالبحث عن أفكارٍ سوداوية وهو أمرٌ تغلْب عليه صفة العاطفة والبحث عن متلقٍ هامشي فقط، لأن الكتابة من هذا النوع لمجرّد إنها تناقش سوداوية الواقع، حتى لا يكون المؤلّف كاذباً، بمعنى إنه منتج عاطفةٍ فقط، في حين إن الكتابة إنتاجٌ فكريٌ يصل الى حدّ المعرفة الفلسفية والولوج الى عوالم لا يراها المتلقّي من خلال عوامل عديدةٍ تبدأ باختيار المنطقة التي تتيح له إلتقاط الفكرة،

ثم الولوج الى عالم التدوين ليكون قادراً على إنتاج نصٍّ روائيٍّ لا يحمل عاطفته السوداوية، بقدر ما يحمل دهشته وأسئلته الباحثة عن متلقٍ يكون مشاركاً في صنع التأويل واستلهام القصد. بل إن على المنتج الروائي صناعة تفاؤلٍ جديدٍ، إذا ما افترضنا إن نصه يحمل سوداويته لأنه معني بصناعة هذا الأمل.. فالكتابة عن الحرب والقتل والدمار والسلطة والدكتاتورية واختراق التابوهات لا يعني نقل الصورة مثل المرآة، لزيادة جرعة السواد في القلوب وزيادة مساحة اليأس لدى المتلقّين بل لتبيان المعاني والمساعدة على حصاد الفهم وطرح أسئلة الوعي والسباحة في بحر الفلسفة، والإتيان بحالةٍ نفسيةٍ جديدةٍ تجعل من هذا الواقع الذي مرّ بسواده إنه يمكن الاستفادة منه لصناعة بياضٍ لواقعٍ جديد..

وليس كما تساءل الروائي الاعرج في ذات المقال (هل وظيفة الكاتب أن يتفاءل لدرجة السقوط في الكذب.) بل إن قوله الرواية امتحان للصدق الابداعي هي الأقرب لكل تعريف عن أهمية الرواية كونها العامل الأساس في النجاح الأدبي وأهميته ومعناه.

إن الرواية ليست معترك حربٍ أو مهمتها صناعة حرب بل إيجاد منطقة جديدة من الوعي الذي تمنحه قدرة الروائي على سرد الواقع وحكاياته، ومنح المخيلة القرائية قدرةً على تفهّم الحياة بإيجابيةٍ جديدةٍ، لا تتمسّك بالسواد ولا تعبره دون انتباه.

* علي لفتة سعيد : كاتب وناقد عراقي

ليست هناك تعليقات