« العقل والثقافة أقوى الأسلحة » ... بقلم : وليد الرجيب
يقول باحث سوفياتي منشق في محاضرة له... ان من الغباء شن حرب على دولة أخرى من أجل تخريب كيانها وعمرانها ومصانعها وبنيتها التحتية، فذلك لن يفيد بشيء سوى العديد من القتلى والدمار للدولتين وتدهور الاقتصاد فيهما.
كما أن تدمير المنشآت والمصانع والمدارس، سيوقظ الحس الوطني لدى الشعب المعتدى عليه، ويعيد بناء ما دُمر بأفضل مما كان في السابق، كما أن ذلك سيجعل الشعب يلتف حول قيادته حتى وإن كان غير راضٍ عنها.
فإذا أرادت دولة أن تصيب دولة أخرى بضرر قاتل يصعب الشفاء منه، فعليها أن تعمل بدأب لسنوات طويلة من أجل تخريب أساسات وكيان الدولة الأخرى من دون إراقة قطرة دم واحدة، وذلك عن طريق العمل على تخريب ثقافة ومعتقدات المجتمع اجتماعياً ودينياً، وهذه العملية لا تتطلب سوى تغيير جيل واحد فقط، أي فترة من 15 إلى 20 سنة، وبعدها سيكون من الصعب على الدولة الأخرى العودة إلى ما كانت عليه، ناهيك عن التقدم وتجاوز ذاك الواقع.
فالدولة المعتدية لا تحتاج إلى جيوش وعتاد، بل جل ما تحتاجه هو جماعة أيديولوجية أو معارضة متطرفة غير وطنية وغير ذات نهج إصلاحي حقيقي، لتدربها وتمدها بالدعم المادي والمعنوي، بعد تخصيص جهاز مختص بالدولة الأخرى يتابع شؤونها، والتحولات في مزاج الجماهير.
أليس هذا ما يحدث لدينا وفي الدول العربية؟ فمنذ أربعين عاماً بدأ العمل على تشويه مفاهيم وتعاليم الدين، وتغيير المناهج ونهج الدولة الحديثة، وتمت محاربة الثقافة والفنون والآداب الجادة والبناءة، وتضليل الناس والعبث بوعيهم، وتفتيتهم دينياً وطائفياً، وخلق نزعة الكراهية والتشدد الديني بينهم ونشر الخرافات والفتاوى الشاذة، فمن عاش في سنوات الستينيات وما قبلها وعاش في زمن ما يسمى بالصحوة الدينية، يدرك الفرق بين الزمنين، بينما لا تدركه الأجيال الجديدة، وتظن أن الحال كان كذلك منذ الأزل.
إذن تستطيع أي دولة أن تسيطر على دولة أخرى، بتخريب العقول والقيم والثقافة فيها من دون إراقة الدم وتدمير البنية التحتية، ولنا في الدول التي خرجت مدمرة بعد الحروب، واستطاعت إعادة بناء ما تهدم خير مثال، لكن دولنا بكل أسف لم تلتفت للإنسان كقيمة عظمى ورئيسية، وأساس للنهضة والبناء والقوة السياسية والاقتصادية، وضمانة لحفظ كيان الدولة ومنعتها ضد المخططات الخارجية.
ليست هناك تعليقات