« عندما يصوغ الإعلام الجزائري تقارير الطائفية الامريكية » ... بقلم : د. محمد بغداد
حالة من الارتباك وموجة من الذعر واندفاع نحو التململ، هي ادنى انطباع يلتمسه المتتبع لردود الفعل، الذي تبديه النخب الإعلامية والدينية الجزائرية، تجاه التقارير التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية، حول وضعية الحريات الدينية في العالم كل سنة، وبالذات الشق المتعلق بالجزائر، الذي أصبح في السنوات الأخيرة، تتوسع مساحته وتركز هذه التقارير على موضوع حقوق الممارسة الدينية للأقليات الموجودة في الجزائر، فيكون تأثير منتوج النخبتين الإعلامية والدينية اكثرا إساءة لكرامة المجتمع، من تقارير الخارجية الأمريكية.
الحصيلة المشوهة
إن المحصول الكلي الذي يستخلصه المتتبع للمجهود الإعلامي، للنخب الجزائرية في تعاطيها مع الموضوع الديني إعلاميا، يؤكد حالة الانفصام الكبير الذي تعيشها هذه النخب، والتيه الشديد الذي تعرفه المؤسسات الإعلامية، والإحباط الكبير الذي تحتجز نفسها فيه المؤسسات الدينية، وبنظرة أدق فإن الهوية الدينية للمجتمع، غائبة تماما عن مخيلة هذه النخب، ويظهر ضعفها الفكري وفقرها الثقافي، حول الموضوع خلال الدمة التي تنتابها عند صدور تقارير الخارجية الأمريكية، مما يجعلها تصل إلى المستويات العليا من البؤس المهني،
ويتجلى ذلك في حالتين، الأولى الطبيعة المستهجنة في تعاملها مع التقارير التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية، حول موضوع حقوق الممارسة الدينية للأقليات الموجودة في الجزائر، فتكون مجرد مسوقة للتهديدات والأراجيف، التي تكون بعيدة عن مضامين هذه التقارير، وفي تعاطيها مع التمظهرات الدينية والسلوكات الروحية التي تنتجها عدد من الفئات الاجتماعية، في ممارساتها الدينية اليومية، فتكون النخب الدينية أمام مجتمع لا تعرف تاريخه وتجهل انجازاته، وبعيدة كل البعد عن تراكمات ممارسته الدينية، وتبدو النخب الإعلامية في وضعية الغريبة عن الناس في هذه الأرض، وترتفع بممارستها الصحفية إلى موقع التسويق، لما يكون مادة أساسية تبني عليها مضامين تقارير الخارجية الامريكية.
إن المعضلة الأساسية، تكمن في حالة البؤس الفكري، والفقر الثقافي، والضبابية في الرؤية، التي وضعت نفسها في زاويتها الحادة، كل من النخب الدينية والنخب الإعلامية، فقد عجزت النخب الدينية في الجزائر، في إنتاج ذلك المحصول الذي يمكن النخب الإعلامية، من الحصول على القدر المناسب من المنسوب المعرفي، الذي يمكنها من استيعاب هوية وطبيعة تراكمات نموذج التدين الجزائري، عبر التاريخ، في الوقت الذي فشلت النخب الدينية، من توفير تلك المفاتيح الإعلامية البسيطة التى تمكن النخب الدينية، من الانتقال إلى متطلبات الزمن الإعلامي، منتقمة من النخب الدينية، التي بقيت بعيدة عن الزمن الديني، فالنخب الدينية محرومة من الثقافة الإعلامية، والنخب الإعلامية في وضعية المجاعة من الثقافة الدينية، ومن طلاسم هذه الحالة تنتج وزارة الخارجية الأمريكية، تقاريرها حول موضوع حقوق الممارسة الدينية للأقليات الموجودة في الجزائر، ومن أحشاء هذه الوضعية، يتم تسويق البؤس الديني والتخبط الإعلامي.
الواقع المؤلم
إن أزمة تقارير وزارة الخارجية الأمريكية، حول موضوع حقوق الممارسة الدينية للأقليات الموجودة في الجزائر، تجد تاثيرها العميق في اعتمادها على الأزمة الإعلامية الدينية، التي تعرفها علاقة النخب الدينية بالنخب الإعلامية، والتي تتميز بالابتعاد عن المستوى الاكاديمي المتخصص، وتجنب الاقتراب أكثر من الواقع ومستجداته، كونه موجه إلى القراء من عموم الرأي العام، عبر مناقشة الكثير من مواقف وسلوكات وتصريحات، ممثلو المؤسستين الدينية والإعلامية، وبالذات في عدد من المحطات والأحداث والمناسبات،
وبقليل من التحليل المتخصص يمكن الكشف عن نوعية الذهنية التي تدير المؤسستين الإعلامية والدينية عندنا، وتأثير التحولات الاتصالية الجارية في المشهد الديني الإعلامي، وتكون الصورة أكثر وضوحا عندما يتم الاستعانة بالمفاهيم المعرفية الخاصة بالثقافة الدينية الإعلامية، ومقارنتها بالمصطلحات والمفاهيم العلمية لعلوم الإعلام والاتصال، دون إهمال ما فرضته الموجة الجديدة و استحدثته في الإعلام الجديد، وبالذات وسائط التواصل الاجتماعي.
المأساة القائمة
إن الوضعية المأساوية التى توجد عليها الحال الدينية إعلاميا، والوضعية الإعلامية دينيا، في الجزائر، وبالذات التكاليف المؤلمة التي يتحمل تبعاتها المجتمع اليوم، نتيجة ما تخلفه تقارير وزارة الخارجية الأمريكية حول موضوع حقوق الممارسة الدينية للأقليات الموجودة في الجزائر، تستوجب المسارعة بمسؤولية عالية، بتفكيك علاقة الذهنية المسيرة للمؤسستين الاعلامية والدينية،
وإعادة النظر في ثقافة التعامل مع وسائل الإعلام والاتصال، وتعديل تصورهما لدورهما، والمكانة التي أصبحت تحتلها اليوم في حياة الناس، مع ضرورة ان يكون هناك تقدير بالغ من طرف هذه الذهنية للموجات الجديدة من الممارسات الدينية الإعلامية، التي تتخذ من منصات الفضاءات التواصلية، مساحات للتعبير الجماعي دون قيود احترافية ومهنية، لكنها ذات تأثير قوي في المسيرة العامة للمجتمع، كما يعتبر المؤلف أن كتابه يأتي في سياق الضرورة التي تفرضها المستجدات الحالية، والإسراع في فتح نقاش واسع، يمكن المجتمع من الاستثمار في المنتجات التكنولوجية الاتصالية، وتسخيرها في انعاش الدور التاريخي والروحي والاجتماعي، للمؤسسة الدينية، وبقائها عملا من عوامل تنمية واستقرار وخدمة المجتمع بكل فئاته.
ليست هناك تعليقات