أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« همسٌ فوق الجليد »... بقلم : عطا الله شاهين



  « همسٌ فوق الجليد »
    بقلم : عطا الله شاهين  
   2/12/2017
  


« مجلة منبر الفكر»    عطا الله شاهين     2/12/2017


قعدنا على سفحِ جبلٍ يطلّ على المدينةِ كطائري حجل.. كان شذانا كرائحةِ طفلٍ يرضعُ.. كنّا نتهامسُ حبَّنا الدّامع كعينِ ماءٍ مكروبةٍ، 
يتدفّقُ حبُّنا كلماتٍ مفعمةٍ بالحنينِ مِنْ صقيعِ الصّبحِ لإنجمادِ الليل.. كلماتُ الحكايةِ كمقلتيهما، عاشقة سلّاتٍ مِنْ ثمرِ البساتين حين تبتسمُ. 
حكايةٌ لها صمتٌ مخيف، حيث يسحرُ الوضوءُ لغسيلِ أجسادِ الحجل فيه.. تنتشر لثماتنا بمجيء بُلبلِ الشّوق، يحرّك انجماد الليالي الآتية وتردعُ دفئنا. قالتْ سفيتلانتي بعد سكونٍ وخطاها الواثقة فوق الأرضِ المتجمّدة، يتهادى  فيها الدّفء غنجاً ورزانة، لتزرع التّربة بعمقٍ، حبّها القاتل وبلا ترددٍ، حتى لو منّتْ الحُجج، إنها لبؤة ساحرة ..

سفيتلانا.. هكذا إذن تعرفُني إنّني عاشقُ الجليد.. هكذا أهدتني الكلماتِ بفمِها، بغمضةِ مقلتيها النّاعستيْن.. كعهدٍ قالتها ونبرتُها تمرّ سريعاً ولاذعةً بين شفتيْها، كجنحِ دبّور لا يمكنُ الإمساكُ به ..

..بلى.. أنا مَنْ أخفى حطبَ نصوصكِ، وتوقّى قطراتِ كرْبه في شرايينكِ الشّتوية، قلتُ عبارتي الأخيرة وسكتُ.. فإذا بيدي صممتْ طريقا صوبها لأسلّم وأداعبَ رعشةَ سعادتها الطّريّة لغمضةِ مقلتيها..

مقلتاها المستحيّة تذرف دمعا، حامل بحجلاتٍ وليدة بعسلِ سرورِ النّحل.. كانت ملآنة لكلّ شيء يدنو لون اليمّ منها، مقلتاها مرسمٌ فيه نجم بلونِ اللوز.. فيها حنين مُستطاب لامع، حيثما أدخلُ فيها، يحلق دوراناً مشعّا.. يتهزهز.. ويزداد ملاحقةً.. ويبيتُ مذاقٌ تشتّته فيها مخلوطاً بكلماتِ البنفسج والبساتين.. 

نينعُ لثماتٍ إلى حيث مرعِ السّهوب والصّقيع.. تندفعُ نظراتها من علوِ كلماتِ كتفاحةٍ حلوة .. تأتيها أنفاسي شوقاً، لثماتُها معانقة، منفرداً بها، ليومِ الغياب واللثمة السّريعة، كطفلٍ يرضع تحت جوانحِها يتنشقُ.. 

ورقاءٌ بفمِ حُبٍّ هي. كريحانةِ عطرٍ شوقها أفاحَ، اختلطَ بها بأجملِ الألوان. وبجوعِ فؤادي تفترشُ الشّوقَ فرادةً، يلامسُ أنفاسي جسدها..سفيتلانتي.. تبحثُ عبراتها في قطعةِ قماشي الأبيض حين أنامُ، تبوّسني.. فأطمئنُ وأغفي،  تبقى مشغولةً بالبحثِ بجسدِي، علَّ رسوم أو نقوش تتدافع لبردِ حجلٍ ماضية في الأبخرةِ الغربية والغناء.. أو عنْ ربيعٍ تقشّرتْ به دموعُ سكرةِ امرأة ، طعمُ نبيذٍ مذاقها انفلتْ ليلا، حضنتُها احتضاناً وتبويسا.. فاتجهتْ بنا سحبُ كانون أول المكروبة 

بازدحامٍ وتراصّ.. بهمس حكاياتٍ باردةٍ بائتةٍ كآلامِ كرْب كانون أول التّائه.. ومشيتنا تدفعنا بخفّةٍ صوب طُرقاتِ المدينة الخاملة.. رمتْ برأسِها المثقل بالأسئلةِ على صدرِي الدّافئ، ونحنُ نطوفُ في الشّوارعِ المتجمّدة، والنّور عكسَ علينا من جليدٍ بقي على الأرصفةِ، وأنا أتدافعُ بالنّزاعِ مع عيناتِ من الأسئلة.. نظرتُ إليها، احتضنتني وهمستُ بأذني فلاديمير.. أُحبّكَ.. ورحنا وسطَ الجليد والذّاكرة ننطوي بالأزقّة..

سفيتلانا ذاكرة ملئتْ بالألمِ.. الصّراخ، بالعصيانِ، بالوحْشةِ، بالتشتتِ، بالسّكون، بالألمِ، كالشّقاءِ الصّعب، بنصوصِ السّهراتِ في البارِ القديم.. الميدان الكبير..العمّ أندريه. سفيتلانا يا من تركتْ خمرةَ أصابعِها مضطربة ذكوةً فوق الترابيزات.. تتناسلُ للقاءِ جيلٍ من الزّهورِ في يومِ العشق، لا لكيْ يتنهدَ عشاقُه ليلِ حنينٍ ليليّ.. بلْ للتأملِ والاستماعِ دون خطَلٍ.. ولو للحظةٍ، لذوقِ الحكمة.. فراراً من التّصنم.. وإبعاد ترقّب العثور على تعبيرِ المداهنات الحمقى..

وفي الليل تقوم سفيتلانتي بهمس كلماتها القديمة الرائعة في السُّحب، سترتْ محياها بشنطتِها اليدوية القديمة.. تركتني أنا العبد الفقير بحسّها أطوف.. وماعتْ.. ما أشدّ مذاق البؤس !

  اقرأ المزيد لـ عطا الله شاهين


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 


ليست هناك تعليقات