« “المختلط”.. بين النسوية والإبداع الأدبي » ... بقلم : نبهان رمضان
داليا أصلان صاحبة رواية “المختلط”، تضع من يتصدى لنقد روايتها في معضلة كبرى من وجهة نظري ليس لها مخرج.
لو تم النظر إلى رواية “المختلط” من منظور إبداعي دون أن نضع في الاعتبار جنس مؤلفها؛ فإن ذلك المنطق يعد مقبولًا لو كان عنوان الرواية “المختلط” فقط، لكن داليا أضافت كلمة بخط رفيع إلى العنوان الكبير كلمة (ود).
الافتراض الثاني لو وضعنا في الاعتبار جنس مؤلفة رواية المختلط لكان ذلك من وجهة نظري أيضًا مجحفًا جدًّا، ولم نعطِ هذا العمل الجيد جدًّا حقه.
أرى الخروج من هذا المأزق هو أن نتعامل مع هذا العمل من خلال المنظورين.
أولا لو تغافلنا عن جنس كاتبة الرواية فيمكننا أن نقول:
البحث عن الهوية في رواية “المختلط”
تحكى الرواية قصة نشأة حي المختلط أحد مناطق مدينة المنصورة (سأعيد تدوير الحكاية، ألصق قطع الأحجية الكبيرة متجاورة، ألخصها في رأسي، في عمري هذا، بترتيبي) ص 10.
في رواية “المختلط” نجد نوعًا من المقاربة التاريخية بأساليب تخييل، يكون التاريخ حاضنتها بهدف امتلاء الخطاب الروائي بالوعي دون الالتزام بوقائع محددة، وإن كانت الوقائع الفنية أمينة للحقيقة التاريخية.
اختارت الروائية داليا أصلان أن تكون الشخصيات مفاتيح لترصد حركات وتبديلات المجتمع وليس كيف تبدل المجتمع خلال قرن من الزمان منذ بداية عام 1920،كي نعرف الحال الذي عليه حي المختلط الآن.
تسجل الرواية تنوعات المجتمع ليس المجتمع الكلى المكون للوطن بل تهتم الرواية بتشكيلات المجتمع المكونة لمنطقة المختلط. منطقة ذات طبيعة خاصة حيث المحكمة المختلطة التي تفصل في نزاعات الأجانب في وطن محتل، خصصت أرض المنطقة ومبانيها للأجانب دون أهل البلد.
حكايات، التي تردد في جلسات النساء وفي حلقات النميمة، تنسدل من خلالها التحولات الاجتماعية التي طرأت على هذه المنطقة. المكان يحيي زمن الرواية الانسيابي التاريخي ودلالاته التاريخية.
نجد شخص غريب الهيئة والشكل واللغة(بعد كشف الأطباء الشرعيين عليه، أنه ذكر غير بالغ عمره أحد عشر عاما تقريبا، أمهق سليم العقل والأعضاء، ارتخاء مؤقت بالأعصاب ناتج عن حقنة بالمهدئات الخفيفة لشهور) ص 56.
هذه الشخصية الغريبة ظهرت بعد رحيل الأجانب عن الحي بلا هوية متوارثة أو معروفة . ظل البحث عن الهوية طوال زمن السرد يأبى أن يذوب بسهولة داخل المجتمع لكنه يشارك لحد كبير في تحولاته.
فهمي الأشعل يمثل الحل السحري لمشكلته الشخصية (سلطان الذي وجد فيه المعين والمساعد لكسب الرزق، عفت الذي وجد فيه الابن الذي يتمناه بعد فقد أبنائه). يرفض فهمي الاندماج لأي هوية أو ايدولوجية.
يقترب السرد من دائرة فهمي ثم يداخلها بدوائر اجتماعية أخرى إنسانية ثم ما يلبث أن يعود السرد مرة أخرى إلى معضلته الفردية (البحث عن الهوية).
تجاوزت الرواية المادة التاريخية في أغلب أجزاء الرواية ثم يعود إليها مع شخصيات أخرى كما حدث مع صلاح ووقائع النكسة.
نلحظ داخل رواية المختلط ثمة واقعية لا سيما في الحكايات النسائية لنماذج بشرية ربما سمعت عنها الكاتبة أو سمعت عنهم أو سمعت منهم.
المتلقي يخطئ إذا اعتقد أن رواية المختلط تحكى عالم ذكوري لكنها في الأساس ترصد حكايات النساء والنميمة المحببة في مجالسهن(ينتابني شعور غريب الآن بأن البيتين رسميا منطقة مملوكة لنساء) ص238.
لم نلاحظ ثمة رمزية داخل الرواية سوى شخصية فهمي الأشعل غريب الشكل والطبائع ومقاومته الصراع القدري وبحثه الدائم عن الهوية المفتقدة . هذه الشخصية ترمز لحى المختلط المميز والمختلف عن كل أحياء مدينة المنصورة في ذلك الوقت.
تعكس الرواية فلسفة وأخلاقيات زمن السرد ونظمه الاجتماعية ومأثوراته. رواية المختلط تمثل النوع الجيلي الانسيابي ثرية بخصائص عصرها وتراثه.
عنيت داليا أصلان في روايتها المختلط بالتغييرات الاجتماعية داخل حي المختلط دون المجتمع الكلى لكنها لا تخلو من التحر التاريخي لتطور الأفكار السياسية.
ثاني: لكن لو وضعنا في ذهننا، كون كاتبة الرواية امرأة سنضيف على ما ذكر، مواضيع أخرى تهم المرأة عموما وتمس حياتها وسط سيطرت الرجل على المجتمع كله
دائما رواية المرأة تكون بين شقى رحا سلطة الواقع وسلطة التخييل . الإلحاح على موضوعات بعينها تتمحور حول قضايا المرأة الأصيلة التي تتعلق بها ككينونة وجود هي ما تقلق هذه النصوص. ما هي إلا موضوعات عن واقع المرأة الاجتماعي والثقافي والإرث الحضاري الذى تتحمل تبعات سلطاته بمختلف أشكالها سواء كانت سلطة الثقافة المجتمع أو الدين أو سلطة الرجل التي تمارس ضد المرأة تغيير قضية المرأة وصورتها وعلاقتها بالرجل من جهة وعلاقتها بالمجتمع من جهة أخرى هي القضية التي تشكل هاجسا لأغلب الروايات وعبرها يتم طرح قضايا أخرى تتعلق بالمجتمع أو الإشارة إلى مشكلات تحتاج إلى إعادة النظر، النظرة الدونية التي لصقت بها منذ بداية الخليقة.
رواية المختلط للكاتبة داليا اصلان، تحكي عن مكان وترصد التغييرات الاجتماعية التي طرأت على هذا الحي الهام داخل مدينة المنصورة ومن بين هذه المجالات شئون المرأة وحياتها وإن لم تكن الخط الرئيس داخل الرواية. جاءت الرواية متسقة مع الفترة التاريخية التي ترصد من خلالها الكاتبة أحداث الرواية حيث لم تكن تعمل المرأة في عام 1920 ولم تكن خرجت للعمل بعد ولم تنل قسطا وافرا من التعليم . لم تكن المرأة تعمل سوى في الأوساط الفقيرة كخادمة للمساعدة في الصرف على أبنائها أو المساهمة في ميزانية البيت أو راقصة في الملهى أو من أصول أجنبية كما ذكرنا جاءت الرواية متسقة مع الواقع ولم تتحيز الكاتبة إلى موضوع ما يخص قضية المرأة (مثل تحررها من سيطرة الرجل، الميراث، حرية العمل)، لكن جاءت أحداث الرواية فيما يخص المرأة كنوع من التأريخ لأسلوب حياتها وسط عالم يتسيده الرجال. كان شغل الشاغل للمرأة داخل الرواية أبناءها وزوجها وبيتها . جاءت مناكفات بين المرأة والمرأة الأخرى من أجل كسب ود الزوج المشترك واثبات إحداهن للأخرى مدى مقدار حب الزوج لها اكثر من الأخرى جاء ذلك في مواضيع عدة بين الجازية وود تعرضت الرواية لبعض المشكلات الاجتماعية مثل الختان وتأخر الإنجاب وخرافات السيدات مثل الدخول المرأة الحامل على امرأة حائض. تعرضت الرواية لضعف المرأة ونهب ميراثها بطريقة غير مباشرة كما حدث لنفيسة الصغيرة.
كانت رواية المختلط حاضنه لفكرة الأسرة وعنيت بتكوين الأسرة وجعل الزواج سترة للمرأة وكذلك أيضًا كشف أهمية الولد الذكر في الأسرة والتحايل على وجوده حتى لو بالتبني كما حدث مع فهمى وعفت وعرض عليه فكرة التبني لمجرد حمل الإسم فقط (هايبقى لك بيت وعيلة أب وأم نسب معروف وورث) ص 168.جاءت النماذج الذكورية متوازنة زوج حنون أحيانا غاضبا أحيانا أخرى وحاضن للمرأة في معظم الأحيان. رواية المختلط نموذج للرواية المتوازنة ومتسقة مع واقع زمن السرد بعيدا عن أي جدل وتجنب المسائل الخلافية بقدر كبير.
في النهاية اوضح شيئا أن هناك نماذج أخرى من الكتابات النسائية المتطرفة والمتحيزة بشدة إلى مواقف المرأة ومناصرتها لكن فضلت عدم التطرق لها حاليا ربما لاحقا نتعرض لها بالدراسة والتحليل.
ليست هناك تعليقات