هي قصة شجرة من بلور، سقطت من الفردوس الأعلى، في أرضنا اليباب!
كانت مجرد قلب لوز يابس، اهدتني إياه ذات يوم عابرة سبيل..
وأذكر أنها قالت لي: إنه من فصيلة نادرة، والآن موسم زراعته، ازرعيه واتكلي على الله!
وزرعته في رُكنٍ منعزل في حاكورة بيتي، وادرت له ظهري سنوات طويلة..
دون أن أدرك أنه هديةُ من السّماء.. ستتحوّل لشجرة، تنمو وتتعالى وتُصافح الغمام!
وتركتها تنمو لوحدها، شجرتي الخرقاء، وتترعرع في عين الشمس..
دون أن أتكرم عليها يوما ما، بجرعة ماء، أو رغيف خُبز!
وكبرت لوزتي العصامية، مُتحديةً عنجهية الريح وجيوش النمل الاحمر..
برعمت وأينعت، دون أن يأبه بها أحد!
وبدون أن تخضع لعمليات تجميل، أو تطبّق الوصايا العشرة..؟
أو تتعهد بصكوك الغفران
أزهرت..
ووقفت مشدوهة أمام جمالها الأخّاذ. أُراقب ثريات بتلاتها البيضاء..
التي تناكفها طرود النحل ويُعاكسها الفراش!
وسألتها: يا سيدة الجمال المُخضب بعطر الندى، من أين لك كل هذا الجمال؟
أيتها الشفيفة كأجنحة الملائكة، الناعمة كزغب الحمام..
حقا! من أين لك كل هذا الجمال!؟
وتوردت مياسم أزهارها الخجولة، التي كانت تتراقص كغسيل بهي يُغازله نور النهار..
وخلتها تهمس بثقة وخشوع: أنه هبة من الباري عز وجل..
شرابي قطر السّماء، وقوتي سر التراب..
سُبحانك يا الله! غيمة بيضاء، نبتت من التُراب..!! سبحانك يا عظيم..
وقلت بذهول: أيتها المُنسابة في تجاويف الروح، كندف ثلج صاغته دموع الأنبياء..
والمُرصعة بياقوت البلاغة.. المترفعة عن حدود النص، وبياض السطور..
سُبحان من حباك بهذا الجمال..؟ سُبحان من خصّك بهذا الكمال!!
أأنت حقيقةً؟ أم مُجرد خيال!
كلها أيام معدودة، وستسقط بتلاتك الطاهرة..
وستُصبحين تحية خضراء لكل عابري السبيل..
ستُصافحك كفوف العذارى الناعمة... وربما ستؤذيك أيادي الفتيان..
في غزواتهم المُفاجئة، ليحظوا بحفنة قلوب خضراء!
ولكنك كريمةُ يا سيدة الجمال! سيصلّب ما تبقيَ من ثمارك وَيُخشّب..
ليتحول لجُرعات طبيعية من المعادن والفيتامينات والفسفور.
يمد الصغار والكبار بالصحة والعافية..
وتعود دائرة الحياة، لتُهاجم أسراب الطيور ثمارك اليابسة..
وتبذرها في الارض الطيبة..
وستنبت فسائل أخرى "ويُحيي العظام وهي رميم"
وسنرحل يوما ما عن هذا الوطن الحبيب، لتبقين "أنت"
عروسا تتهادى بين جبال الجرمق ومرج ابن عامر، وعلى سفوح جبال الجليل..
من شهربان معدي
وقد أزهر اللوز في الجليل..
وعطره ملأ الكون.
|
ليست هناك تعليقات