كان يوم بارد من أيام الشتاء والرياح تلاحقنا ونحن نتمشي في الشوارع مع الأصدقاء وكنا صغار في سن
المراهقة ولم يمنعنا أي ظرف من الخروج والالتقاء وعكس اليوم في الكبر لا تشعر بها كما كانت في ربيع
العمر بالحب للحياة بحكم القيود والزواج والمسؤوليات التي ترمي علي كاهلنا وينشغل كل واحد منا ونادر
هي الخروجات في اوقات صعبة مثل ما تكون في البرد القارص مثل هذه الأوقات من العام ولكني اميل لها حتي
الآن واخرج وحدي كثيراً واعشق الليل والأضواء باجمل امطار تهطل علينا بالسعادة ولها الرونق الخاص بها
من الشعور والاحساس تراه يتجدد بالنشاط وانت تسير علي الأقدام وتقطع المسافات طويلاً وحينما تغتسلك وتمسك
يصيبك نوع من الامل وبشري جميلة وهي تقول ابقي ولا تخف لن أؤذيك يا بشر ولماذا تهربون مني وانا اروي الأرض
لكم لتحيوا وتبقوا بالخيرات ولولاي لما كانت لكم حياة ومتم من الجفاف والعطش قلت لها معك الحق وانا باقي
علي العهد كما كنت منذ الصغر عاشق للمطر ويسكنني كل ماتعرفينه عن العشق والحب والوطن في مخيلتي لا ينتهي
ويبقي دوماً يؤرقني بالتفكير والهذايان بكل ما نراه ولا يوجد له قيمة دون الانسان بالأمل والنظرة والتمتع
بالجمال من احوال الطبيعة الخلابة وكما تتحاورين مع الرياح وتبعثين لنا النسمات وعندما يتحول الأمر للصراع
بينكما تنتصرين عليه رغم قوتها الجبارة كما حصل في هذه الليلة وكأنك تذكريني بالموقف الذي لم انساه طيلة
حياتي وكثير ما يواجهني عندما حدث معي وقال لي يومها أحد الأصدقاء بنفس الذكري انظر لهؤلاء الصغار كيف يلحقون
بهذا الرجل ويصفونه بالمجنون وهو يهرب منهم ولم نتحمل الموقف وصرخنا بهم ليتركوه ودعيناه للجلوس معنا
وهذا صديقي الطيب والمعروف والمشهود له دوماً بالعطف علي هؤلاء المشردين كما يصفونهم إن جاز التعبير وقدمنا له
الأكل علي ما أذكر وكان جائع جداً وقلنا له ابقي هنا واشعر بدفئ النار معنا وكنا نقيدها في الملعب المتعارف
وكثير من ذكريات الطفولة في هذا الملعب بالتحديد وبدأ الحديث عن الاسم والتعارف وقال انا ليس من هنا
واعيش في منطقة أخري قريبة من مركز المدينة ولفت انتباهي له انه يتحدث برزانة وعقل وحكمة ولا يبدو عليه
تغييب ولا هلوسات كما يعتقد البعض ولكن شكواه فقط من الاطفال الذين يرجمونه بالحجارة ويضحكون عليه كلما شاهدوه
وهو خائف منهم ولا يريد أن يؤذيهم ولاحظنا هذا وكان كل خوفه يرتكز علي كيس كبير يحمله ويحضنه بقوة ولا يريد التفريط
فيه وبعدما اطمئن لنا سألته عما يحمله وقال أوراقي وهي كل ما املك وسبب ما حصل لي وكما تروني وازداد استغرابي أكثر
لمعرفة ماذا يقصد وتحدث بالكثير وكنت ملح جداً علي أن اطلع علي الكيس ومحتواه حتي أخرج لي بعض منها
ورأيتها وكانت أوراق حقيقية ومكتوب عليها أشعار جميلة جداً وساحرة بحق وملفته للنظر لمن يقرأ وقلت له من أتيت بها
انا احب القراءة مثلك وأريد جزء منها وكان مطلع جداً ومثقف وحتي لبسه غريب ليس كباقي من نشاهدهم من قبل طويل القامة
وله لحية ويلبس معطف جميل وشعره كثيف أسود وعلي معرفة باسماء الشعراء الكبار حتي أذكر قلت له يومها هذا لنزار قباني
صرخ لا هذه كلها كتاباتي وانا حاولت اطبعها في الكتاب ولم استطع ولم يساعدني أي أحد وبدأت اتجول في الشوارع وانا ابحث
عن أي مساعدة تنقذني لاحتفظ بها وبعدها تعبت وبقيت وحدي ملقي في الشارع ولا احد يهتم بي وهذا حديثه كان قمة الألم ونحن نسمعه
في مجتمع لا يرحم أي مريض ولم يوفر له العناية ولا العلاج ويترك عرضة للاطفال حتي تسوء حالته وينتهي به الأمر باسم المجنون كما
طانوا يطلقون عليه صرخاتهم وهم يضربونه بالطوب ومن يومها اقتنعت أن هذا العالم لا رحمة فيه لمن يقع وخصوصاً في العالم العربي
وكما سمعنا الكثير عن كتاب وشعراء ماتوا في الشوارع كما حصل مع شاعر سوداني كبير ونحن نجهل مصير مظفر النواب وغيره وكان الاعتقاد
انه مات وبعدها تفاجئنا العكس وهو مريض يعالج في لبنان ولا أحد يهتم ويعرف اخباره الا النادر بمن يهتم به وكانت ليلة من ليالي الذكريات
وكتبتها بما خطر في بالي ولكن الحقيقة كان الأعقل منهم بالصدق والعقل والكتابة ومن دفعه لذلك هو الجنون الحقيقي في التخلف الذي يحكمنا
ولا يقدم لنا أي مساعدة لمواهب قد تكون بارزة ومقدمة ليتشرف بها الوطن ودون العلم والقلم والتفكير لن يكون لنا مستقبل
ونحن نتجاهل بعضنا البعض من اجل المحافظة علي كرسي من وهم كما أسميته كثير في كتاباتي وخواطري الخاصة وميزت هذا ولم اقل قصائدي
بل هي حالة نثرية وحديثة ولقد برزت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي واكشتفنا الكثير منهم كما اكتشفنا انفسنا وبقدر ما يهاجمونهم
نود هنا التأكيد علي شيئ واحد وهو لا تقفوا بوجه كل من يكتب ودعوه يعبر كيفما يشاء ولكم الحكم سواء نقاد او كتاب جديرين بالاسم والفخر
ونحن نتابعكم ونتعلم منكم ونحث الجميع علي تقديم الرسالة بالكلمة من العمق والفكر كيف ما يشعر وسترونه يتقدم من خلال نفسه
ولي الكثير معهم نقاشات حول هذا الأمر لأن الجميع اصبح يملك المنبر وحده ويعبر به من روحه وهذا ما لم يكن متوفر من قبل
وكلنا نعلم بأن جيعنا وكل من يعشق الكتابة والحرف لقد كتب خواطره وكان يختفظ بها تحت عنوان مذكراته ولا يطلع عليها أي احد
لكن الامور تغيرت واصبح التعبير حق مكفول بالحرية للجميع وهذه المواقع بها مواهب وشعراء كبار مجهولين وكما تنظرون للكأس عليكم
ان تكونوا صادقين وتحددوا فيه الكم الماء العذب والخصب الذي ممكن ان يكون له مستقبل في عالم الأدب وخصصت هذا العنوان لأن من يكتب
المقالات السياسية يختلف وقد ياخد شهرة أكثر وكثير من الأدباء يمزجون هذا بالعلم والثقافة والرؤية السليمة ولا خلاف علي ذلك وهنا يكون الأديب
الحقيقي بالرسالة والقلم وليس بمن يمتلك المال فقط لينشر الكتب ويجتمع بالرواد والحفلات ويتجاهلون الغير من المواهب الجديدة للاجيال وهذه عقلية
غريبة تكرس الجهل اكثر مما يقدمها أي انسان يحمل رسالته بالصدق ويريد ان يغير من العقلية والذهنية العربية بالتوارث بعيد عن الكلمة والقراءة
وكما هجر الكتاب سيهجرون الفيس وكل المواقع بعد فترة وجيزة من الملل ورأيت الاجمل قد تركنا وهو يقارن نفسه ولا يتحمل بعض ما يحدث بالمجاملات علي حساب
الفكر والكتابة الحقيقية من الروح واعترف معكم بان المسألة قد تحولت لمجرد لايكات وتعليقات أكثر مما نبحث عن عمقنا ويؤلمني جداً عندما أري مشاهد البعض
كصورة تتحصل علي الكثير ونص جميل لا ياخد حقه ولا يقرأ له لانه هذا المفكر العظيم لا يجامل ويسمونه عالق وحيد فوق الشجرة وهنا بعض الملامة عليهم وحاورت البعض منهم
كي تكون صفحاتهم ومقالاتهم وقصائدهم مسموعة عليهم ان يمنحوا بعض من الحب للمعجبين لتكون صورتنا مشرقة وناضجة بالتوازن
|
ليست هناك تعليقات