أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« خريف ثلاثيني الذاكرة » ... بقلم : علا شيحة




 « خريف ثلاثيني الذاكرة »
   بقلم : علا شيحة                                  
   4/11/2018


« مجلة منبر الفكر » علا شيحة   سورية  8/10/2018


الواحدة بعد منتصف الليل
عاد تشرين ببرده الخفي ينخر في القلوب فيوجعها وتصرخ دون صدى صوت في صمت الكلمات يئن على شراع اللغة فيسقط المعنى ليتعلق كدمعة سقطت بين الامواج في بحر من حبر احمر

ظلمة تخيم على غرفتها كأنها منفية خارج هذا العالم لا شيء يشبهها هنا الوحشة تملأ ذلك الفراغ في جدران هذا المنفى كل الأشياء تبدو كئيبة وكانما أصابتها نوبة قلبية 
قمر شحيح الضوء حجبته ستارة من سحاب ارجواني وحدة تغلف تلك الغرفة الباردة فتشعر وكأنها على وشك الإنهيار والياسمين حزين يتهادى فتحسبه دمع من أعين ملائككة ساهرين على أعتاب هذا العتم 

خريف أخر يشعل حرائق الشوق بجمر الانتظار اللامتناهي وربما هو موت مؤجل يفتح أبواب القلب لعرائش الحنين ويشرع نوافذه لرياح تلتهم أوردة الحياة في لوحة تشرينية الولادة ويطفئ شمعة أخرى من عمر الزنابق

ترن ساعة الحائط بصدا حزين كقداس في صلاة الجنازة  في هذه الساعات يتكاثر السواد قنديل وحيد معلق فوق الباب بالكاد يستطيع الناظر إليه أن يلمح شعاعه حتى الفراشات لم تقترب لتلتف حوله لم يغرها نوره الخافت كأنه سراب بعيد والليل يرتل مع الحفيف الممتزج بدموع الثكالى صلوات لللذين تاهوا في سراديب العتم على أرصفة الانتظارات اللامبالية الهدوء قاتل سكون مخيف يعبث بقلوب العاشقين فيكسرها بنوبة مفاجئة 
ها هنا تجلس وحيدة تتسكع كالمتسولين على لحن أغنية لم تكتمل بعد تمر بين الأفواه مكسورة النظرات تحاول أن تستجمع قواها لتعود وتقف بتوازن دون جدوى جسدها منهك متهالك تشعر بثقل في رأسها كأن دوامة تثور في دماغها فيزوغ بصرها كان الوقت يمر ببطء بمحاذاتها حتى انهك نبضات قلبها الطفولية وشحب لونها زرقة عينيها تحولت للكحلي الداكن كسماء شتوية الصورة 

تنظر إلى نفسها ترنو بحنان إلى هذا السواد من حولها عل حدثا ما يفاجئها فيعيد لوجهها شيئا من حمرته ويزرع على الشفاه المتيبسة من شمس الغياب ابتسامة ربيعية كتراتيل السنونوات  في صلاة الفجر

تستعيد فصلا من عمر مضى وانتهى
تفتح باب بيتها تمشي بتعرج باتجاه تلك الطريق تسقط تتكئ على زجاج قلبها المتناثر على هذه المرايا العاتمة لا شيء يعكر صفوتها تحت هذه الرذاذات الخفيفة الناعمة كأنها تصغي لرعشة الحمى في صدى نفخة من صدر عازف ناي حزين تتسرب إلى مسامعها فترتعش وتغوص في مسامات جلدها الرقيق رائحة التراب المبلل بماء الحياة جسدها ملقى على الأرض متعب مشطور كوتر كمان تمزق من كثرة ما عزفت عليه أنامل الغائب لحنا وداعي النغمة لا حراك ولا روح ولا صوت

ها هنا تعرت ملامح المكان حولها من مكوناتها تحت هذه السماء الضبابية
تقول في نفسها والكلمات تتلعثم على شفاه الصمت لا أملك من الوقت ما يكفي لانتظر غدا ربما لن يأتي قد عرتني هذه العواصف من اسمي ومن لغتي من ذكرياتي القديمة ومن صور تعلقت كشفرات المقصلة على جدران ذاكرتي حملت عني حطام قلبي المتبعثر وبقايا أحلامي الضائعة خلعت عن جسدي المتهالك ثوبه الرمادي المائل للسواد بعض الشيء 

جردتني تلك الرعود بصوتها المذعور من لساني الأبكم المتورم من إختناقه في سنين صمته الماضية

تحاول النهوض مجدداً لكنها لا تستطيع الوقوف تجلس بحالة القرفصاء على الأوراق المنثورة من حولها تحدث ظلها المختبئ في عباءة هذا الليل الدامس المستوحش
أسمع يا ظلي ها أنا أطوي الصفحة الأخيرة في كتابي الثلاثيني بكامل تفاصيلها صفراء ممزقة من كثرة ما عصفت بها أعاصير الأشتياق و خدشتها مخالب ذلك الوحش الذي يسمى الغياب ورمتها شظايا موت تحت الأنقاض لتحترق و تختلط بالرماد فتحملها أجنحةُ الريح إلى المجهول وربما إلى هاوية مدلهمة

أخبرني يا ظلي لماذا تختبئ مني هل انت خائف من أن أشيخ ذات يوم وأنت برفقتي فتنكسر صورتك من وزر السنين وتنحني وينحني ظهرك كعود قصب في مهب الريح
ها أنا أصور أخر  الحروف مشدوهة أغلق صفحة الثلاثين بلا أمل بلا حب بلا وطن واسمي تنحى جانبا فلم يعد من الفراغ مايكفي لبصمته المشوشة وأخرج لا شيء معي سوى تلك الكلمات المصلوبة بين السطور على أوتار القلب في دفتر قديم

هل سأراك ذات مساء تفتقدني تشتاق لصدى صمتي تجلس أمام قبري تروي أزهره التشرينية المحاطة بي تحمل مذكرتي تقلب الأوراق المصفرة من جراء ما تتالى عليها خريف الذكريات فتسقط كالدمعة بين كلماتي أم أنك سوف تنساني إذا ما رأيت شمس الصباح تعلو جبهتك ؟

أخبرني يا ظلي هل أغلق تلك الصفحات بنقطة سوداء أخيرة وأعتم عدسة الذاكرة أم أفتح صفحة الأربعين بزهرة بيضاء تعطر بداية ذكرى جديدة؟

هل أقفل كتاب الحياة بمفاتيح الموت الداكنة أم أفتح سماء الانتظار بصرخة أنثى ؟
اخرج من كهفك المتكور تحت ظل تلك الصفصافة كن أكثر جرأة وواجهني لا تتمسمر أمامي كجثة تصلبت على أهداب موجة مهاجرة هات وشاحك وغطني بالعتم علي أغفو في أحضان هذا التراب مبعثرة فوق هذا الغبار الذهبي العتيق على موسيقى الكمنجات الباكية على ضفة غيمة في أوائل الخريف.


 اقرأ المزيد لـ علا شيحة


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا 


ليست هناك تعليقات