أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« بين تونس والعالميّة » ... بقلم : د. علاء الأديب



   « بين تونس والعالميّة »
  بقلم : د. علاء الأديب
   14/11/2018


« مجلة منبر الفكر »
د. علاء الأديب  تونس 14/11/2018


خمس سنين في تونس تأكد لي من خلالهن بأنها يمكن أن تكون بمصاف الدول المتقدمة لما فيها من طاقات علمية هائلة ومن جد واجتهاد عند أهلها ومن عزم ومثابرة عند متعلميها ومثقفيها ومن إصرار على حبّ الحياة رغم آلامها واوجاعها.

وربّ سائل يسأل
- لماذا إذن لاتكون وما المانع أن تكون وهنا يمكن أن ألخص الاسباب بما يلي:
أولاً:
عاشت تونس عهدا من الاستعمار الفرنسي الذي حقق فيها لنفسه علي حساب هذا الشعب مكاسب كثيرة من خلال استعمارها استعمارا ثقافيا أكثر منه عسكريا .وليس لنا هنا متسع لنتاول حيثيات تلك المكاسب أو كيفية حصوله عليها وربّما سأتطرق الى هذا تفصيلا في مقال لاحق بإذن الله تعالى.

ثانياً:
مرور تونس بعد حقبة الاستعمار بعهد الجمهورية الاولى إن صح التعبير وتحديدا فترة حكم الزعيم الراحل بورقيبة الذي كان ومازال رمزا وطنيا بالنسبة للشريحة الأكبر من التونسيين ورغم كلّ ماكان يتصف به الرجل من صفات وطنية لاغبار عليها إلا انّ امتدادات التأثير الفرنسي باستعماره الثقافي ظلّت تعرش على الكثير من مفاصل سياسة الدولة التونسية وبقايا الجشع والطمع الفرنسي ظلّت تؤرق التونسيين في ثرواتهم ومصادر أموالهم فالتطهير الكامل لم يكن قد أخذ طريقه بالتمام والكمال من هيمنة قديمة شديدة البأس .
ومع ذلك تمكن التونسيون بماذكرت عنهم سلفا أن يقوموا ببناء دولتهم الجديدة على اساس منهجي علمي تمكنوا من خلاله أن يرسموا ملامح الدولة الأقرب من الحضارة الجديدة من بين الدول العربية وخاصة دول المغرب العربي.

وإن ماساعدهم على ذلك المنهجية القويمة الملائمة لزمانها التي وضعها بورقيبة لشعبه وافشاء روح التثقيف باتجاه الحداثة والتحديث بعيدا عن الابعاد والرؤى السياسية أو الدينية التي قد تكون حائلا بين الشعب والانفتاح على الحضارة الغربية .

هذا من جانب ومن جانب اخر ماسعى اليه الرجل في تحرير المرأة واطلاقها من اسرها الي عالم المشاركة في الابداع والنهوض بواقع حال البلد يدا بيد مع الرجل ليستثمر طاقات خلاقة كانت مدفونة تحت ركام التقاليد اليالية والقيم التي أكل عليها الدهر وشرب .ولم تكن تلك الإنطلاقة بطبيعة الحال غير محسوبة بحسابات دقيقة بل كانت محسوبة بالفعل بحسابات دقيقة وعلى شكل مرحلي غير فوضوي.

لذا فأنها قد اتت بثمارها في وقت اقل مايقال عنه بأنه ليس بطويل بعد حصول تونس على استقلالها .

ومع كل هذا لايمكننا القول بأن عهد الجمهورية الاولى كان خاليا من اخطاء ستراتيجية ظلت تبعاتها ماثلة الى يومنا هذا وتلك الاخطاء يدركها بطبيعة الحال التونسيون اكثر من غيرهم .ومن المؤسف جدا ان تلك الاخطاء ونتائجها تعدّ شئنا أم أبينا من الأسباب التي كانت ومازالت حائلا بين تونس وبين وصولها الى العالمية في تطورها في كافة المجالات التي برع بها هذا الشعب . 

اني ارى احقاقا للحق القول بأن عهد الزعيم بورقيبة وإن لم اكن قد عشته لكن على الاقل بما قراته عنه وما سمعته من التونسيين انفسهم كان العصر الذهبي لتونس واهلها رغم الضغوطات الكبيرة التي واجهت الرجل في مرحلتي الجلاء وبناء الدولة بناء مؤساساتيا ذو صبغة متحضرة. 

أما الخوض في تفاصيل الاخطاء الستراتيجية التي وقعت في ذلك العهد واتي لايمكن ان تفصل عن الاسباب التي تحول بين تونس والعالمية في تطورها فإن موضوعها طويل وشائك وممتد الجذور الى ماقبل عهد الجمهورية اي انه مرتبط ارتباطا وثيقا بعهد الاستعمار الفرنسي للبلاد والذي لم تتمكن الدولة الفتية الخلاص منه لفترة وجيزة من ولادتها .

وهذا ما جعل الفرنسيين يستقتلون بكل مالديهم من قوة ان يديموا ويبقوا على ماتبقى لهم في هذا البلد من خلال السياسة والاقتصاد بوجه الصديق ونية المستعمر السابق.

ثالثاً:
عهد الجمهورية الثانية والمقصود هنا عهد حكم الرئيس زين العابدين بن علي الذي اطاح برئاسة الزعيم بورقبة بانقلاب عسكري .في هذا العهد ظهرت ملامح سلطة العائلة التي تعددت فيها الأهواء والمطامع والفساد المالي والاداري التي طالما اثارت التونسسين واجبرتهم على رفضها والتصدي لها وبدأت المعارضة السياسية للنظام وسياساته تعلن عن نفسها وعن مناهجها في الوقت الذي كان يبتعد فيه الزين عن منهجية بورقيبة شيئا فشيئا رغم علمه بأن بورقيبة لم يتم بناء الدولة بكاملها وإن اتمام البناء بحاجة الى زمن أطول من زمنه وإن عليه ان يحصل لتونس ماتبقى لها عند مستعمريها الذين كانوا يسيطرون عليها بالكامل.

والطامة الكبرى في هذا الموضوع بأن الشعب التونسي بفطنته كان يدرك ما يدركه بن علي وهذا ماجعل الاخير يبحث عن سبيل للخلاص من مساءلة الشعب وردة فعله فما وجد الا ان يتبع سياسة الالهاء واقصاء الفكر التونسي عن هذا المضمار فاعد للشباب سياسة القتل البطئ من خلال السماح بترويج المخدرات تارة والتغاضي عنها تارة اخرى اضافة الى استغلاله لمبادى افشاء الحريات الشخصية بصورة سلبية تتنافى مع الاسس والاطر المدروسة والمحسوبة ضمن منهجيات الدولة الجديدة التي وضعها بورقيبة 

وبذلك فقد ضمن بن علي البقاء في سلطته طيلة تلك الفترة سليما مطمئنا مع مالديه من قدرات قمعية يعتبرها الجميع في تونس من اشد واقسى اجهزة القمع الحكومي.

وبهذا ابعد بن علي بسياسته تونس عن العالمية ردحا طويلا من الزمن.حتى جاءت الثورة التي اشعلها الجوع والبطالة ولم تشعلها السياسة.

رابعاً :
الثورة بين الهدف والحقيقة
كان يعتقد جميع التونسيين بأن ثورتهم ستعيد لهم مافقدوه خلال فترة حكم بن علي على الرغم بأنهم يدركون جميعا بأنها لم تكن ثورة مسيسة ذات منهجية أو ستراتبجية محددة بل كانت ثورة خبز وعمل .

وهذا ماجعلها سهلة المنال من قبل الأحزاب التي استولت على ثمارها الاولى وغيرت من اتجاهها وفقا لمصالحها من خلال محاولة اقناع الناس بالديمقراطية التي يحلم بها العربي بطابعها وشكلها الغربي ظنا منه بأنه سيعيش هذا النوع من الديمقراطية التي تكفل له حق التعبير عن الرأي وحق العيش الرغيد والخلاص من ثقل الضرائب والديون التي انهكته طيلة تلك الفترة

حتى فوجيء بما زاد مواجعه وارهقه الى الحد الذي صار شغله الشاغل كيفية الحصول على قوته وقوت عياله اليومي.حيث الغلاء وارتفاع نسب الضرائب والبطالة وهجرة الشباب المتعلم الشرعية وغير الشرعية عن تونس وكثرة ضحايا الهجرة غير الشرعية عبر البحر .

مرورا بتدني مستوى الخدمات على الأغلب.وعدم المبلاة في العودة لبناء الدولة الذي بدأه بورقيبة .وهكذا فلم تضف الديمقراطية الحلم الا الحق في شتم هذا وذاك من المسؤلين دون حساب او عقاب.وكانت في بعدها عن تونس التي يمكن ان تكون بمصاف دول العالم المتقدمة أبعد ممن قبلها .

ومع كلّ ماتقدم فإن لبنات تطور هذه البلاد مازلت موجودة في نفوس اهلها وان عزيمتهم على الكينونة الراقية علما وادبا مازلت نابضة في صدورهم ومازالوا رغم كل هذا يسعون لتدريس ابنائهم بافضل مستويات الدراسة وارقاها لانهم مؤمتون يقينا بأن العبرة في الأجيال القادمة وإن تونس قد تمرض لكنّها لاتموت.



  اقرأ المزيد لـ د. علاء الأديب


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا


هناك تعليق واحد:

  1. شكري وتقديري الكبيرين لصحيفة الفكر وللقائمين عليها.

    ردحذف