أخبار الموقع

اهــــــــلا و سهــــــــلا بــــــكم فــــــي موقع مجلة منبر الفكر ... هنا منبر ختَم شهادةَ البقاءِ ببصمةٍ تحاكي شَكلَ الوعودِ، وفكرةٍ طوّت الخيالَ واستقرتْ في القلوبِ حقيقةً وصدقاً " اتصل بنا "

« غرفة النوم » ... أقصوصة بقلم : منير الجابري



  « غرفة النوم »
    بقلم :  منير الجابري
   3/1/2019


« مجلة منبر الفكر »
منير الجابري     تونس  3/1/2019


مضت أيام الخريف مسرعة ؛ وقد عرت الرياح النباتات وتلاعبت بأوراقها ٠التي تناثرت على القرية ٠فهي تتوسطالجبل ٠ مسالكها متشعبة ؛ يلفها وشاح ابيض في الشتاء٠ تتلاعب الرياح بحبات الثلج وتذروها في كل اركانها ٠
فتغيب ترنيمة العصافير ٠
بدأت الشمس تختفي تحت تكاثف السحب ويقترب الليل من ولوجه ٠حينها أسرعت دليلة الى جمع خرفانها ؛ لتعود الى المنزل ٠مشت خلفها حتي لا تترك مجالا لضياع أحدها ٠ ومن حين لأخر تقفز بقدها النحيل بين الأشجار المتعانقة ٠ فهي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها ٠ماتت أمها وهي لازالت طفلة ٠كانت دائما تحدق في رسم أمها ثم تقبله بلهفة ؛ وتضمه الى صدرها ٠ لم تدخل الى المدرسة ؛ لأن المسافة طويلة جدا بين القرية والمدرسة ٠
وصلت الى المنزل فوجدت والدها في آنتظارها ٠أسرعت الخطي نحو المطبخ لإحضار العشاء كعادتها ٠
فجأة أحست بألم شديد في بطنها وبدوار ؛ أتمت الطبخ على مضض وأسرعت الى بيت شقيقها حتي تسأل زوجته ربما تجد دواءا ٠
- لدي ألما منذ مدة طويلة في بطني !!!
- هل أكلت شيء غير عادي ؟
-لا
- هل تشعرين بدوار ؟
- نعم
- أضن أنك حامل !!!
كان الخبر كالصاعقة وبسرعة غادرت منزل شقيقها نحو منزلهم ؛ قدمت العشاء لوالدها وأوهمته بأنها تشعر بالنعاس ستخلد الى النوم ٠
كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة ليلا ٠ غادرت القرية تحت جناح الظلام وآتجهت صوب الطريق ٠ كان الوحل يمسك بقدميها لكنها سرعان ما ترفعه ٠حين إبتعدت عن محل سكناها ؛ جلست تحت شجرة بجانب الطريق ٠ حتي تسترجع أنفاسها ؛ فقد نهشها التعب في كل جانب ٠أدارت بصرها نحو القرية ؛ تنبعث منها أنوار خافتة جدا فقد حجبها الظلام ٠وتلاشت ٠ فجأة رأت وميض نور ينبعث من بعيد وبدأ رويدا رويدا يقترب منها ٠إنها شاحنة إنتصبت واقفة وأشارت عليه٠
إستجاب !!! وقف وطلب منها الصعود ٠
نظرت اليه ومسحت الدموع من مقلتيها ٠ فهو رجل قد تجاوز الخمسين من عمره وغزي الشيب رأسه ٠ بادرها بالسؤال
- الى أين انت ذاهبة ؟
- لا أعلم سيدي !!!
إستغرب ردها وواصل طريقه نحو منزله ٠ومن حين لآخر يسترق النظر إليها ؛ أجفانها قد غارت وجمدت وبشرة وجهها قد إصفرت وذبلت ٠أشارت الساعة الى الواحدة بعد منتصف الليل ؛ عند وصوله الى منزله ؛ فتح الباب ونادي زوجته وأوصاها بالاعتناء بدليلة وهمس اليها أن تعرف قصتها كاملة ٠
أسرعت نحو دليلة وأمرتها بتغير ملابسها لأنها ترتعش من شدة البرد ٠وأشعلت لها " الكانون " وأحضرت لها الطعام ٠
بدأت تشعر بالدفىء ٠ سألتها - هل تحكي لى عن قصتك ربما نجد لك مخرجا !!!
- قصة طويلة كلها مخضبة بألم والأوجاع ٠ كنت أعيش مع أبي في القرية ؛ أسهر على راحته وأرعي الخرفان ٠
وكان في قريتنا دكانا وحيدا ؛ أتردد عليه لقضاء شؤوننا ٠
أوقعني في شباكه ومارست معه الرذيلة ٠ كنت أعتقد أنها مجرد نزوة عابرة لكنها أثمرت ٠ وحين تفطنت زوجة أخي الى أمري هربت خوفا من الإنتقام ٠وتتعالى طقطقات الحطب تحت لهيب النار ؛ فتتراقص ألسنة اللهب ٠
إستوعبت المرأة الحكاية ثم عرضت الأمر على زوجها ٠
- دعيها تنام وفي الصباح سأجد لها حلا مناسبا !!!
وفي صباح اليوم الموالى ؛ ذهب الرجل الى المقهي المجاور لمنزله ٠وسأل أحد أصدقائه
- هل مزال صديقك الثري في العاصمة يحتاج الى معينة منزلية ٠٠٠
- نعم إنه يسأل كل يوم عن الموضوع
- قل له بالهاتف لقد وجدت له فتاة عمرها سبعة عشرة عاما ؛
شرط أن يأتي الى هنا وأتحدث معه في بعض التفاصيل ٠
قدم الرجل من العاصمة بعد ساعتين ٠ فشرح له كل الامور بدقة ٠ رحب بها ووعده بأنها ستكون في أمان ٠
ركبت دليلة مع مشغلها وآتجهت الى العاصمة ٠وما إن وصلت حتي وجدت ترحابا من الزوجة فهي سيدة البيت ٠
جلست وتأملت في زوايا المنزل واجهتها جدران بألون زاهية تريح النظر وستائر فخمة تنسدل على النوافذ ٠ فتضفي على المكان جمالا يوحي بترف غير عادي ٠
مرت الأشهر مسرعة ٠وذات مساء جاءها المخاض ٠ حملها الرجل صحبة زوجته على جناح السرعة الى أقرب مستشفي٠
بعد الولادة غمر الفرح الجميع بالمولود ٠حينها أخذت الزوجة صحبة زوجها قرار بتبني الطفل ٠لأنه قد مر سنوات على زواجهما ولم ينجبا أطفالا ٠ نظرت اليهما دليلة وقالت
- هذا المساء يبدو غريبا أكثر من أي مساء آخر !!!
إختلط الفرح بالألم والخوف من المجهول ؛ كل شيء عظيم وجميل بالنسبة لها ٠ أن يسير بها القدر الى أحضان هاته العائلة المملوئة بالراحة والهدوء ٠ حتي لا يعيش إبنها مثلها ؛ لأنها عاشت الوحدة والانفراد بعد وفاة أمها ٠
مرت أكثر من سنة على ولادة إبنها ؛ فهو كان حلقة الوصل بين الجميع ٠
وفي إحدي أماسي الصيف الجميلة ؛ إجتمعت العائلة في الحديقة وأحضرت دليلة كؤوس الشاي ٠ترشفت الزوجة كأسها ونظرت إليها إبتسمت ثم قالت
- سأطلب منك شيء ؛ فكري جيدا قبل أخذ القرار المناسب !!
-تفضلي سيدتي !
- هل تقبلين الزواج من زوجي !!!
رفعت دليلة بصرها ولم تنطق ببنت شفة لأنها رأت في هذا السؤال لهجة غريبة ؛ ثم حولت نظرها نحو النافذة وبقيت صامتة ؛ تفكر في تلك الكلمات ؛ مصورة لكل كلمة معني ؛ راسمة لكل معني حقيقة ٠ تطفو الأحداث تنط الى سقف الذاكرة للتتوالد المشاهد غير مرتبة ٠ تعود بها الى القرية ٠
قبلت دليلة الطلب حتي تري القادم أفضل لها ولآبنها ؛ حتي
لا تبقي ضائعة خائفة في ظلمة حالكة ٠
أنجبت دليلة بنت وصبي وظلت ترعي أبنائها الثلاثة ٠
إلا أن سيدة بدأت التململ لأنها تعيش وحدة قاتلة ؛ أحيانا تراود الدموع أجفانها ؛ فتتحسس بطنها لأنها سبب تعاستها ٠فهي لم تثمر أطفالا ٠
جلبها الفضول الى النبش في الماضي ؛ ربما تجد ثغرة أو تصنع حدثا تجعل زوجها يعود اليها ٠ جهزت سيارتها،وتوجهت نحو القرية التي تمثل مهد دليلة ٠حين وصلت بدأت تبحث عن أخيها ٠ وجددته ومدته بكامل تفاصيل الحكاية ٠
- لقد ظننا أنها ماتت
- هي حية تعيش أرغد العيش
- أبي مات ولا يعرف شيء عنها
حركت فيه حقدا دفينا مشحونا بالانتقام من صاحب الدكان وأخته لكنه توفي منذ خمس أسابيع ٠
إتفقا على النزول الى بيت أخته ؛ حتي يجد حلا لغسل العار ٠
إستقبله صهره أحسن إستقبال وعرض عليه أن يقضي معهم تلك الليلة ٠بدأ الشك يساور دليلة حول تصرفات أخيها ٠ تجاوزت الساعة منتصف الليل ٠ذهب شقيقها الى النوم ٠ دخلت مع زوجها الى غرفة النوم وأصرت أن يخرجا من النافذة حتي يراقبا ضيفهما ٠مر وقت قصير ٠ فجأة فتح باب غرفة النوم وآنهال على الفراش بالسكين لكنه طعن المخدة ٠
حينها طلب زوجها النجدة ٠٠٠٠




 اقرأ المزيد لـ منير الجابري


لإرسال مقالاتكم و مشاركاتكم
يرجى الضغط على كلمة  هنا


ليست هناك تعليقات